المهارة التي لا يتقنها معظم القادة: فن التخلي عن المنصب
تحديات الانتقال السلمي للسلطة لا تقتصر على رؤساء الحكومات فقط، وإنما على الرؤساء التنفيذيين للشركات أيضاً
في مارس، أعلن Kevin Plank، المؤسِّس المثير للجدل لشركة Under Armour، والذي تنحَّى عن منصب الرَّئيس التَّنفيذيّ للشَّركة على إثر فضيحةٍ، عن عودته إلى منصبه السَّابق. جاءت هذه الأخبار بعد عامٍ واحدٍ فقط من تولّي Stephanie Linnartz، الرَّئيسة التَّنفيذيَّة السَّابقة لشركة Marriott، هذا المنصب، والتي وضعت خطَّةً طموحةً لتحويل الشَّركة على مدى ثلاث سنواتٍ، لكنَّها لم تتمكَّن من رؤيتها تتحقَّق، كانت Linnartz هي الشَّخص الثَّالث الذي يقود الشَّركة منذ مغادرة Plank في 2020. [1]
في الوقت نفسه، شهد هذا الشَّهر الفصل الأخير من فترة قيادة Greg Hayes للشَّركة المدرجة في قائمة Fortune 50، والتي قادها لما يقرب من عقد من الزَّمان. يُمكن القول بقوَّةٍ أن Hayes كان أكثر الرؤساء التنفيذيين تأثيراً في تاريخ الشَّركة، التي كانت تُعرف سابقاً باسم United Technologies، منذ أن ساعد مؤسّسها، Fred Rentschler، في ريادة الطَّيران الحديث بجانب Bill Boeing وIgor Sikorsky في العشرينات والثَّلاثينات، وعند تولّي Chris Calio منصب الرَّئيس التَّنفيذيّ لشركة RTX، بدا أنَّه ليس فقط مستعدّاً للدَّور، بل ومعروفاً لدى المستثمرين والعملاء وصانعي القرار السّياسيّ والموظَّفين الذين يدعمونه، غير أنَّ هذا كلَّه لم يحدث بمحض الصُّدفة.
شاهد أيضاً: 8 خطوات فعالة لنقل الخطط الاستراتيجية إلى حيز التنفيذ العملي
وفي عام شهد تغييرات لدى أبرز الشّركات من Macy's إلى Morgan Stanley، يستحقُّ الأمر استكشاف ما يفصل بين مرحلةٍ انتقاليَّةٍ ناجحةٍ لرئيسٍ تنفيذيٍّ وأخرى ليست كذلك، إذ يخبرني Rob Dube، وهو مؤلّفٌ ورئيسٌ تنفيذيٌّ سابقٌ تنحَّى عن شركةٍ ناجحةٍ أسَّسها، أنَّ التَّواضع هو العنصر الأهمُّ، فحسب رأيه، تتمثَّل الخطوة الأولى في قبول فكرةٍ وجود شخصٍ أكثر ملاءمة للمرحلة التَّالية من العمل، وقال Dube: "في حالتي، أدركت أنَّني لست الشَّخص المناسب لنقل الشَّركة إلى المستوى التَّالي، إذ كان لدينا خطَّةٌ لعشر سنواتٍ، فتأمَّلت في نفسي وقلت: 'لست أهلاً لهذا الأمر'".
وفيما يلي أدناه 5 دروسٍ تعلّمتها من تقديم النُّصح للقادة خلال المرحلة الانتقاليَّة (والتَّحدُّث مع آخرين يفعلون ذلك أيضاً):
تحديد الحاجة التي تسعى إلى إيجاد حلول لها
إلى أين تتّجه شركتك القادمة؟ من يمكنه أن يُحقِّق لها أهدافها؟ هل الشَّركة بحاجةٍ إلى صاحب رؤيةٍ حالمةٍ لتحديد الآفاق المستقبليَّة؟ أم إلى مديرٍ مُحنَّكٍ لتحقيق الجودة على نطاقٍ واسعٍ؟ أم دبلوماسيٍّ يُمكنه قيادة التَّوسُّع في أسواقٍ عالميَّةٍ جديدةٍ؟ إنَّ فهم ما تتطلَّبه المرحلة التَّالية يجعل من السَّهل طرح سؤالٍ كهذا: "هل أنا الأفضل لتقديم ذلك كلّه؟" إذا لم يكن كذلك، ابدأ بالبحث عمن يتمتَّع بهذه الصّفة.
