الرئيسية الريادة الوظائف الوهمية واستقطاب المواهب: ما الذي يجري في سوق العمل؟

الوظائف الوهمية واستقطاب المواهب: ما الذي يجري في سوق العمل؟

مع تزايد الوظائف الوهمية واستقطاب المواهب الزّائف، يجد الباحثون عن عمل أنفسهم في مواجهة تحديات جديدة. كيف تؤثر هذه الممارسات على سوق العمل، وكيف يمكن تجنّب الوقوع في فخاخ إعلانات العمل غير الحقيقيّة؟

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

إذا كنت تبحثُ عن وظيفةٍ هذه الأيامِ، فأنت لست وحدك. الملايينُ من الأشخاصِ يقضون ساعاتٍ طويلةً في تصفّحِ مواقعِ التّوظيفِ، يكتبون سيرهم الذّاتية ويقدّمون طلباتِهم، فقط ليجدوا أنفسهم عالقين في دوامةٍ من الانتظارِ دون ردودٍ. قد تكونُ المشكلةُ ليست في مؤهّلاتِك، أو في طريقةِ تقديمك، بل في حقيقةِ أنّ العديد من إعلاناتِ الوظائفِ الّتي تراها قد تكونُ غير حقيقيّةٍ.

هذا ليس حديثاً عن عملياتِ احتيالٍ تقليديّةٍ تهدفُ إلى سرقةِ معلوماتِك الشّخصيةِ أو أموالِك. بل نحنُ أمام مشكلةٍ أعمق وأكثر تعقيداً: إعلاناتُ وظائفٍ تنشرُها شركاتٌ حقيقيةٌ لوظائف غيرِ موجودةٍ، ولأسبابٍ قد تكونُ غامضةً في ظاهرِها.

قصةٌ بدأت بفنجانٍ من القهوةِ

قبل بضعةِ أيامٍ، التقيتُ بصديقٍ موهوبٍ ومؤهّلٍ بشكلٍ كبيرٍ. أثناء حديثِنا حول آخرِ التّطوّراتِ في حياتِنا المهنيةِ، شاركني بتجربةٍ محبطةٍ مرّ بها مؤخراً. كان قد تقدّم بطلبٍ لعدةِ وظائف عبر منصاتٍ مثل "LinkedIn" و"Indeed"، وكلّها كانت في شركاتٍ مرموقةٍ، وبدونِ شكٍ، تتناسبُ مع مهاراتِه وخبراتِه.

لكنّهُ رغم ذلك، لم يتلقّ أيّ ردودٍ على طلباتِه. لا تأكيداً باستلامِ الطلبِ، ولا رفضاً، ولا حتّى ردودٍ تلقائيةٍ. ظلّ ينتظرُ لأسابيع دون جدوى. ثم فجأةً، حدث ما لم يكن في الحسبانِ. تواصل معهُ ممثلو المواردِ البشريةِ من نفسِ الشركاتِ عبر "LinkedIn"، وأخبروهُ بأنّهِ قد يكونُ المرشّح المثاليّ لوظيفةٍ لديهم، وطلبوا منهُ التّقدم لنفسِ الوظيفةِ الّتي سبق لهُ التّقديمُ عليها عدة مراتٍ.

تكرارُ هذه التّجربةِ جعل صديقي يُدركُ أنّ هناك شيئاً غير طبيعيٍّ يحدثُ. إذا كانت هذهِ الوظائفُ حقيقيّةً، فلماذا لم يتمّ الردُّ عليهِ من قبلُ؟ وإذا لم تكنْ حقيقيّةً، فما الغرضُ من إعلاناتِها؟

التّحدياتُ في قطاعِ التكنولوجيا

في السنواتِ الأخيرةِ، واجه قطاعُ التكنولوجيا تحدياتٍ هائلةٍ. من تهديداتِ الذكاءِ الاصطناعيِّ التي قد تستبدلُ الإنسان بالآلةِ، إلى التّضخمِ الاقتصاديِّ الذي أدّى إلى تشديدِ السّياساتِ الماليّةِ للشركات، وصولاً إلى قراراتٍ إداريةٍ مشكوكٍ في جدواها، كلُّ ذلك أسهم في خلقِ بيئةِ عملٍ غيرِ مستقرّةٍ ومليئةٍ بالتّوتر.

مع هذهِ التّحدياتِ، ليس من المستغربِ أن نجد الكثير من العاملين في هذا القطاعِ يشعرون بعدمِ الرّضا، أو حتى الرّغبةِ في مغادرةِ وظائفِهم بحثاً عن فرصٍ أفضل. ولكن مع ظهورِ ممارساتٍ غيرِ أخلاقيةٍ مثل نشرِ إعلاناتِ وظائف وهميةٍ، بات البحثُ عن وظيفةٍ جديدةٍ أكثر صعوبةً مما كان متوقّعاً.

الوظائفُ الوهميةُ واستقطابُ المواهبِ: الأهدافُ الخفيةُ

الوظائفُ الوهميّةُ هي تلك التي تُنشرُ بدونِ وجودِ نيّةٍ حقيقيةٍ لتوظيفِ شخصٍ في هذا الدّورِ. قد تكونُ هذهِ الإعلاناتُ لأغراضٍ عديدةٍ: منها قياسُ سوقِ العملِ، أو جمعُ قاعدةِ بياناتٍ من المرشحين المحتملين لاستخدامِها في المستقبلِ. في حالاتٍ أخرى، قد تكونُ هذهِ الإعلاناتُ مجرد وسيلةٍ للترويجِ للشركةِ أو الحفاظِ على وجودِها في الساحةِ.

