القواعد الخمس الجديدة للشركات النّاشئة
قل وداعاً لرائد الأعمال الخارق والحل الأوحد الملائم للكل، وقل مرحباً للفرق الملتزمة، والمرنة، والارتقاء بالتخصيص الشامل نحو مستوى جديد.
هناكَ تعبير كلاسيكي معيّنٌ يحضرُ ببالي من مجالَ علمِ الصّواريخِ أو المدفعيّةِ، يُحذّرُ منْ أنّهُ فيما يتعلّقُ بالاستعداداتِ للإطلاقِ "إنْ كنتَ على خطأ ببوصةٍ واحدةٍ، فأنتَ مخطئٌ بميلٍ". إنّ المفهومَ الدّقيقَ للتّخطيطِ هذا هوَ أكثرُ أهميّةٍ عندمَا تتحدّثُ عن بدءٍ أو تنميّةِ عملٍ تجاريٍّ جديدٍ. إنْ لمْ تستوعبْ الأمورِ بشكلٍ صحيحٍ عندَ البدايةِ، فاستبعدْ ذلكِ. وإذا لمْ تعبّرْ بانتظامٍ وباستمرارٍ عن رسالةِ الشّركةِ ورؤيتهَا وقيمهَا وأهدافهَا -خاصّةً في العالمِ الهجينِ الجديدِ- بمقدوركِ الوثوقَ من أنّكَ ستنتهي في مكانٍ غيرِ سعيدٍ وغير مُقدَّرٍ.
لكنْ، كما هوَ الحالُ مع عديدٍ من الأشياءِ "البديهيّةِ" اليومَ، فإنّها ليستْ على قدرِ السّهولةِ ذاتهُ الّذي كانتْ عَليها حينما كانَ معظمُ التّراسلِ وجهًا لوجهٍ وبسيطٍ نسبياً، وعندمَا -إذا لم تهتمْ بالفعلِ كثيراً- أمكنكَ حتّى الحصولِ على حواشٍ إرساليّةٍ وحِكَمٍ مُلهِمةٍ حسنةِ التّطريقِ والتّغليفِ من Staples أو Office Depot (متاجرَ معدّاتٍ مكتبيّةٍ في الولاياتِ المتّحدّةِ الأمريكيّةِ). والمشكلةُ الأكثرُ جسامةً هي كيفَ تغيّرُ مضمونَ الرّسائلِ. في حين أنَّ الأشكالَ والتنسيقَ قد بقيتْ كما هي، إلّا أنَّ الرّسائلَ الحيويّةَ متباينةٌ الآن، والمعرفةُ المتعارفِ عليهَا وجميعِ الصّيغِ القديمةِ لن يفيَ بالغرضِ بعدَ الآنِ.
حتى بصرفِ النّظرِ عن المهالكِ والألغامِ المُستجدّةِ المثارَةِ بفعلِ مخاوفَ حيالَ الصّوابيّةِ السّياسيّةِ والنّفوسِ الحسّاسةِ، وأيًّا تكنْ أحدثُ دواعي التّظلّمِ الجمعيّةِ، فقد تغيّرتْ القواعدُ الأساسيّةُ لإنجازِ الأمورِ. يتوجّبُ تحديثُ الاستراتيجياتِ والمعاييرِ الّتي عوّلنا عليها سالفاً لمعالجةِ الوضعِ الطّبيعيّ الجديدِ بالنسبةِ للأشياءِ الّتي قد تعلمناها خلالَ السّنواتِ القليلةِ الماضيّةِ بشأنِ ما يعملُ فعلاً. عليكَ أنْ توليَ اهتماماً فيمَا يخصُّ التكوينَ، والهواجسَ، والاهتماماتِ المتشعّبةِ للقوى العاملةِ الجديدةِ.
أودُّ أنْ أقولَ إنّ هنالكَ على الأقلّ خمسةُ مفاهيمَ وتصوّراتٍ مجرّبةٍ عبر الزّمنِ قد فقدتْ جدواهَا في تقديمِ التّوجيهِ لبناةِ الأعمالِ والمدراءِ. لعلّها لا تزالُ فعّالةً للمدرّبين في غرفِ تبديلِ الملابسِ في المدارسِ الثّانويّةِ، ولكنْ حتّى هناكَ، من المرّجحِ أنْ نتعاملَ مع الحقائقِ البديهيّةِ من Ted Lassoبدلاً من الحصولِ على أيّ إرشادٍ من Gipper.