شاهد أيضاً: فوائد القيادة بين الأقران: 5 نقاط رئيسية ستجعلك تغير القيادة الهرمية
البداية المبكِّرة والحصول على المشورة من عدَّة أطرافٍ معنيةٍ
لا تخطِّط للمستقبل بمعزل عن الآخرين، وربَّما حان الوقت المناسب للحصول على ملاحظاتٍ من أعضاءٍ مختارين في مجلس الإدارة، أو ربَّما، كما في حالة Dube، يجب أن يستندَ تفكيرك إلى عمليَّة تخطيطٍ طويلة الأمد مع فريقك، قيِّم من هم الأطراف المعنية الذين لديهم أكبر قدرةٍ (وأكبر احتمالٍ) لدعم أو إفشال خطَّتك النّهائيَّة وفكِّر في إشراكهم مبكِّراً. فإشراك الأشخاص المناسبين في العمليَّة مبكّراً لن يساعد فقط في إطّلاعهم على وجهة نظرك، ولكن أيضاً في بناء التزام بنهجك النّهائيّ أو بالمرشَّح المفضَّل.
تمهيد الطريق للتَّغيير داخليّاً وخارجيّاً
لا شكَّ أنَّ التَّغيير صعبٌ، وليس فقط بالنّسبة للشّخص الذي يغادر المنصب أو يتولّى الدّور الجديد، بل هو أيضاً تحدٍّ كبيرٍ للشَّركة بأكملها، إذ ستضطر الآن إلى التَّكيُّف مع رؤية قائدٍ جديدٍ وأسلوبه؛ لذلك عليك ضمَّ فريقكَ إلى هذه الرّحلة.
كما وضَّح شريكي في العمل Jeff Nussbaum -الذي عمل مع عدَّة رؤساءٍ أمريكيّين وساعد في إدارة العديد من المراحل الانتقاليَّة للرُّؤساء التَّنفيذيين- هذا الأمر بقوله: "تبدأ العديد من المراحل الانتقاليَّة الكبرى للرُّؤساء التَّنفيذيين برسائل داخليَّةٍ واضحةٍ حول الاستمراريَّة والتَّغيير"، وفي تجربته يشير إلى أنَّه "غالباً ما ينسى الرُّؤساء التَّنفيذيون أن حتَّى المراحل الانتقاليَّة المحفوفة بالمخاطر توفُّر فرصةً لتقدير الأمور التي كانت تسير على ما يرام قبل توضيح ما سيتغيَّر".
شاهد أيضاً: أخطر 7 خرافات عن القيادة تُهدّد الأعمال
تحديد خطَّة المرحلة الانتقاليَّة وشرحها بوضوح
وفقاً لـ Elizabeth Ledoux، مؤسَّسة شركة Transition Strategists ورئيستها التَّنفيذيَّة، فإنَّ خطَّط المرحلة الانتقاليَّة النَّاجحة تكون محدَّدةً بوضوحٍ ويجري شرحها بشكلٍ أوضح؛ إذ قالت لي: "لا يرقَ النَّاس إلى مستوى توقُّعاتك، بل إلى مستوى التزاماتهم".
وترغب Ledoux برؤية جدولٍ زمنيٍّ بيانيٍّ يوضِّح بجلاء أنَّ قطَّاعاتٍ معيَّنةٍ من العمل ستمرُّ بمرحلةٍ انتقاليَّةٍ في أوقاتٍ محدَّدةٍ، حسب قولها، وتضيف: "إنَّها استراتيجيَّة متَّفقٍ عليها بين الشَّخص الجديد والشَّخص الذي يجري الانتقال عنه، يتمُّ إنشاؤها عادةً، أو على الأقل تحديد اتّجاهاتها وتعديلها، بشكلٍ مشتركٍ".
