العناية الذاتية: كيف يواجه القادة ضغوط الحياة اليومية؟
تتفاقم الضّغوط على القادة التنفيذيين، ممّا يتطلّب نهجاً متكاملاً للحفاظ على الصّحّة النّفسيّة والجسديةّ، وتحقيق التّوازن بين الحياة المهنيّة والشّخصيّة
يتعرّض القادة التّنفيذيون لضغوطٍ هائلةٍ تجعلهم في كثيرٍ من الأحيان يُضحّون بصحّتهم ورفاهيّتهم الشّخصية من أجل النّجاح المهنيّ، وتزداد هذه التّحديّات تعقيداً عندما يتعلّق الأمر بالنّساء في المناصب القياديَّة، اللّواتي يتحمّلن مسؤوليّاتٍ متعدّدةً في العمل والمنزل، ممّا يجعل إيجاد التّوازن بين الحياة الشخصيّة والمهنيّة أمراً بالغ الصّعوبة. لهذا، يحتاج القادة إلى وضع أُسسٍ قويّةٍ للعناية الذاتيّة، ممّا يضمن الحفاظ على صحّتهم النّفسيّة والجسديّة، وهي قضيّةٌ تزداد أهمّيةً يوماً بعد يومٍ.
في هذا السّياق، تُؤكّد هيذر فورتنر، الرّئيسة التّنفيذيّة لشركة "سيغنيتشر إف دي" (SignatureFD)، على ضرورة إعطاء الأولويّة للصّحّة العقليّة والرّفاه العاطفيّ، فخلال محادثةٍ مع مجموعةٍ من القادة، أشارت إلى أنّ كثيرين منهم، بما في ذلك نفسها، قد يخلطون بين العمل الجادّ وإهمال الذّات، وهي ظاهرةٌ أصبحت شائعةً بشكلٍ متزايدٍ في ثقافة العمل الحديثة الّتي تتطلّب التّواجد المستمرّ والاستجابة الفوريّة للمهامّ والطّلبات، وهذا السّلوك يُنهك الأفراد، ويُؤثّر سلباً على صحّتهم.
تحديات التوازن بين الحياة المهنيّة والشّخصيّة
تتحدّث فورتنر عن تجربتها الشّخصيّة كقائدةٍ تنفيذيّةٍ وأمٍّ، وكيف أنّها شعرت بتزايد صعوبة إيجاد مساحةٍ للعناية الذاتية، إذ تقول إنّ العمل الجادّ والالتزامات الأسريّة، خاصةً بالنّسبة لرائدات الأعمال والمديرات التّنفيذيّات، تجعل من الصّعب للغاية الحفاظ على توازنٍ صحيٍّ بين الحياة المهنيّة والشخصيّة، كما وتضيف أنّ النّجاح المهنيّ يرتبط في أحيانٍ كثيرةٍ بالصّحة الماليّة للأسرة، ممّا يضاعف من الضّغوط الّتي تواجهها المرأة في هذه المناصب.
تتفاقم هذه الضّغوط عندما نبدأ بفقدان البصيرة حول الحدود الفاصلة بين العمل والحياة الشخصيّة، وهو أمرٌ يمكن أن يؤدّي إلى إهمال الذّات، وهنا يأتي دور العناية الذاتية كأداةٍ أساسيّةٍ لاستعادة هذا التّوازن، لكن ذلك يتطلّب خطواتٍ ملموسةً وجديّةٍ.
أهميَّة طرح الأسئلة الصعبة
أثناء مناقشةٍ مع صديقتها، أخصائيّة علم النّفس وخبيرة التّمويل السّلوكيّ نعومي وين، أدركت فورتنر أهميّة التّراجع والتّأمل في الحالة النّفسيّة والعاطفيّة الّتي تعيشها، ففي حدثٍ صعبٍ تعرّضت له، وهو إصابة ابنتها الصّغيرة بالسالمونيلا، شعرت بأنّها بحاجةٍ إلى دعم العائلة والأصدقاء، لكن عندما سألتها نعومي عن حالتها النّفسيّة، أدركت أنّها كانت تعيش حالةً من الإنكار، فقد كانت إجابة فورتنر بأنّها بخيرٍ بعدما أخذت قيلولةً؛ هذا ردٌّ مؤلمٌ يعكس عمق الإرهاق الذي كانت تعيشهُ.
توضّح هذه القصّة أهميّة الاعتراف بالمشاعر والاحتياجات العاطفيّة، والقدرة على طرح الأسئلة الصّعبة حول رفاهيتنا. فالتّأمل ليس رفاهيّةً، بل هو ضرورةٌ يجب علينا ممارستها بانتظامٍ لفهم أنفسنا بشكلٍ أفضل والاعتراف بما نحتاجه، ومن ثم اتّخاذ خطواتٍ فعليةٍ لتحسين الوضع.
دمج العناية الذاتية في الحياة اليوميّة
تُؤكّد فورتنر أنّ العناية الذاتيّة ليست مجرّد تصرفاتٍ فرديّةٍ أو مؤقتةٍ، بل هي عمليّةٌ مستمرّةٌ ينبغي دمجها في الرّوتين اليوميّ. فالاهتمام بالنّفس لا يعني فقط الاستراحة عند الشّعور بالإرهاق، بل يشمل أيضاً وضع حدودٍ واضحةٍ بين العمل والحياة الشّخصيّة، وإيجاد الوقت لممارسة الأنشطة التي تساعد على الاسترخاء والتّجدّد. على سبيل المثال، قد يتضمّن ذلك تحديد وقتٍ محددٍ للتّواصل مع الأحباء، ممارسة الرّياضة بانتظامٍ، أو حتّى القراءة من أجل المتعة. ومن الضّروري أيضاً وضع حدودٍ واضحةٍ فيما يتعلّق بساعات العمل، مثل إيقاف إشعارات الهاتف خلال أوقاتٍ معيّنةٍ، أو تخصيص وقتٍ محددٍ للعناية الذاتية دون انقطاع.
نصيحة للقادة
كقادةٍ في عالم الأعمال، من السّهل الوقوع في فخّ السّعي وراء الكمال وتحمّل مسؤوليّاتٍ زائدةٍ عن الحاجة، لكن ذلك يأتي على حساب رفاهيّتنا، فإذا تمكّن القادة من التّوقف للتّفكير الذّاتيّ وتحديد أولويّات العناية بالذّات، فإنّهم سيكونون قادرين على تحقيق توازنٍ أفضل بين حياتهم الشّخصيّة والمهنيّة، ممّا سيساهم في تعزيز قدرتهم على القيادة والإبداع والابتكار.
إن اتّباع هذه الخطوات يُمكن أن يُحدثَ تغييراً جذريّاً في حياة القادة التّنفيذيين، وسيساعدهم على استعادة السّيطرة على صحّتهم النّفسيّة والجسديّة، ممّا يؤدي في النّهاية إلى نجاحٍٍ أكبر في العمل والحياة الشّخصيّة على حدٍّ سواء.