المشاعر قادمة إلى الذكاء الاصطناعي، هل ستشعر الآلات حقاً؟
يوشك الذكاء الاصطناعي أن يصبح "واعياً عاطفياً". هذا الحد الأخير سيغير كل شيء
بقلم سورين كابلان Soren Kaplan، مؤلف "الذكاء التجريبي Experiential Intelligence"
يعمل الذكاء الاصطناعي على قلبِ الأوضاع بالنّسبةِ لكثيرٍ من الصّناعات. وقد كان التّركيز حتى هذه المرحلة على كيفيّة استغلال "الذكاء الفكري" اللامحدود الذي يجلبه الذكاء الاصطناعي إلى السّاحة؛ يبدو هذا منطقياً، فنحن في بداية ثورةِ التّكنولوجيا، حيث يبدأ انطلاقته. [1]
وكما كتبتُ سابقاً، ثمة أشكالٌ مختلفةٌ للذكاء غير الذكاء الفكري، وهي مهمةٌ لنجاح القادة، وفِرَق العمل، والمؤسسات في عالَم اليوم المضطرب، مثل الذكاء العاطفي والذكاء التجريبي. لذلك يبقى سؤال مهمٌّ عن ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيشمل هذه الذكاءات أيضاً، وما هي تداعياته على العمل والمجتمع إن كان سيشملها؟
معظمُ النّاس اليوم ينظرون للذّكاء الاصطناعي على أنّه أداةٌ لحلّ المشاكلِ، فهو يساعدنا في العصفِ الذّهني، وكتابة الشيفرات البرمجية، ويُنشئ خطط عملٍ. ولكن مع تطوّر فهمنا للذكاء الاصطناعي أتوقّع أن النّقاش سيتحول جذرياً باتجاه اهتماماتٍ أخلاقيّةٍ أكثر أهميّة، بالإضافة إلى فرص الابتكارِ.
الوعي العاطفي للذكاء الاصطناعي مفاجأة كبرى
لقد اقتحمَ الذكاء الاصطناعي المشهدَ بين ليلةٍ وضحاها بتقديم برنامج "ChatGPT" ونحن على وشك أن نشهد اضطراباً مشابهاً عقب مفاجأةٍ هائلةٍ أخرى.
لطالما عرفنا أن المشاعرَ حجر زاويةٍ في الوجود الإنساني. فهي تلعب دوراً محورياً في بقائنا، وعلاقاتنا، واتخاذ قراراتنا، وأنماط قيادتنا، ونوعيّة الحياة في المجمل. فنحن ندرك الآن أنّ الذكاء العاطفي -وهو القدرةُ على تميّيز مشاعرنا ومشاعر الآخرين، وفهمها، وإدارتها- هو مقدرة أساسية. فعلى سبيل المثال يميل القادة الذين يمتلكون ذكاءً عاطفياً عالياً إلى بناء فِرَق عملٍ أفضل، وتعزيز ثقةٍ أعمقَ، وقيادة أداء أعظم للعمل.
إذاً، هل ستبقى المشاعر حصرياً في دائرة الخبرة الإنسانية، أم أن الآلات ستكتسب قدراتٍ مشابهةٍ للذكاء العاطفي؟ إن الأبحاث من مجموعة الحوسبة العاطفيّة في مختبر الميديا في MIT (Affective Computing Group at MIT’s Media Lab) ومن شركات ناشئة مثل Kore.ai تبْني منصاتِ محادثة تعمل بالذكاء الاصطناعي تشير بقوة أنّنا سنشهد قريباً ذكاءً اصطناعياً "واعٍ عاطفياً".
الحوسبة العاطفية هي فرع من أبحاث الذكاء الاصطناعي وتطوير التكنولوجيا، تصبُّ اهتمامها على المشاعر الإنسانية. فالحوسبة العاطفية كحقلٍ معرفيّ تسعى بشدّةٍ لتطوير نُظُمٍ قادرةٍ على تميّيز المشاعر الإنسانيّة، وتفسيرها، ومحاكاتها. ومن خلال أجهزةٍ حسّاسةٍ، وبرمجياتٍ، وحجمٍ كبيرٍ من البياناتٍ يقومون بتدريب هذه النُّظُم لكشف تعابير الوجه الدّقيقة، وتنغيمات الصّوت، والإشاراتِ الفيزيولوجيةِ، وأمورٍ أخرى، ثمّ تُفهرسُ كلّ ذلك وتربطه بحزمةٍ من المشَاعر.
الجيل القادم من أماكن العمل الذكية
تخيّل مكان عملٍ يستطيع فيه المساعدون الافتراضيون -إضافةً إلى فهم الأوامر المتعلقة بالمهام- معايرةَ مزاج الموظفين ليقدموا تقارير عن مدى التزام الأشخاص ووضعِ ثقافة الشركة، أو تخيل عالَماً حيث يستطيع البائع الذي يستهدف زبوناً جديداً أثناء مؤتمرٍ عبر الفيديو رؤية تغذيةٍ راجعةٍ فوريةٍ غير ظاهرةٍ، تتعلق بالحالة العاطفيّة للزبونِ المحتمل، فيُعَدّل طريقة ترويجه لتكون أكثر إقناعاً؛ هذا العالَم وشيكُ الحدوثِ!
من النّاحيّة الإيجابيّة، يمكن للمؤسساتِ أن تتبنّى بيئةً أكثر دعماً وإنتاجيةً عن طريق فهم الحالةِ العاطفيّة للموظّفين. فالكشفُ عن التّوتر أو عدم الرضا في وقتٍ مبكرٍ، يمكن أن يساعد في معالجةِ القضايا قبل تصعيدها. وتتضمّن الأمثلة عن تطبيقاتِ مكانِ العمل التي قد نشاهدها في المستقبلِ ما يلي:
- مقاييس الأداء: وهي أدوات قياس مستمرٍ للمزاج، لا يقتصر عملها على تقديم تغذيةٍ راجعةٍ فوريةٍ، بل تُشكّلُ أيضاً استراتيجياتٍ مؤسسيةٍ.
- رفاق افتراضيون متعاطفون: روبوتات محادثة Chatbots لا تقوم بمجرد الاستجابة أو رد الفعل، بل تشعر وتتكيّف، فتُحسّن التفاعل بين الإنسان والذكاء الاصطناعي.
- أجهزة تَتَبُّع لمشاعر الزبون: ابتكار يزود الشركات برؤية أعمقٍ بواسطة معايرة ردود الفعل العاطفيّة الحقيقيّة تجاه عروضهم.
مستقبل مثير لكنه مخيف
بينما يتمتّع الذكاء الاصطناعي الواعي عاطفياً بإمكانياتٍ واسعةٍ، إلا أنه يولِّد أيضاً مخاوف لا يُستهان بها. فالمراقبة المستمرة للمشاعر قد تبدو اختراقاً دخيلاً، مؤديةً إلى معضلةٍ أخلاقيّةٍ. إضافةً لذلك، هناك خطورة سوء تفسير الدلائل العاطفية. فالإيجابياتُ والسلبياتُ الخاطئة، قد تؤدّي إلى ردود فعلٍ، وحتى تدخلاتٍ غير ملائمةٍ وذات نتائج عكسيةٍ، متسببةً بتصعيد المواقفِ الحسّاسة.
هذا المجال المزدهر والتكنولوجيات الداعمة للحوسبة العاطفية تُنذر بمستقبلٍ تتمتع فيه أدوات الذكاء الاصطناعي بفهمٍ لا يقتصر على كلماتنا، بل يمتد إلى مشاعرنا أيضاً. سيكون لزاماً على رواد الأعمال، والمبتكرين، وصُنّاع السياسة أن يتناولوا هذا الميدان المتطور بحكمةٍ وتعقّلٍ، وذلك من خلال التأكد أن الذكاء الاصطناعي العاطفي يخدم الإنسانية، ويحترم حقوقنا، ويُغْني خبراتنا، بدل الانتقاصِ منها.