الرئيسية الريادة الملل الوظيفي: خطر صامت يهدّد إنتاجية الموظفين

الملل الوظيفي: خطر صامت يهدّد إنتاجية الموظفين

مع انتشار العمل عن بعدٍ وتغيّر بيئة العمل، يعاني الموظّفون من الملل الوظيفيّ، وهو مشكلةٌ لا تقلّ خطورةً عن الإحتراق الوظيفي

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

أثّرت الجائحة على حياة النّاس وأعمالهم بطرقٍ متعدّدةٍ، ليس فقط من خلال زيادة عدد الموظفين الّذين يعملون عن بعدٍ، بل أيضاً عبر تغييراتٍ أعمق في طبيعة العمل نفسه. فقد ولّدت الجائحة مشاعر واسعةً من الرّكود النّفسيّ، وهو مصطلحٌ صاغه عالم النّفس التّنظيميّ في "جامعة وارتن" (Wharton University)، آدم غرانت، لوصف الشّعور باللّامبالاة والتّراخي. ولكن إلى جانب ذلك، أدّت الجائحة أيضاً إلى ارتفاع حالات الإرهاق الوظيفيّ بين الموظفين الأكثر التّزاماً وحماساً.

والآن، يحذّر غرانت من مشكلةٍ جديدةٍ آخذةٍ في الانتشار: الملل الوظيفي، وهو الوجه الآخر للإرهاق المهنيّ، لكنّه لا يقلّ خطورة عنه. ولكن، ما هو الملل الوظيفي؟ إذا كان الإرهاق المهنيّ ينتج عن فرط العمل والتّعرّض المستمرّ للضّغوط، فإنّ الملل الوظيفي هو العكس تماماً: يشعر الموظّف بأنّه غير مندمجٍ، غير محفّزٍ، وغير قادرٍ على إيجاد معنى حقيقيٍّ في عمله؛ ليجد نفسه يؤدّي مهام تافهةً أو مكرّرةً، فيحاول إضاعة الوقت بأيّ طريقةٍ، أو حتّى تجنّب العمل تماماً.

يوضّح غرانت ذلك بقوله: "عندما تكون مرهقاً، فأنت غارقٌ في العمل والضّغوط، أمّا عندما تعاني من الملل الوظيفي، فأنت غير محفّزٍ على الإطلاق".

وغالباً ما يشعر الموظفون الّذين يعانون من الملل الوظيفي بالذّنب وانعدام القيمة؛ لأنّهم لا يحقّقون إنجازاً حقيقيّاً في عملهم. ومع ذلك، يخشون التّحدّث عن المشكلة مع مديريهم، حتّى لا ينظر إليهم على أنّهم متذمّرون أو غير ملتزمين. ومع مرور الوقت، يؤدّي هذا الشّعور إلى الإحباط واليأس، خاصّةً عندما يبدو التّطوّر المهنيّ والتّرقيات وكأنّها أصبحت بعيدة المنال.

ما تأثير الملل الوظيفي على الشّركات؟ يحذّر جو بين، مستشار الموارد البشريّة في شركة "إتش آر باث" (HR Path) من أنّ تجاهل مشكلة الملل الوظيفي يمكن أن يؤدّي إلى عواقب وخيمةٍ، قائلاً: "عندما لا يجد الموظفون مهام ذات مغزى، يفقدون الحافز، ويشعرون بعدم التّقدير، وقد يبدأون في البحث عن فرص عمل أخرى. وإذا ترك هذا الأمر دون معالجةٍ، فإنّه يؤدّي إلى انخفاض الإنتاجيّة، وتدهور معنويّات الفريق، وارتفاع معدّل دوران الموظفين".

تشير البيانات إلى أنّ فقدان الموظفين بسبب الإرهاق أو الملل الوظيفي يكلّف الشّركات ملياراتٍ من الدّولارات سنويّاً. وبحسب تقرير "غالوب" (Gallup)، فإنّ انخفاض مشاركة الموظفين يكبّد الاقتصاد العالميّ حوالي 9 ملارياتٍ من الدّولار من الإنتاجيّة المفقودة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ تكلفة استبدال الموظّف المستقيل تتراوح بين 40% و200% من راتبه السّنويّ، وهو عبءٌ ماليٌّ لا يستطيع معظم الشّركات تحمّله.