الحارس الوحيد قد مات
حتّى إنْ لم تكُ مقتنعًا بَعدْ بهذيانِ Twitter المُطبِقِ من Elon Musk بأنْ لا أحدَ يستطيعُ فعلَ أيّ شيءٍ ذي قيمةٍ أو أهميّةٍ بمفردهِ كلّيًّا- ولا حتّى Superman أو Long Ranger- فقدْ قرّرتْ بقيّةُ العالمِ أنّ خرافةَ الإنسانِ رائدَ الأعمالِ الخارقِ قد تجاوزتْ حدّها. سينتصرُ في النّهايةِ العملُ الجماعيُّ والتّعاضدُ على أيّ جيشٍ برجلٍ واحدٍ. إنّ أيّ امرئٍ ساعٍ لوحدهِ لن يتقدّمَ لأيّ مكانٍ ذي أهميّةٍ لأنّ التّحدياتِ الّتي يطرحهَا الابتكارُ المختلفُ في أيّ مجالٍ هي ببساطةٍ أعظمُ من قدرةِ فردٍ واحدٍ على استيعابها ومعالجتهَا. إنّ تجميعَ الفريقِ المناسبِ ووضعِ جميعِ اللّاعبين في المواضعِ الصّحيحةِ، وتحديدِ مجموعةٍ مركزيةٍ من الأهدافِ والغاياتِ ثم إطلاقهمْ بحريّةٍ لاستهدافِ عدّةِ جوانبَ وأبعادٍ للمشكلةِ، هوَ السّبيلُ الأكثرُ إشراقًا وسرعةً إلى النّجاحِ. الرّهانُ على خيّالٍ واحدٍ - حتّى أكثرَ القادةِ تبصّراً - ليسَ الطّريقُ إلى الخلاصِ. والجزءُ الأفضلُ في هذا النّهجِ هو أنّهُ، إذا ما نُفّذَ بشكلٍ صحيحٍ، فستحظى دوماً بأُناسٍ إلى جانبكَ.
شاهد أيضاً: قليل من نجاح شركة ناشئة قد يكون معضلة جمّة
لقد قضى داروين
جزءٌ آخرٌ من الخرافةِ الرّياديّةِ هو أنَّ الخصمَ الأقوى والأشرسَ، سواءً كانَ حيواناً أو إنساناً، هو الأكثرُ احتمالاً للسيطرةِ على المدى الطّويلِ. لم يقلْ داروينْ هَذا قطّ، على الرّغمِ منْ أنّ مقولةَ "البقاءِ للأقوَى" قدْ غدتْ الطّريقةُ الأكثرُ تداولاً وكفايةً لاختزالِ وتمثيلِ استنتاجاتهِ. "الأقوى" أو "الأصلحُ" لا يعني أنَّ الكائنَ أو العملَ الأقوى أو حتّى الأكثرَ دهاءً أو هوَ منْ ينجُو. بلْ هوَ المشروع الأكثرُ قدرةً على التّكيّفِ والأفضلُ قدرةً على أنْ يستجيبَ ويُأقلمَ تعاملهُ وعروضهُ في خضمَّ سيلٍ متلاحقٍ من الظّروفِ والتّحدّياتِ المتغيّرة في العالمِ.
رجل الإجابة رحل
إذا كانَ هناك رسالةٌ متماسكةٌ واحدةٌ من ثورةِ ChatGPT، فهي أنّ كلّ المعرفةِ المكتوبةِ والمسجّلةِ في العالمِ متاحةٌ الآنَ بتكلفةٍ منخفضةٍ نسبياً وبسرعةٍ مذهلةِ. الإجاباتُ جميعاً ها هنالكَ. ولكنْ فقط إذا كنتَ تعرفُ كيفَ تدرّبُ فريقكَ وآلاتكَ لطرحِ الأسئلةِ الصّحيحةِ. إنَّ أصحابَ العملِ الّذين ينظرونَ إلى المستقبلِ لن يُقدموا على توظيفِ شبابٍ وشابّاتٍ حُصفاءَ لامعين يعتقدونَ أنّ بحوزتهمْ جميعَ الإجاباتَ. بل سيكونونَ باحثينَ عن أشخاصٍ أكثرَ هدوءاً (من جميعِ أنواعِ الخلفيّاتِ التّقنيّةِ وغيرِ التّقنيّة المتباينةِ) ممّنْ لديهمْ عقلٌ فضوليّ، وإبداعٌ بغزارةٍ، وتصارحٍ معَ الغموضِ والتّخطيطِ بدونِ أهدافٍ، واستمراريّةٍ دوريّةٍ صبورةٍ.