أمّا استقطابُ المواهبِ، فهو ممارسةٌ تهدفُ إلى جذبِ المرشّحين الموهوبين من خلالِ نشرِ إعلاناتٍ لوظائف قد تكونُ حقيقيّةً أو وهميّةً. الهدفُ هنا ليس التّوظيف الفوريّ، بل تكوينُ قاعدةِ بياناتٍ من السّيرِ الذاتيةِ يمكنُ استخدامها في وقتٍ لاحقٍ، سواء لتوظيفِ المرشّحين داخلياً أو تسويقِهم لشركاتٍ أخرى.

تجاربٌ واقعيةٌ تبرزُ المشكلة

أثناء استماعي لزملائي الذين مرّوا بتجارب مشابهةٍ، بدأت تتشكّلُ لديّ صورةٌ أكثرُ وضوحاً عن هذهِ المشكلةِ. إحدى الزّميلاتِ، التي كانت تبحثُ عن وظيفةٍ جديدةٍ، قرّرت التواصل مباشرةً مع الشركاتِ التي نشرت إعلاناتٍ لوظائف تناسبُ مهاراتِها. لتفاجأ بأنّ بعض هذه الشركاتِ لم يكنْ لديها أيُّ وظائفٍ شاغرةٍ كما زُعم، بينما شركاتٌ أخرى نفت تماماً استخدام مواقعِ التوظيفِ للإعلانِ.

تجاربُ أخرى أكدت هذا النمط. أحدُ الأصدقاءِ نقر على رابطٍ لإعلانٍ وظيفيٍّ، لكنهُ فوجئ بتحويلهِ إلى موقعِ وكيلِ توظيفٍ بدلاً من الموقعِ الرسميِّ للشركةِ. في حالةٍ أخرى، تلقى ردّاً بأنّ الوظيفة التي تقدم لها قد شُغلت منذُ عامٍ، رغم أنّ الإعلان لا يزالُ متاحاً على الإنترنتِ.

استقطابُ المواهبِ: الوجهُ الآخرُ للعملةِ

تحدثتُ مع عددٍ من مسؤولي التوظيفِ الذين أعرفهم منذُ فترةٍ طويلةٍ. هؤلاءِ الأشخاصُ، الذين يتمتعون بخبرةٍ كبيرةٍ في هذا المجالِ، أكدوا لي أنّ "استقطاب المواهبِ" ليس مجرد ممارسةٍ عابرةٍ، بل هو جزءٌ من استراتيجيةٍ متكاملةٍ تستخدمها بعضُ الشركاتِ ووكلاءُ التوظيفِ. يجمعون السير الذاتية، ويحتفظون بها لوقتٍ لاحقٍ، قد يكونُ لتوظيفِ المرشّحين داخلياً أو لتسويقِهم لشركاتٍ أخرى.

هذا النّوعُ من الممارساتِ قد يبدو غير أخلاقيٍّ للكثيرين، ولكنّهُ أصبح جزءاً من واقعِ سوقِ العملِ الحديثِ. في بعضِ الأحيانِ، يكونُ الهدفُ هو اختبارُ السّوقِ، وفي أحيانٍ أخرى، يكونُ لجذبِ انتباهِ المواهبِ المحتملةِ حتى وإن لم تكنْ هناك نيّةٌ حقيقيةٌ للتّوظيفِ في الوقتِ الحاليِّ.

كيف تتعاملُ مع هذا الواقعِ الجديدِ؟

مع ازديادِ عددِ المتّقدمين للوظائفِ، أصبحتِ الشركاتُ تواجهُ صعوبةً في العثورِ على المرشّحِ المثاليِّ. وهذا يعني أنّ الباحثين عن العملِ، رغم مهاراتِهم وخبراتِهم، قد يشعرون وكأنّهم إبرةٌ في كومةِ قشٍّ.

لذلك، يجبُ أن تكون استراتيجيتك أكثر ذكاءً. بدلاً من الاعتمادِ الكاملِ على إعلاناتِ الوظائفِ، حاول التّركيز على بناءِ شبكةِ علاقاتٍ مهنيّةٍ قويّةٍ. العلاقاتُ الشّخصيةُ أصبحت الآن أكثر أهميّةً من أيِّ وقتٍ مضى، ويمكنُ أن تكون مفتاحك للوصولِ إلى الفرصِ الحقيقيّةِ.

نظامُ التّوظيفِ التّقليديِّ لم يعدْ كافياً لتحقيقِ أهدافِ الباحثين عن عملٍ في العصرِ الحاليِّ. إذا كنت تريدُ تحسين فرصِك في الحصولِ على الوظيفةِ التي تطمحُ إليها، فعليك أن تكون مرناً في استراتيجيتِك. استثمرْ وقتك في بناءِ علاقاتٍ مهنيةٍ قويةٍ، ووسِّعْ شبكة معارفِك، فقد يكونُ هذا هو الطّريق الأفضل للوصولِ إلى الفرصِ الحقيقيّةِ في سوقِ العملِ.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: