القوة الناعمة.. كيف تلعب السينما دورًا في بناء المجتمعات؟
يجب على صناع السينما العربية التركيز على إنتاج أفلام تقدم صورة إيجابية عن العالم العربي، بعيدًا عن الصورة النمطية التي غالبًا ما تصور العرب في الأفلام الغربية.
القوة الناعمة، ذلك المفهوم الذي يحاكي كل ما هو جذاب وفعال وبإمكانه أن يؤثر في المجتمعات بدون عدوانية أو إكراه. كرة القدم، الموسيقى، الأدب والفنون، كلها مكونات لهذه القوة. والسينما واحدة من أهمها، ولعل أبرز مثال على ذلك هوليوود، والتي تعتبر رمزًا للقوة الناعمة الأمريكية، حيث تصدر الأفلام والبرامج التلفزيونية التي تؤثر على ثقافات العالم.
شاهد أيضاً: 5 أسباب تجعل من النساء قائدات متميّزات
شاهد أيضاً: دعم الإبداع: قصة نجاح النساء في شركتي
بدأ مفهوم القوة الناعمة في الانتشار منذ تسعينيات القرن الماضي، تحديدًا عام 1990، عندما صاغة أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد، جوزيف ناي، في كتابه الذي يحمل نفس الاسم. لكن هذا لا يعني أن استخدام هذه القوة ودورها حديث كمفهومها، فمنذ نشأة السينما، تلعب دورًا هامًا في تشكيل المجتمعات وتأثيرها على الأجيال. ليست مجرد وسيلة ترفيهية، بل أداة قوية لنقل الأفكار، والتعبير عن المشاعر، وتشكيل القيم، ودفع التغيير الاجتماعي.
تأثير السينما على بناء المجتمع
عندما سُئل المخرج العالمي أليخاندرو غونزاليز إيناريتو -الحائز على 4 جوائز أوسكار من جملة 9 ترشيحات- عن السينما، كانت إجابته: “هي المرآة التي نرى أنفسنا من خلالها في كثير من الأحيان”. وربما من هذا التعريف الذي لخص به واحد من أهم صناع السينما في هوليود، أهمية هذا الفن، يمكننا أن نفهم تأثيره.
تقدم السينما نافذة على ثقافات وحضارات مختلفة، وتثري المعرفة وتوسع آفاق الفرد، فيما يمكن أن نعتبره وسيلة لنشر الوعي والثقافة. إلى جانب قدرتها على تعزيز القيم والمبادئ، إذ تجسد الأفلام قيمًا مثل الحب، والعدالة، والمساواة، وتحفز المشاهدين على التفكير في هذه القيم وتطبيقها في حياتهم.
كما تطرح بعض الأفلام قضايا اجتماعية وسياسية هامة، وتشجع على النقاش والحوار حول هذه القضايا، مما يساهم في تنمية التفكير النقدي لدى المشاهدين.
والأهم من كل ذلك، أنها وسيلتنا للحفاظ على التراث، من خلال دورها في توثيق تاريخ وثقافة الشعوب، والمحافظة على تراثها للأجيال القادمة، والمساعدة على توحيد المجتمع وخلق شعور بالانتماء.
السينما والأجيال القادمة
لا يتوقف دور السينما على المجتمعات في حاضرها فقط، بل تؤثر على أفكار ومعتقدات الأجيال القادمة، خاصة الأطفال الذين هم أكثر عرضة للتأثير من خلال الصور والأصوات.
يمكن أن تساعد الأفلام على تنمية مهارات اللغة، والتفكير النقدي، والإبداع لديهم. كما تؤثر بعض الأفلام على سلوكيات الأطفال، سواء الأفلام التي تحتوي على مشاهد عنف أو محتوى غير لائق أو تلك التي تلهمهم وتشجعهم على تحقيق أحلامهم وطموحاتهم.
شاهد أيضاً: 4 أفلام تحتوي على نصائح هامة لروّاد الأعمال
لذلك، تقع على صناعة السينما مسؤولية كبيرة في استخدام قوتها لصالح المجتمع والأجيال القادمة، من خلال إنتاج أفلام هادفة تثري المعرفة وتعزز القيم والمبادئ الإيجابية. وكذلك، تمثيل مختلف الثقافات والأعراق والمجموعات الاجتماعية، لتعزيز التسامح والتفاهم بين الناس.
