استراتيجيات إدارة الغيرة المهنية وتحسين الأداء في العمل
تعلّم كيفية إدارة مشاعر الغيرة بطرقٍ تُعزّز من التنافس الشريف وتساهم في تحسين الأداء العام للفريق
يقولون في الأمثال الشَّعبيَّة "لولا الغيرة ما كبرت الصَّغيرة"، وعلى الرَّغم من أنَّ هذا المثَل يجد في مواقف الحياة الشَّخصيَّة مجالاً واسعاً للتّطبيق وللتّطابق، فيمكنه أيضاً محاكاة مواقف في بيئة العمل، لو اعتبرنا أنَّ "الغيرة المهنية" نوعاً أو فرعاً من فروع الغيرة، كلُّنا لا شك رصدَ ذاتَ مرَّةٍ لحظاتٍ من الغيرة في محيط العمل، سواءً كانت موجَّهةً إلينا عزيزي القارئ، أو كانت تلك الغيرة -وهذا يتطلَّب بعض الشَّجاعة للاعتراف به- صادرةً منَّا تجاه أحد الزُّملاء.
فوائد وأضرار الغيرة المهنية
بدايةً الغيرة في ذاتها أمرٌ محمودٌ، ويمكنُ جداً أن تكون صحيَّةً، بل ومفيدةً بين أفراد فريق العمل الواحد، إذا ما قُيِّدت بمبادئ التَّنافس الشَّريف، فبهذا الشَّرط تُحقّق نتائجَ ممتازةً على صعيد العمل وعلى صعيد تطوير إمكانيَّات الموظَّف، أمّا بغيابه ستكون الغيرة دافعاً لارتكاب أفعالٍ عدائيَّةٍ ومؤذيةٍ من جانب الموظَّف الغيّور.
كيفية التَّعرُّف على الموظف الغيور
إليك بعض الإشارات التي تمكّنك من اكتشاف زميلك الغيور في بيئة العمل:
- منعزلٌ ومتجنّبٌ: الموظَّف الغيور دائمُ الشُّعور بفشله؛ لأنَّه يقارن نفسه ونتائج عمله بزملاءٍ له حقَّقوا نتائج أفضل منه، فيرى أنَّ نتائجه أقلَّ، والنَّتيجة الطَّبيعيَّة هنا أنَّه سيتجنَّب زميله النَّاجح، ولن يتحمَّل الاختلاط الكثير معه كي لا يتذكَّر فشله وأوجه تقصيره.
- يركِّز على السَّلبيَّات: تظهر هذه الإشارة عند الإعلان عن أخبارٍ إيجابيَّةٍ أو إنجازٍ ما، فقد تجد هذا الموظَّف الغيور يهنِّئ على الإنجاز أو يباركه، فهذا أمرٌ واردٌ، ولكنَّه في الوقت نفسه سيتفاجأ به وهو يشير إلى سلبيَّات الإنجاز، كأن يشير إلى افتقار مشروعٍ ما تمَّ تقديمه والاحتفاء به لبعض النِّقاط المهمَّة.
- الخلافات والصِّراعات: واردٌ أن تكون هناك خلافاتٌ واختلافاتٌ في وجهات النَّظر في بيئة العمل، وربَّما قد تكون صحيَّةً ومطلوبةً، ولكنَّها حين تكون الخلافات منتشرةً بشكلٍ كبيرٍ، ويمكن وصفها بغير المنتجة، وتُعزِّز من فكرة "الجدال من أجل الجدال"، فهذا يُعدُّ مؤشِّراً واضحاً وأكيداً على وجود قدرٍ لا بأس به من طاقة الغيرة بمفهومها السَّلبيّ.
شاهد أيضاً: 4 خطوات رئيسة عند إبلاغ الموظّفين بفصلهم
استراتيجيات التعامل مع الغيرة في بيئة العمل
تختلف كيفيَّة التَّعامل مع مشاعر الغيرة بحسب ما إذا كانت صادرة منَّا أو موجَّهة إلينا، فلكلِّ نوعٍ طريقةٌ للتَّعامل معه:
-
لو كنت أنت الموظف الغيور
ركِّز على نفسك أوّلاً وأخيراً، واعمل على أن تُغيِّر الأسئلة التي تدور بينك وبين نفسك من نوع "لماذا فلان حصل على ميّزة كذا؟"، إذ يجب أن يتحوَّل إلى "ما الذي يجب عليَّ أن أفعله لكي أحصل على ذات الميزة؟"، فقد يكون السَّبب -ببساطةٍ- هو أنَّك لا تملك الإمكانيَّات والقدرات التي تؤهِّلك لذلك، من ثُمَّ يجب أن تطوِّر نفسك وتزيد من إمكانيَّاتك.
هنِّئ زميلك على إنجازه، متجنِّباً الإشارة إلى سلبيَّات منجزه في نفس وقت الاحتفاء به، سيكون مفيداً له ولك أيضاً لو اخترت التَّوقيت الملائم والطَّريقة الإيجابيَّة التي تعرض وجهة نظرك بها، طالما كان ذلك ضروريَّاً وصادقاً، ومؤثِّراً ومفيداً لمصلحة العمل في الأساس، لا بهدف التَّقليل بسبب غيرتك.
وأخيراً، ابحث عن المبرر الحقيقيّ لشعورك بالغيرة، فقد لا تكون مجرَّد شخصٍ سيئٍّ يشعر بالحسد تجاه زميله، ومن الوارد مثلاً أن يكونَ الأمر متعلِّقاً بعدم تكافؤ الفُرص المتاحة لكلّ أفراد الفريق، ففي هذه الحالة يجب أن تتحدَّثَ إلى مديرك المسؤول وتناقش معه هذه المسألة بكلَ صراحةٍ وبشكلٍ مباشرٍ وواضحٍ، مركِّزاً على فرصتك التي تريدها لا على الفرصة التي ذهبت لزميلك.