إذاً، لماذا يتزايد الملل الوظيفي الآن؟ على الرّغم من أنّ مفهوم الملل الوظيفي ليس جديداً -إذ تمّ مناقشته منذ منتصف العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين- إلّا أنّ انتشاره زاد في السّنوات الأخيرة، ويعود ذلك جزئيّاً إلى ارتفاع نسبة العمل عن بعدٍ؛ فالعزلة النّاتجة عن العمل من المنزل يمكن أن تجعل الشّعور بالملل أكثر حدّةً.

وفي المقابل، حتّى عند عودة الموظفين إلى المكاتب، فإنّ العلاقات مع الزّملاء أصبحت أكثر تحفّظاً وأقلّ انخراطاً، حيث يدرك الكثيرون أنّهم قد يعودون للعمل عن بعدٍ في أيّ لحظةٍ، أو قد يتمّ نقلهم إلى فرق عملٍ مختلفةٍ. وهنا يعلّق غرانت على ذلك بقوله: "بما أنّنا لا نتوقّع البقاء طويلاً في نفس المكان، فإنّنا لا نستثمر في بناء علاقاتٍ عميقةٍ مع زملائنا. إذ نراهم مجرّد معارف مؤقّتةٍ، ونتعامل معهم بحدودٍ رسميّةٍ، بينما نحتفظ بالرّوابط الحقيقيّة خارج العمل".

كيف يمكن معالجة الملل الوظيفي؟ 

هناك عدّة طرقٍ يمكن للموظفين وأصحاب العمل اتّباعها للحدّ من الملل الوظيفي:

  • ما الّذي يمكن أن يفعله الموظفون؟ طلب مهام أكثر تحدّياً: البحث عن مشاريع جديدةٍ تحفّز التّفكير والإبداع، وتعزيز التّفاعل مع الزّملاء: بناء علاقاتٍ مهنيّةٍ أقوى لتخفيف الشّعور بالعزلة، والتّحدّث مع المدراء: مشاركة المشكلة بصراحةٍ واقتراح حلولٍ بديلةٍ.
  • ما الّذي يجب أن يفعله أصحاب العمل؟ خلق بيئةٍ تواصلٍ مفتوحةٍ: تشجيع الموظفين على التّحدّث عن مشاكلهم دون خوفٍ من الانتقاد، والتّأكّد من أنّ العمل محفّزٌ: مراجعة أعباء العمل والتّأكّد من أنّها تتضمّن تحدّياتٍ كافيةً، وتقديم فرص التّطوير المهنيّ: منح الموظّفين فرصاً للنّموّ بدلاً من حصرهم في مهام روتينيّةٍ، وإعادة تصميم العمل: كسر البيروقراطيّة والرّوتين المملّ، وإدخال عناصر جديدةٍ في بيئة العمل.

الملل الوظيفي ليس مجرد مشكلة شخصية

يجب على الشّركات أن تعي أنّ الملل الوظيفي ليس مجرّد مشكلةٍ فرديّةٍ تخصّ بعض الموظّفين، بل هو تهديدٌ حقيقيٌّ للإنتاجيّة والاستقرار الوظيفيّ. ولا يمكن افتراض أنّ الموظّفين سيظلّون سعداء فقط؛ لأنّهم يحصلون على رواتب جيّدةٍ أو يعملون عن بعدٍ بمرونةٍ. كما عبّر أحد مستخدمي Reddit عن تجربته مع الملل الوظيفي بقوله: "وظيفتي الحاليّة رائعةٌ: الرّاتب ممتازٌ، والعمل عن بعدٍ، وأعباء العمل يمكن التّحكّم فيها بسهولةٍ، ولكن المشكلة هي أنّ الملل يقتلني. هذه أسهل وظيفةٍ حصلت عليها في حياتي، ومع ذلك، أشعر أنّني أؤدّيها بشكلٍ أسوأ من أيّ وظيفةٍ سابقةٍ".

إذا لم يتّخذ أصحاب العمل خطواتٍ جادّةً لعلاج الملل الوظيفي، فقد يجدون أنفسهم في مواجهة أزمة استقالاتٍ غير متوقّعةٍ تؤثّر بشكلٍ مباشرٍ على نجاحهم واستقرارهم في السّوق.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: