الغيرة المفيدة: كيف تكون غيوراً بذكاء لزيادة إنتاجيتك؟
قد لا يكون شعور الغيرة لطيفاً، لكنَّه يزوّدك بدفعةٍ تحتاجها لبلوغ مستوياتٍ أعلى من النجاح
بقلم جيسيكا ستيلمان Jessica Stillman، مساهمة في Inc.com
يُعدُّ سايمون سينيك Simon Sinek رائد فكر مشهوراً على مستوى عالميٍّ، وقد ألَّف العديد من الكتب الأكثر مبيعاً، وظهر في أكثر مقاطع الفيديو مشاهدةً على الإطلاق على منصَّة TED Talks. وقد تعتقد أنَّ شخصاً بهذه الإنجازات سيكون محصَّناً ضدَّ الحسد، لكنَّه ليس كذلك حسبما صرَّح هو بنفسه. [1]
سينيك يقرُّ بوجود منافس سريّ في حياته
لقد صرّح سينيك على مدونة TED Ideas: "كلما سمعتُ اسم آدم جرانت Adam Grant شعرت بالضِّيق، فإن سمعت أحداً يتغنَّى بمدحه والثَّناء عليه، انتابني شعورٌ غامرٌ بالحسد، وكنت مهووساً به، وأردت أن أتفوَّقَ عليه، وكنت أتفقَّد تصنيفات ومراتب الكتب على الإنترنت لأرَ مبيعات كتبي وأقارنها بمبيعات كتبه".
يبدو وقع كلمة الغيرة هنا غير مستحبٍّ -خاصَّةً مع استخدام سينيك كلماتٍ مثل "الضِّيق" و "الانزعاج" للتَّعبير عن شعوره- وعلى الرَّغم من هذا، يستخلص في النِّهاية أنَّ منافسته مع جرانت كان لها تأثير إيجابيٌّ عموماً في حياته.
كتب سينيك: "أنَّ خصماً جديراً بالمنافسة -مثل جرانت- يُمكن أن يدفعنا للأمام بطريقةٍ لا يستطيعها إلَّا القليل، وهذه الطَّريقة لا يُتقنها حتَّى المدرِّبون والمرشدون والمستشارون، فالغيرة تشحذ انتباهنا وتوجّهه نحو الفوز، وهذا يعني تركيزاً على العمليَّة والتَّطوير المستمرِّ، ممّا يكشف لنا مهاراتٍ جديدة لدينا لم نكن نعرفها، ويُعزّز مرونتنا ويقوّيها".
شاهد أيضاً: إرشاد الأعمال: ميزة تنافسية حاسمة للشركات الناشئة
لماذا يمكن لبعض الغيرة أن تنفعك؟
هل هذه ميَّزةٌ خاصَّةٌ في طبيعة سينيك التَّنافسيَّة؟ تُجيب الأبحاث الحديثة على هذا السُّؤال بلا، فقد وجدت هذه الأبحاث أنَّ معظمنا يُمكن أن يستفيد من جرعةٍ معتدلةٍ من الغيرة في مجال العمل.
كتب أستاذا الإدارة الكَنديان، مينا أنديابان Meena Andiappan ولوكاس دوفور Lucas Dufour، في مجلَّة The Conversation: "تُعدُّ المؤسَّسات غالباً أرضاً خصبةً مثاليَّةً لتوليد الغيرة، فمع ندرة الموارد وقوَّة المنافسة الشَّرسة يكون الحفاظ على حظوتكَ عند الأشخاص المناسبين أمراً حرجاً وبالغ الأهميَّة للترقِّي في حياتك المهنيَّة".
في مثل هذا الواقع يحاول الكثير من رؤساء العمل والموظَّفين خنق الغيرة وكبْتَها، ولكن يؤكِّد الأستاذان في هذا البحث أنَّ هذا النَّهج خاطئٌ تماماً، إنَّهما لا ينكران وجود بيئات عملٍ سامَّةٍ، حيث ينحاز الرُّؤساء لبعض الموظَّفين، وتُحاك المؤامرات بين الزُّملاء مع ممارسة التَّملُّق الكريه لمدرائهم، لكن لو افترضنا أنَّ مؤسَّستك أو مكتبك لا يندرج ضمن هذه البيئات، لن يكون خيارك الأفضل إذاً محاربة الغيرة، بل التَّحكُّم بها واستغلالها.
وكمثالٍ على ذلك اقترحا: "تخيُّل سيناريو يُقدّر فيه رئيسك عمل زملائك ويفضِّله على عملك"، أنت أمام خيارين هنا: يمكنك أن تقلقَ وتغلي من داخلك؛ لأنَّ رئيسك لا يحبُّك أو لا يقدُّرك، أو يمكنك أن تُقرِّر أنَّك بحاجةٍ لتحسين أدائك في إيصال قيمتكَ الحقيقيَّة للآخرين، فيدفعك ذلك إلى رفع مستوى التَّحدي، وبالتَّالي الارتقاء بمكانتك.
يُمكن أن تعدَّ وخزةَ الغيرة تلك إشارةً على حاجتك لتوسيع صلاتِك الاجتماعيَّة وتحاول بشتَّى الوسائل أن تثيرَ إعجاب من حولك، سواء كانوا رئيسك المباشر أو دائرة زملائك الأوسع، وفي كلتا الحالتين: "إن كنتَ تنظر إلى الغيرة كدعوةٍ للمبادرة والعمل، فبإمكانك أن تتقدَّمَ بخطىً واسعةٍ نحو تحسين وضعك"، كما يؤكِّد الباحثان.
وجدير بنا أن نكرَّرَ هنا أنَّ مقارنة نفسك بالآخرين، يمكن أن تتحوَّلَ إلى شَرَكٍ تُدمِّر به نفسك، وسيكون أمامك دوماً أمورٌ أُخرى تكافح من أجلها، كما أنَّ مثل هذه المقارنات يمكن أن تلهيك عن قيمتك الفريدة المتأصِّلة في ذاتك، وأفضل طريقةٍ للتَّقدُّم في حياتك المهنيَّة هي أن تكونَ أفضل نسخةٍ من نفسك، وليس مجرَّد نسخةٍ زائفةٍ عن شخصٍ آخر.
شاهد أيضاً: تطوير الذات.. كيف أصبح شخصاً أفضل؟
لكن حتَّى أولئك الَّذين استوعبوا هذا الدَّرس تماماً وتشرَّبوه، ما يزال ينتابهم شعورُ الغيرة من حينٍ لآخر، حتَّى سينيك نفسَه يشعر بالغيرة؛ لكنَّه أدرك بحدسه ما اكتشفه العلم كأفضلٍ طريقةٍ للتَّعامل مع هذا الشُّعور المزعج، وقد عبَّر الباحثان أنديابان ودوفور عن ذلك بالقول: "بدلاً من محاولة إخفاءِ هذه المشاعر أو تجاهلها، وهي مشاعرٌ متوقَّعةٌ في بيئةٍ مهنيَّةٍ، جرِّب أن تُعيد تأطيرها وتوجيهها".
قد لا يكون شعور الغيرة لطيفاً، لكنَّه يزوِّدك بدفعةٍ تحتاجها لبلوغ مستوياتٍ أعلى من النَّجاح.
لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.