لماذا يواجه العاملون عن بعد خطر الاعتلال العصبي؟
تزايد العمل عن بُعد يعزز إنتاجية الموظفين، لكنه يحمل مخاطر صحيةٍ غير مرئيةٍ
في ظلّ التّطوّرات التي شهدها العالم بعد جائحة كوفيد-19، أصبح العمل عن بُعد (العمل من المنزل) جزءاً أساسياً من حياتنا. ورغم ما يوفّره هذا النّمط من مزايا، كمرونة الوقت والرّاحة، إلّا أنّه يرافقه تحدّياتٍ صحيّةٍ كبيرةٍ قد تؤثّر سلباً على العاملين. ومن بين هذه التحدّيات، يبرز الاعتلال العصبي المحيطي، وهو حالةٌ صحيّةٌ تنتج عن تلف الأعصاب، ما يؤدّي إلى شعورٍ بالخدر والضّعف والألم في الأطراف، وخصوصاً اليدين والقدمين.
تأثير العمل من المنزل على الصّحّة
بعد تفشّي الوباء، ارتفعت نسبة العاملين عن بُعدٍ بشكلٍ ملحوظٍ، حيث أظهرت الإحصائيّات أنّ 44% من الموظّفين في الولايات المتّحدة كانوا يعملون من منازلهم خلال الوباء، مقارنةً بـ 17% قبل الجائحة. وما زال العمل عن بُعدٍ يشكّل جزءاً كبيراً من نمط الحياة الوظيفيّة للكثيرين، حيث يتوقّع استمرار حوالي 77% من العاملين في العمل من المنزل لعدّة أيّام في الأسبوع.
ورغم الإيجابيّات التي يقدّمها العمل من المنزل، مثل القدرة على إدارة الوقت والمرونة في أداء المهامّ، إلّا أنّه أدّى إلى زيادة نمط الحياة الخامل. فقد قلّلت هذه البيئة الجديدة من النّشاط البدني الذي كان يعتمد عليه الموظّفون سابقاً أثناء تنقّلاتهم اليوميّة إلى مكان العمل. هذا النقص في الحركة يعزّز من فرص زيادة الوزن، ويؤدّي إلى مشاكلٍ صحيّةٍ أخرى مثل الاعتلال العصبي وإجهاد العضلات والعظام.
شاهد أيضاً: 3 طرق لشحن وتعزيز العمل عن بعد
والاعتلال العصبي هو حالةٌ تنجم عن تلف الأعصاب، ويعاني المصابون به من أعراضٍ تشمل الخدر والألم في الأطراف. ووفقاً للمعهد الوطني للاضطرابات العصبيّة والسّكتة الدماغيّة (NIH)، هناك مجموعةٌ من العوامل التي تزيد من احتماليّة الإصابة بالاعتلال العصبي، بما في ذلك أمراض المناعة الذاتيّة، والسكري، والسمنة، والإصابات الجسديّة. وفي حين أنّ العمل عن بُعدٍ ليس السّبب المباشر للإصابة بالاعتلال العصبي، إلّا أنّه يوفّر بيئةً محفّزةً لتبنّي عاداتٍ غير صحيّةٍ مثل الجلوس لفتراتٍ طويلةٍ، والتّدخين، وتناول الوجبات غير الصّحيّة، ما يزيد من خطر الإصابة.
يوضح الدكتور آلان شيه، طبيبٌ مخضرمٌ، أنّ العادات المرتبطة بالعمل عن بُعدٍ مثل الجلوس لساعاتٍ طويلةٍ وقلة النّشاط البدني تلعب دوراً في تدهور الصّحّة العامّة، وتحديداً في ما يتعلّق بصحّة الجهاز العصبي. ويشير إلى أنّ هذه العادات السّيئة يمكن أن تؤدّي إلى زيادة الوزن ومضاعفاتٍ أخرى تزيد من احتماليّة حدوث مشاكلٍ صحيّةٍ طويلة الأمد.
كيفيّة التّخفيف من مخاطر الاعتلال العصبي
رغم أنّ العمل عن بُعدٍ قد لا يختفي في المستقبل القريب، إلّا أنّ هناك خطواتٌ يمكن اتّخاذها للحدّ من تأثيراته الصحيّة السّلبيّة. من بين هذه الخطوات:
- ممارسة التّمارين الرّياضيّة بانتظام: من المهمّ تخصيص وقتٍ للتمارين البدنيّة خلال اليوم، ويمكن تقسيمها إلى جلساتٍ قصيرةٍ خلال فترات العمل.
- إعداد بيئة عملٍ مريحةٍ: يساعد إنشاء مساحة عملٍ صحيّة في المنزل في تقليل الضّغوط الجسديّة مثل آلام الظهر والعنق.
- اتباع نظامٍ غذائيٍّ صحّيٍ: يجب التركيز على تناول وجبات متوازنةٍ والابتعاد عن الوجبات الخفيفة غير الصحيّة.
- الحصول على قسطٍ كافٍ من الرّاحة: يساعد النّوم الجيّد في تعزيز صحّة الجسم بشكلٍ عامٍ وتقوية الجهاز العصبي.
بالإضافة إلى ذلك، بدأت العديد من الشركات في اتّخاذ خطواتٍ لتثقيف موظّفيها حول أهميّة العناية بالصّحّة البدنيّة والعقليّة أثناء العمل عن بُعدٍ. إذ تدرك المؤسّسات أنّ صحّة الموظّف لها تأثيرٌ مباشرٌ على إنتاجيّته وأدائه، وبالتّالي تسعى إلى تقديم الدّعم اللّازم لمساعدتهم على الحفاظ على توازنٍ صحّيٍ بين العمل والحياة الشّخصيّة.
هل يمكن علاج الاعتلال العصبي؟
على الرّغم من وجود اعتقادٍ شائعٍ بأنّ الاعتلال العصبي غير قابل للعلاج، إلّا أنّ الدّكتور شيه يؤكّد أنّ هذه الحالة يمكن إدارتها وحتى الشّفاء منها في بعض الحالات إذا تمّ اتّباع العلاج المناسب. يعتمد العلاج بشكلٍ أساسيٍّ على نوع الأعصاب التي تعرّضت للتلف، ويشمل مجموعةً من الخيارات مثل التّمارين العلاجيّة، والوخز بالإبر، واستخدام حمّامات المياه الدافئة.
من المهمّ أن يتعاون الموظّفون وأصحاب العمل معاً لإيجاد بيئة عملٍ توازن بين الإنتاجيّة والصّحة العامّة. ويجب أن يكون التركيز على الوقاية والعلاج من أيّ مشاكلٍ صحيّةٍ تنجم عن نمط الحياة غير المستقرّة، وذلك من خلال التّوعية والتّحفيز المستمر للموظّفين على العناية بصحّتهم.
يمكن القول إنّ العمل عن بُعدٍ هو واقعٌ جديدٌ لا مفرّ منه في عالم ما بعد الجائحة. ومع ذلك، يجب أن يكون الوعي الصّحيّ والاهتمام بالنّشاط البدني جزءاً أساسيّاً من هذا النّموذج لضمان استمراريّة الإنتاجيّة والحفاظ على صحّة الموظّفين.