العلوم العصبية تُؤكّد: الرياضة تُعزّز ذكاءك
تُقلل من توترك وتزيد من سعادتك، وبشكلٍ مدهشٍ، تجعلك قائداً أفضل
إن كنتَ تطمحُ باستمرارٍ لتتفوّقَ على منافسيكَ، وتجتهدُ لزيادةِ معرفتكَ، واتّخاذِ قراراتٍ مدروسةٍ، وتعزيزِ قدراتك في حلِّ المشكلاتِ، بمعنى آخر، إن كنتَ رائدَ أعمالٍ، فينبغي أن تكون الرّياضةُ جزءاً لا يتجزّأ من روتينكَ اليوميّ، وليست مجرّد فكرة ثانويّة. فالنّشاط البدنيُّ يُمكنه أن يسهمَ بشكلٍ كبيرٍ في تحقيقِ نجاحكِ ورفعِ مستوى سعادتكَ.
لنأخذ مثالاً: تشير الدّراسات الّتي أجراها نظام الصّحّة العسكريّ إلى أنّ التّوتر المستمرّ يُمكن أن يؤدّي إلى تراجعِ الثّقةِ لدى القادةِ وانخراطهم في الانطواءِ على أنفسهم بدلاً من التّركيز على فرقهم. من جهةٍ أخرى، أظهرت دراسةٌ نُشرت في مجلّة "Brain Plasticity" أنّ لدى النّشاط البدنيّ الهوائيّ؛ القدرة الفائقة على تقليلِ مستوياتِ القلقِ، آنيّاً ولفترةٍ تمتدِّ لساعاتٍ بعد ذلك.
وبحسبِ الباحثين، لا يقتصرُ دور النّشاط البدنيّ على تخفيفِ القلقِ فقط، بل يمنحكَ القدرةَ على التّعاملِ بهدوءٍٍ أكبر في مواجهةِ المواقفِ الصّعبةِ. بمعنى آخر، يُمكن أن يكونَ للنّشاطِ البدنيّ دورٌ فعّالٌ في تحسينِ مهاراتك القياديّةِ. لكنّ هذه ما هي إلّا واحدةً من الطّرقِ الّتي يُمكن للرّياضةِ أن تُكسِبكَ ميّزةً تنافسيّةً.
تعزيز الوظائف الذهنية الشاملة عبر ممارسة الرياضة
النّشاط البدنيّ يُوسِّع الأوعية الدّمويّة، ويزيدُ من تدفّق الدّم والأكسجين إلى الدّماغ. هذا بحدّ ذاته يُعتبر ميّزةً قيّمةً، لكنّ الأبحاث الّتي نُشرت في مجلّة "Journal of Comparative Physiology" تُظهر أنّ زيادة تدفّق الدّم تُحسِّن أيضاً من مرونة الدّماغ، وتُعزِّز من الجوانب الوظيفيّة للمناطق المختلفة من الدّماغ الّتي تشارك في العمليّات الذّهنيّة.
كما يُفيد الباحثون أنّ "الأفراد الأكثر نشاطاً أو لياقةً بدنيّةً يمتلكون القدرةَ على تخصيصِ مواردَ انتباهيّةٍ أكبر نحو البيئةِ المحيطةِ بهم، ويُمكنهم معالجة المعلوماتِ بسرعةٍ أكبر".
زيادةٌ في الانتباه، وسرعةٌ في المعالجة؛ الأمرُ ليس سيّئاً كبدايةٍ.
الرياضة: تبني دماغاً أكبر وأقوى
الدّماغ، هذا النّسيج العضويّ الرّائع، ليس محصّناً ضدَّ آفات الزّمن. فبمجرّد أن نتجاوز عتبة العشرينيّات من عمرنا، يبدأ الهيبوكامبوس، تلك المنطقة المخصّصة للتّعلّمِ والذّاكرةِ في الدّماغِ، في التّقلّصِ بمعدّلٍ يُقاربُ 1% سنويّاً.
هذا التّقلّص ينعكسُ، بلا شكٍّ، على قدرتنا على معالجةِ المعلوماتِ والحفاظ ِعليها. لكنّ الأمور لا تقفُ عند هذا الحدّ. فالرّياضةُ، كما تفعلُ مع العضلاتِ الهيكليّةِ، تمتلكُ القدرةِ على كبحِ جماحِ هذا التّدهور، بل والعودة به إلى الوراءِ. وعلى عكسِ ما يُعتقد عادةً، الدّماغ قادرٌ على إنتاجِ خلايا جديدةٍ. فقد أظهرت دراساتٌ نُشرت في محاضراتِ الأكاديميّةِ الوطنيّةِ للعلومِ، أنّ الرّياضة تُسهم في توسيع حجم الحصين، حتّى في مراحلِ العمرِ المتقدّمةِ، مُقلّلةً بذلك من تأثيراتِ فقدانِ الذّاكرةِ المرتبطةِ بالشّيخوخةِ.