اختبار الخطة تحت الضغط وتجنُّب ترك نقطة فشلٍ واحدةٍ
من الصَّعب معرفة اللَّحظة الدَّقيقة التي قرَّر فيها Hayes أن Calio يجب أن يكونَ خلفاً له، ولكن كانت هناك بعض المؤشِّرات على نيَّته في اختيار Calio -الَّذي كان حينها المستشار العام لإحدى وحدات الأعمال الرَّئيسيَّة بالشَّركة- ليكونَ رئيس موظَّفيه بعد فترةٍ قصيرةٍ من تولّيه منصب الرَّئيس التَّنفيذيّ، ففي خلال السَّنوات التَّالية، قام Hayes بتأهيل Calio، أوّلًا عبر منحه فهماً عميقاً لاستراتيجيَّته واعتباره كمستشاره المقرَّب.
وثانياً عبر وضعه في سلسلةٍ من الأدوار القياديّة الأكبر حجماً والأكثر تحدّياً في العمل، قبل أن يعيّنه في آخر الأمر كرئيسٍ تنفيذيٍّ للعمليَّات في شركة RTX، للإشراف على جميع وحدات الأعمال بالشَّركة وإدارة أكبر عمليَّة إعادة تنظيمٍ داخليَّةٍ في الشَّركة، وفقط بعد كلّ ذلك صّرح Hayes عن نيته في التَّقاعد وتعيين Calio خلفاً له، فلم يكنَ Calio مجرَّد متفرّج يجلس في الصَّفّ الأماميّ ويراقب ما يفعل Hayes، بل لعب دوراً فعَّالاً في إنشاء الأخير لشركة RTX، والتي أصبحت الآن أكبر شركةٍ في العالم في مجال الطَّيران والدّفاع.
على مرّ السّنين، اختبر Hayes العديد من التَّنفيذيين في سيناريوهاتٍ بالغة الصُّعوبة، بعضهم لم يستطع التَّحمُّل وانهار تحت وطأة الضَّغط الشَّديد، لكن آخرين، أمثال Calio، تمكنوا من التَّغلُّب على الصّعاب وتجاوز التَّحدّيات، فسطع نجمهم في سماء دنيا الأعمال، ولم يكن ليضع النَّاس في مواقف صعبةٍ فقط ليرى كيف ستكون ردود أفعالهم، بل ليهيّئهم للعمل المكثَّف وحالة عدم اليقين التي تغلُّب على العمل التَّنفيذيّ.
شاهد أيضاً: هل دورك كرئيسٍ تنفيذيٍّ القيادة، الدفع، أم التّنحي عن طريق موظفيك؟
عندما تتمُّ المرحلة الانتقاليَّة بشكلٍ جيِّدٍ، فإنَّها تكون مثل عمليَّة استيعابٍ فكرٍ ناهضٍ ومتجدِّدٍ مع الحفاظ على قدرٍ من الاستقرار، وذلك يتطلَّب توازناً دقيقاً بين مستوى عالٍ من الاعتداد بالنَّفس وبين العديد من العناصر الهشَّة المتغيِّرة، إنَّه جهدٌ حقيقيٌّ يتطلَّب التزاماً متواصلاً، حتَّى بعد انتهاء المرحلة الانتقاليَّة، ولا أخفيك أنَّه قد تشعر بالارتباك عندما يتحوَّل دورك من صانع قرارٍ إلى مرشدٍ لصانع القرار، بكلِّ الأحوال، أحبُّ الطَّريقة الَّتي تفسِّر بها Ledoux الأمر وتربطه بـ"الأسباب" التي تدفعك إلى خوض تحدٍّ كهذا:
"ماذا أريد للشَّركة، للموظَّفين، ماذا أريد لكلّ هؤلاء الأشخاص؟ يجب أن يكون الأمر مقنعاً لدرجة أنَّك مستعدٌّ للمرور بكلّ الأزمات، بما فيها فقدان البوصلة وكلُّ شيءٍ آخر، من أجل الوصول إلى الضِّفَّة الأخرى".
وتضيف قائلةً:
"إذا غادرت منصبي ولم أكن سعيدةً بذلك، عندها سأركِّز على سلبيَّاتِ الرَّئيس التَّنفيذيّ الجديد؛ لأبرهن على ضرورة عودتي لمكاني القديم".