2. لو كانت الغيرة صادرة من موظف آخر
الآن أنت تعرف أنَّ زميلاً ما يغار منك، يمكنك إدارة هذه الغيرة بشكلٍ يحقِّق الصَّالح لك في النِّهاية -ولنقل بقدر الإمكان- إذ لا ينبغي التَّركيز معه أغلب الوقت كي لا يستنزف طاقتك أو يشتِّت مجهودك من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ أُخرى ليس عليك إصلاحه أو علاجه، فقط أن تديرَ الأمر بهدف ألّا يقع ضررٌ عليك جرَّاء هذه الغَيرة، من خلال بعض الإرشادات التَّالية:
- عملك، ثُمَّ عملك، ثُمَّ عملك، ثُمَّ الإرشادات، فهو المهمُّ والأهمُّ، ركِّز فيما يجب عليك فعله وعلى أن تفعله على أكمل وجهٍ، وطالما تأكَّدتَ أنَّ الأولويَّة لعملك يمكن الانتقال بعد ذلك إلى باقي الإرشادات.
- لا تحتفل بأيّ ترقيةٍ أو علاوةٍ أو أيّ تقديرٍ من أيّ نوعٍ كان في محيط العمل قدر الإمكان، أو على الأقلّ في وجود الموظَّف الغيور.
- لا تأخذ الأمر بشكلٍ شخصيٍّ، فأغلب الغيورين في بيئة العمل غيرتهم نابعةٌ من شعورهم بانعدم الأمان، وخوفهم من الفشل -كما جاء في مثال تمرين الأسباب الخمسة- فلتكن على وعيٍ بهذا البعد جيداً.
- شارك خبراتك مع زملاء فريقك، واجتهد أن يتمُّ ذلك بلطفٍ وبذكاءٍ، فطالما كانت المهارة التي لديك يمكنك مشاركتَها وأن تُعلّمَها أو تُفيد زملاءك بها فافعل ذلك، وتأكَّد من أنَّ مردود ذلك سيكون إيجابيّاً حتماً، مع ملاحظة وصف "بلطفٍ وبذكاءٍ"، حتَّى لا يُساء فهمك، وتكونَ بالإضافة إلى كونك محسوداً، وموظَّفاً متعجرفاً ومستعرضاً.
- فرّق بين الاعتزاز والتَّباهي بعملك أو بالتَّقدير الَّذي حصلت عليه، والخيط الرَّفيع بينهما هو "المبالغة"، فمن حقِّك أن تعتزَّ وأن تفخرَ بمجهودك وبالتَّقدير الذي حصلت عليه، ولكن المبالغة في ذلك تحوُّله إلى تباهٍ ممقوتٍ.
شاهد أيضاً: إدارة الأزمات: كيف تحول العقبات إلى فرص تسويقية
-
دور الإدارة في إدارة الغيرة
على المدير قدرٌ لا بأس به من المسؤوليَّة، تجاه انتشار مشاعر الغيرة بشكلٍ سلبيٍّ بين زملاء الفريق الواحد، سواءً كان سبباً لها، أو سواءً كان موقفه سلبيَّاً تجاهه. ويمكن للمدير تحسين البيئة داخل الفريق عن طريق تطبيق مبادئ التَّنافس الشَّريف، وتشجيع الشَّفافيَّة والعدالة في تقديم الفرص لجميع الأعضاء، ويجب على المديرين أيضاً أن يكونوا حذرين بشأن كيفيَّة توزيع الثَّناء والمكافآت وأن يكونوا عادلين وموضوعيين لتجنُّب إثارة مشاعر الغيرة.
بالإضافة إلى ذلك، من الضَّروري أن يكونَ المديرون مستعدِّين للتَّعامل مع المواقف التي قد تنشأ بسبب الغيرة بطريقةٍ مهنيَّةٍ وفعَّالةٍ، ويمكن أن يشملَ ذلك توفير التَّدريب للموظَّفين على كيفيَّة التَّعامل مع الغيرة في العمل، وكيفيَّة تحويل هذه المشاعر إلى دافعٍ إيجابيٍّ نحو تحسين الأداء الشَّخصيّ.
الغيرة في بيئة العمل يمكن أن تكون سيفاً ذا حدَّين، من جهةٍ، إذا تمَّ التَّعامل معها بشكلٍ سليمٍ، يمكن أن تفضي إلى تحفيز الأفراد وتحسين أداء الفريق، ومن جهةٍ أخرى، إذا تُركت دون رقابةٍ، يمكن أن تؤدِّي إلى نتائجَ سلبيَّةٍ تشمل التَّوتُّر داخل الفريق وانخفاض الإنتاجيَّة والرِّضا الوظيفيّ؛ لذا يجب على الجميع في بيئة العمل -من الموظَّفين إلى الإدارة- العمل معاً لإدارة الغيرة بشكلٍ فعَّالٍ لضمان بيئة عملٍ صحيَّةٍ وإنتاجيَّةٍ.
هذه النَّصائح والمعلومات يمكن أن تساعدَ في تعزيز التَّفاهم والتَّعاون داخل الفرق وبين الزُّملاء، ممَّا يخلق بيئة عملٍ أكثر إيجابيَّةً وأقلَّ تأثُّراً بالتَّحدِّيات التي تفرضها الغيرة المهنيَّة.