أمثلة لا يمكن تجاهلها
تكتسب القوة الناعمة أهمية متزايدة في عصرنا الحالي لأسباب متعددة، أهمها أنها أداة أكثر فعالية بدلا من الحروب والصراعات. كما أدى الانفتاح إلى زيادة التواصل بين الثقافات، مما يفتح المجال أمام تبادل الأفكار والقيم. من هنا كانت السينما هي الأداة القوية التي يمكنها تحقيق ذلك. ولنا في ذلك أمثلة عديدة.
تعد السينما الهندية، أو بوليوود، واحدة من أكبر صناعات السينما في العالم، ولها تأثير هائل على الثقافة الشعبية العالمية، حيث تقدم أفلام بوليوود صورة جذابة للهند، غنية بالموسيقى والرقص والحب، مما ساهم في جذب السياح وتعزيز العلاقات التجارية بين الهند وباقي دول العالم.
ولا شك أن السينما الأمريكية أيضًا هي الأكثر انتشارًا وتأثيرًا في العالم. ولذلك، تساهم أفلام هوليود في نشر الثقافة الأمريكية، من الموضة إلى اللغة، وتشكل صورة نمطية عن نمط الحياة الأمريكي في أذهان المشاهدين حول العالم.
وفي نفس السياق، اشتهرت السينما الإيطالية بواقعيتها المؤثرة، ونظرتها العميقة للنفس البشرية. وساهمت أفلام المخرجين الإيطاليين العظماء، مثل فيديريكو فليني، في تغيير مفاهيم السينما العالمية، ونقلتها إلى آفاق جديدة من التعبير الفني.
وفي الوطن العربي، لعبت السينما المصرية دورًا هامًا في نشر الثقافة العربية في القرن العشرين. وساهمت أفلام نجوم السينما المصرية، مثل فاتن حمامة وشادية، في تشكيل صورة إيجابية عن المرأة العربية، وكسرت العديد من الصور النمطية.
كل هذا وأكثر، يجعلنا نؤمن أن السينما أداة قوية للتواصل الثقافي ونشر الأفكار، ولها تأثير عميق على المجتمعات والحضارات. إذ تظهر الأمثلة المذكورة أعلاه كيف يمكن للسينما أن تستخدم كقوة ناعمة لتعزيز التفاهم والتسامح بين الشعوب، ونشر القيم الإنسانية المشتركة.
ما الذي تحتاجه السينما العربية؟
تتمتع السينما العربية بإمكانيات هائلة لتلعب دورًا هامًا في مجال القوة الناعمة، وذلك لما تتميز به من ثراء ثقافي وتاريخي، يزخر بالحكايات والأحداث التاريخية، والتي تعد مصدر إلهام لا ينضب لصناعة أفلام تقدم للعالم ثقافة وقيمًا إنسانية سامية.
هذا بالإضافة إلى وجود العديد من المواهب الفنية المتميزة من ممثلين ومخرجين وكتاب سيناريو، أثبتوا قدرتهم على إبداع أعمال سينمائية عالية الجودة تنال إعجاب النقاد والجمهور على حد سواء.
ولكن على الرغم من هذه الإمكانيات الهائلة، لا تزال السينما العربية تواجه بعض التحديات التي تحول دون تحقيق دورها الكامل في مجال القوة الناعمة، ومن أهمها نقص التمويل وقلة التسويق الكافي على المستوى الدولي، مما يحد من انتشارها ووصولها إلى جمهور أوسع.
ولكي تتمكن السينما العربية من لعب دورها المنشود في مجال القوة الناعمة، يجب العمل على زيادة الاستثمار في صناعة السينما العربية، وتحسين تسويق الأفلام العربية من خلال وضع خطط تسويقية مدروسة لتعريف الجمهور العالمي بالأفلام العربية وجذبهم لمشاهدتها.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على صناع السينما العربية التركيز على إنتاج أفلام تقدم صورة إيجابية عن العالم العربي، بعيدًا عن الصورة النمطية التي غالبًا ما تصور العرب في الأفلام الغربية.
كل ذلك، سيمكنها من لعب دورها المنشود في مجال القوة الناعمة، ونشر الثقافة العربية وقيمها الإنسانية للعالم أجمع.