وبالإضافة إلى ذلك، يتبادلُ الدّماغُ والعضلاتُ إشاراتٍ كهروكيميائيّةٍ باستمرارٍ. فعندما تنقبضُ عضلاتك، تنطلقُ موادٌّ كيميائيّةٌ تندفعُ في مجرى الدّمِ لتصلَ إلى الدّماغ، حيث تُعزّز من تكوين الخلايا العصبيّة الجديدة، وتُحسّنُ من اللّدونة المتشابكةِ، مما يُعزّز بالتّالي من الذّاكرةِ والقدراتِ المعرفيّةِ.
عضلات أقوى تُفضي إلى دماغٍ أقوى.
الرياضة: مُحفِّزٌ فعّالٌ للتركيز والانتباه
حسب ما نُشر في مجلّة "الطّبّ الرّياضيّ الانتقاليّ"، تُسهم التّمارين الهوائيّة، الّتي تستمرُّ من دقيقتين إلى ساعةٍ وبدرجة نشاطٍ تتراوح ما بين المتوسّطة إلى العاليّة، في تعزيز التّركيز، والانتباه، والقدرات الذّهنيّة لمدّةٍ تصل إلى ساعتين.
بعد استعراض 13 دراسة متنوّعة، خلص الباحثون إلى أنّ النّشاط البدنيّ، متبوعٌ بفترة استراحةٍ مُختصرةٍ، يُمكن أن يُحسِّنَ من التّركيز، والانتباه، والذّاكرة العاملة، والذّاكرة القصيرة وطويلة المدى، وحتى الطّلاقة اللّفظيّة والقدرةَ على التّخطيطِ وحلّ المشكلاتِ.
الرياضة: مُحسّنٌ طبيعيٌ للمزاج
وجد علماءٌ في جامعة فيرمونت أنّ التّمارين الهوائيّة بشدّةٍ متوسّطةٍ، وبمعدّل ضربات قلبٍ يصل إلى حوالي 112 نبضة في الدّقيقة، تُحسِّنُ من المزاج لمدّةٍ تصل إلى 12 ساعة بعد الانتهاء من التّمرين.
ابدأ يومك بهذا النّشاط الصّباحيّ، وسيظلّ مزاجك حسناً طوال اليوم. "تُحسِّن التّمارين الهوائيّة بشدّةٍ متوسّطةٍ من المزاج فوراً، ويُمكن لهذه التّحسينات أن تستمرّ لمدّةٍ تصل إلى 12 ساعة"، كما يُفيدُ الباحثون.
لا تحتاجُ إلى إنهاك نفسكِ للشّعور بالنّشاطِ والحيويّةِ طوال اليوم. كُلّ ما عليكَ فعله هو النّهوضُ والحركةُ، والنّظر إلى هذا التّمرين الصّباحيّ كفرصةٍ لتحسينِ يومك، لا كعبءٍ. فكّر في هذا النّشاط كبديلٍ صحّيٍّ للقهوة الّتي تبدأ بها يومكَ.
الرياضة: مفتاح السعادة والرضا عن الحياة
حسب ما نُشرَ في المجلّة الدّوليّة للأبحاث البيئيّة والصّحّة العامّة، تبيّن أنّ الأفراد الّذين يمارسون نشاطاً بدنيّاً بشكلٍ متوسّطٍ أو عالٍ يتمتّعون بدرجاتٍ عاليةٍ من الرّضا عن الحياة والسّعادة. هذا الارتباط بين النّشاط البدنيّ والرّضا عن الحياة يُعبّر عن نفسه في جميع الأعمار، من الشّبّان إلى كبار السّنّ.
ومن الجدير بالذّكر أنّ الرّضا عن الحياة والسّعادة يزدادان مع تقدّم الفرد في العمر، وهو ما يُعتبر إشارةً إيجابيّةً للأفراد الأكبر سنّاً. وفي السّياق العلميّ لعلم الأعصاب، تُسهم الرّياضة في زيادة إنتاج الإندورفين، المعروف بأنّه "المُنشّط الطّبيعيّ للمزاج" في الدّماغ، حسب ما ورد في تقاريرِ عيادةِ مايو.
لكن لا يقتصرُ الأمرُ على الجوانبِ البيولوجيّة فقط، فالرّياضةُ تُعزّزُ أيضاً من الإحساسِ بالقيمةِ الذّاتيّة. بمعنى آخر، يُكسب الشّعورُ بالإنجاز، الّذي يأتي من مواجهة التّحدّيات، الفرد إحساساً بالفخرِ والرّضا.
فالرّياضة، كأيّ جهدٍ يُبذل ويُعتبر جديراً بالاحترامِ، قد لا تكون ممتعةً أثناء ممارستها، لكنّ الشّعور بالإنجازِ بعد الانتهاء منها يُعطي الفردَ طاقةً إيجابيّةً وثقّةً بالنّفس.