على نحوٍ مثيرٍ للاهتمامِ بما يكفيْ، إنَّ الصّبرَ في مواجهةِ الغموضِ ليسَ شيئاً قد قارناهُ أبداً بالطّبيعةِ الوراثيّةِ لريادةِ الأعمالِ. في الواقعِ، يكونُ العكسُ تقريباً دائماً - "تأهّبْ، أطلقْ، صوّبْ" هو اسمُ اللّعبةِ، بصحبةِ تفاؤلٍ وثقةٍ لاعقلانيَّين. أحياناً يكونُ الخطأ، ولكنْ لا يوجدْ شكٌّ. وهناكَ بالفعلِ اسمٌ للوظيفةِ الجديدةِ: "مهندسونَ سريعون" أولئكَ القادرونَ على صوغِ وبناءِ سلاسلَ من الاستفساراتِ التّدريجيّةِ والتّكراريّةِ لاستنطاقِ أنظمةِ GPT الجديدةِ سيكونونَ في طلبٍ كبيرٍ لسنواتٍ عديدةٍ قادمةٍ.
لم يعد وجود للمسار الوحيد
لعقودٍ، عُلِّمنا أنْ نركّزَ، وأنْ ندسَّ كلّ الخشبَ وراءَ رأسِ نصلً واحدً، وأنْ نوجّهَ كلّ طاقاتنَا وانتباهنَا - بشكلٍ عدوانيّ وبكاملِ القوّةِ للأمامِ - صوبَ حلٍّ وحيدٍ، ومثالي. إنَّ محاولتكَ تغطيةَ رهاناتكَ هو سلوكٌ نُهِيَ عنهُ من قبلِ روّادِ أعمالٍ عظماءَ، ممّنْ كانوا يعظونَ بحكمةٍ "إمّا أنْ تُكبرَ أو تعودَ أدراجكَ". بالطبعِ، كانَ أولئكَ همْ الفائزين يتحدثونَ بعدَ الأمرِ وليسَ معشرَ القابعينَ في ظروفٍ مُربكةٍ. كانتْ إجراءاتُ التّقييمِ واتخاذِ القرارِ النّهائيّ مقيّدةٌ بنفسِ القدرِ – عُرِضَ كلّ خيارٍ تقريباً في سياقٍ إمّا / أو – لغرضِ التّبسيطِ بالأساسِ. لم يرغبْ أحدٌ في إرباكِ مجلسِ إدارتهمْ بطلبِ اتخاذِ قرارٍ ما من بينِ عديدٍ منَ الخياراتِ المتزاحمةِ. إنّما الآن، التّنويعُ هو جوهرُ أذكى الاستراتيجيّاتِ - إذْ يؤدي النّظرُ في بدائلَ متعدّدةٍ في جميعِ الأوقاتِ إلى تحقيقِ نتائجَ أفضلَ بشكلٍ ملموسٍ. الحفاظُ على أقصى قدرٍ من المرونةِ وتفادي الالتزاماتِ القطعيّةِ بمسارٍ ثابتٍ في أقصى حدٍّ ممكنٍ في العمليّةِ، هو الطّريقُ لضمانِ العائدِ الأفضلِ. كلّما زادتِ الخياراتُ، كانَ الأمرُ أحسنُ حالاً. في عالمِ الغدِ المثاليّ، أبداً لن يكونَ متأخراً جدّاً أو مكلفاً جدّاً أنْ نعودَ أو نغيّرَ المسارَ، بغضِ النّظرِ عن مدى تقدمكَ في الطّريقِ. سيغدو تعليمُ فريقكَ للتّحقّقِ باستمرارٍ وقبولِ التّصويباتِ الضّروريّةِ للمسارِ بدلاً من اختيارِ تجاهلهَا أو تجنّبهَا أمراً حاسماً.
