العزلة الاجتماعية: كيف تُؤثّر 8 ساعات من الوحدة على صحتك؟
في الحياة اليوميّة، غالباً ما يشعر النّاس بالتّعب الشّديد، ممّا يدفعُهم إلى تجنُّب التّفاعل الاجتماعيّ، ولكن المفارقة تكمن في أنَّ هذا التّعب قد يكون نتيجةً للعُزلة نفسِها
تُشير الدّراسات الحديثة إلى أنَّ العزلة الاجتماعية لفتراتٍ طويلةٍ لها تأثيراتٌ كبيرةٌ على الصّحة العقليّة والجسديّة، بينما قد يعتقد البعض أنَّ قضاء بعض الوقت بمفردهم قد يكون مريحاً، إلّا أنَّ الأبحاثَ تُشير إلى أنَّ العزلة المُطوّلة، حتى لو كانت ليومٍ واحدٍ فقط، يُمكن أن تُؤدّي إلى نتائج سلبيّةٍ على العقل والجسد، مثل تلك التي تنجم عن حرمان الجسم من الطّعام.
مشكلة العزلة الاجتماعية
في الوقت الحاليّ، قد يبدو من المفارقة أن يكون هناك تزايدٌ في العزلة الاجتماعيّة، فقد أظهرت دراسةٌ أجراها مكتب الإحصاء الأميركيّ عام 2012 أنَّ المواطن الأميركيَّ يقضي نحو 15 ساعةً أسبوعيّاً في التّفاعل الاجتماعيّ مع الأصدقاء والزّملاء، إلّا أنَّ هذا الرّقم انخفض إلى 10 ساعاتٍ فقط بحلول عام 2021.
يُرجِع البعض هذا الانخفاض إلى انتشار التّكنولوجيا الحديثة، مثل الهواتف الذّكيّة ووسائل التّواصل الاجتماعيّ، بينما يُلقي آخرون باللّوم على جائحة كوفيد-19 أو تراجُع روح الجماعة في المجتمع الأميركي؛ وبغضّ النّظر عن السّبب، فإنَّ التّأثيرات النّاتجة عن هذه العزلة واضحةٌ وخطيرةٌ.
تأثير العزلة الاجتماعية على الصّحة العقليّة والجسديّة
كشف الجرّاح العامُّ للولايات المتّحدة، فيفيك مورثي، أنَّ العزلة الاجتماعية تعدُّ "حالة طوارئٍ صحّيّةً وطنيّةً"، كما وتوصّلت الدّراسات إلى أنَّ قضاء فتراتٍ طويلةٍ بمفردِك قد يُؤدّي إلى ارتفاع معدّلات القلق والاكتئاب، بالإضافة إلى زيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والخرف وحتّى الوفاة المُبكّرة.
ومن الجدير بالذّكر، أنّ ما يجعل هذه النّتائج مُقلِقةً بشكلٍ خاصٍّ هو سُرعة تأثير العزلة الاجتماعيّة، فبحسب دراسةٍ حديثةٍ أجرتها جامعة فيينا بالتّعاون مع جامعة كامبريدج، فإنَّ قضاء 8 ساعاتٍ فقط من العزلة الاجتماعية له تأثيرٌ مُماثلٌ على مستوى الطّاقة والمزاج، كما يحدث عند الحرمان من الطعام طوال اليوم، إذ تتفاعل أجسامَنا مع العُزلة بنفس الطّريقة التي تتفاعل بها مع نقص الغذاء، ممّا يجعلنا نشعر بالتّعب والكسل الذّهنيّ.
الدّراسة العلميّة حول العزلة الاجتماعية
في ذروة جائحة كوفيد-19، استخدم الباحثون فترة الإغلاق كفرصةٍ طبيعيّةٍ لدراسة تأثير العزلة الاجتماعية، إذ أُجريت التّجارب على مجموعةٍ من المتطوّعين الذين تمَّ عزلُهم لمدّة 8 ساعاتٍ تحت المُراقبة العلميّة، فأظهرت النّتائج أنَّ العزلة أدّت إلى انخفاض مستويات الطّاقة وزيادة التّوتر والتّعب.
أوضح الباحثان آنا ستيجوفيتش وبول فوربس، القائمان على الدّراسة، أنَّ هناك تشابهاتٍ مُذهلةً بين العُزلة الاجتماعيّة والحرمان من الطّعام، كما وأكّدت الدّراسة أنَّ العُزلة تُؤدّي إلى انخفاض الطّاقة بنفس الطّريقة التي يُؤدّي بها نقص الغذاء، مما يُعزّز فكرة أنَّ التّواصل الاجتماعيَّ هو حاجةٌ ضروريّةٌ مثل الغذاء.
التّعب والعُزلة
في الحياة اليوميّة، غالباً ما يشعر النّاس بالتّعب الشّديد، ممّا يدفعُهم إلى تجنُّب التّفاعل الاجتماعيّ، ولكن المفارقة تكمن في أنَّ هذا التّعب قد يكون نتيجةً للعُزلة نفسِها، إذ إنَّ البقاء بمفردِك لفتراتٍ طويلةٍ قد يزيد من الشّعور بالتّعب والإرهاق، ممّا يُؤدّي بدوره إلى تجنُّب المزيد من التّفاعل الاجتماعيّ، وهو ما يخلِق حلقةً مُفرغةً.
إضافة المزيد من التّفاعل الاجتماعيّ إلى روتينك اليوميّ، حتّى لو كان بسيطاً مثل تناول الغداء مع زميلٍ أو إجراء مُحادثةٍ قصيرةٍ، يُمكن أن يُحسّن مستويات الطّاقة بشكلٍ ملحوظٍ، تماماً كما تفعل وجبةٌ مُغذّيّةٌ، إذ تقول الدّراسات إنَّ الجُهود المبذولة لتعزيز التّواصل الاجتماعيّ يُمكن أن تكونَ فعّالةً في تحسين الأداء الذّهنيّ والجسديِ.