شاهد أيضاً: سبب فشل قادة الشركات الناشئة: الملل
لا مزيد من مقاس واحد يناسب الجميع
إنّ أحدَ أهمِّ الأهدافِ الواضحةِ لكلّ شركةٍ ناشئةٍ ذكيّةٍ هو الارتقاءُ. التّوسّعُ هو تقريباً الطّريقُ الدّائمُ نحوَ التّحسينِ: نتائجُ تشغيلٍ أفضلَ، وتأمينٌ أيسرَ للتّمويلِ، وزيادةَ ثقةِ العملاءِ، وقدرةٍ على توظيفِ مواهبَ أفضلَ وأعلى تكلفةٍ. والمفتاحُ الأساسيُّ للارتقاءِ هو القابليّةُ المُحكَمَةُ على معاودةِ التّكرارِ: فعلُ أيّ ما يكنْ ما أنتَ تنتجُ، وتبيعُ، وتبني، أو بخلافِ ذلكَ ما توفّرُ لزبائنكَ وعملائكَ بصورةٍ لا تشوبها شائبةٌ، وبفاعليّةٍ، ومراراً، وتكراراً. والعنصرُ الثّاني الأهمّ في هذهِ المعادلةِ هو التّوحيدُ. مُعدٌّ خصّيصاً وحسبَ الطّلبِ، هو أسوأ ما يمكنُ لصانعِ أعمالٍ شابٍّ سماعهُ من كلماتٍ. حجمٌ واحدٌ، منتَجٌ واحدٌ، مُنجَزٌ أوحدٌ يناسبُ جميعَ العملاءِ أمر جوهري. ذاكَ هو السّببُ الرّئيسيّ في أنّ جميعَ سياراتِ Ford من طرازِ T الأولى جاءتْ فقط باللّونِ الأسودِ، معَ أنَّ غريبَ الأطوارِ Henry Ford جزمَ أيضاً بأنَّ اللّونَ الأسودَ يجفّ أسرعَ من أيّ لونٍ سواهُ.
اعتدنا أنْ نقولَ للشبابِ روّادِ الأعمالِ أنْ يلتزموا بمجالهمْ ويقوموا بعملٍ واحدٍ بشكلٍ جيّدٍ حقّاً. بمجرّدِ أنْ يحلّوا مشكلاتِ الإنشاءِ والتّسليمِ الأساسيّةِ المرتبطةِ بمُنتَجهم الوليدِ، كانتْ أفضلُ الأخبارِ هي أنَّ الرّئيسَ التّنفيذيّ يمكنهُ أخيراً التّوقفُ عن البيعِ والانتقالِ إلى أشياءَ جديدةٍ أخرى. ولكنْ قبلَ ذلكَ الوقتِ، كانَ كلّ شيءٍ يتعلّقُ بتقديمِ حجمٍ واحدٍ يناسبُ الجميعَ. يا للأسفِ، هذه لم تعدْ الطّريقةُ الّتي يعملُ وفقهَا العالمُ.
اليومْ، عوضاً منِ محاولةِ إقناعِ النّاسِ بتعلّمِ استخدامِ منتجٍ جديدٍ، يتوجّبُ أنْ يُعَدَّ كلّ منتجٍ ليلبي رغباتِ ومتطلّباتِ النّاسِ. وتستمرُ هذه المطالبُ التّقدّميّةُ في النّموّ والتّسارعِ مع مرورِ الوقتِ. نحنُ كلّيّاً في حقبةِ التّخصيصِ الجماعيّ، حيثُ تحتاجُ الشّركةُ النّاجحةُ أن تكونَ كلّ شيءٍ لكلّ النّاسِ في كلّ الأوقاتِ. على الرّغمِ من أنّ هذا أمرٌ أقلّ قلقاً بكثيرٍ من ناحيةِ المنتجاتِ الرّقميّةِ وخدماتِ البرمجيّاتِ منهُ بالنسبةِ للسّلعِ الصّلبةِ، إلّا أنّه لا يزالُ يمثّلُ أخطاراً ماليّةً بسببِ زيادةِ التّعقيدِ ومزجِ المنتجاتِ وتكاليفِ الدّعمِ. هذا يختلفُ جذرياً عن الأوقاتِ التّي أمكنَ فيها تعويضَ تكاليفِ التّطويرِ المبكّرةِ والتّسويقِ لمنتجٍ جديدٍ مع نموِّ الشّركةِ من خلالِ استغلالِ اقتصادياتِ الحجمِ.
النقطةُ الأساسيّةُ: ارمِ الكتبَ وعُدْ إلى الأساسيّات، ولكنْ مع عينٍ صوبَ المستقبلِ. العملُ الجماعيّ، والتّكيّفُ، والاستفسارُ التّكراريّ، والاختياريّةُ، وتخصيصُ المنتجِ على نطاقٍ واسعٍ هي مفاتيحُ مملكةِ الغدِّ.