باريس تستعدّ لاستضافة أولمبياد 2024 بخططٍ بيئيّةٍ مستدامةٍ
استراتيجياتٌ مبتكرةٌ لتحقيق استدامةٍ بيئيّةٍ واقتصاديّةٍ واجتماعيّةٍ خلال الألعاب الأولمبية لهذا العام
هذا المقالُ مُتوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
تُعدُّ الأحداثُ الرّياضيّة الكبرى، مثل الألعاب الأولمبية وكأس العالم لكرة القدم، مشاريعَ ضخمةً تجذبُ انتباهَ العالمِ والاستثماراتِ الكبيرة، ورغم أنّ هذه الأحداث تجلبُ الإثارةَ والفوائدَ الاقتصاديّةَ للمدنِ والدّول المُضيفة، إلّا أنّها قد تُحدث تأثيراتٍ بيئيّةٍ واجتماعيّةٍ كبيرةٍ إذا لم تُدار بحذرٍ.
أكّدَ الخُبراء أنّ باريس لديها فرصٌ قويّةٌ للتّعافي بعدَ الحدثِ، عندما يُغادرُ الرّياضيّون والمُشجّعون بعدَ أكثر من أسبوعين، وتختلفُ طريقةُ إعدادِ باريس للألعاب بشكلٍ كبيرٍ عن المُضيفين السّابقين الّذين تحمّلوا تكاليف تصلُ إلى 23.6 مليار دولارٍ لبناء ملاعب ومنشآتٍ، إمّا تُهدم أو تُستخدم بشكلٍ محدودٍ بعد الأولمبياد. في المقابلِ، اعتمدت باريس استراتيجيّةً أكثر استدامةً، حيث أشارَ تقريرٌ حديثٌ إلى أنّ هذا النّهجَ مفيدٌ للبيئةِ، وللشّؤون الماليّةِ للمدينةِ، ولنموّ قطّاع البناء الأخضر في فرنسا.
من النّاحيةِ البيئيّةِ، تتضمّنُ الاستدامة تقليلَ التّأثيراتِ السّلبيّة على المناخ والموائل الطّبيعيّة والتّنوّع البيولوجيّ واستهلاك الموارد الطّبيعيّة من خلالِ استخدام موادَ صديقةٍ للبيئةِ ومصادرَ الطّاقة المُتجدّدة. ومن النّاحية الاقتصاديّة، تتضمّنُ الاستدامة تقليلَ التّكاليف وتعظيم الفوائد الاقتصاديّة المُرتبطةِ بالحدثِ من خلال الاستفادةِ من البنية التّحتيّة الحاليّة وشبكات النّقل، والتّعاون مع الشّركات والمورّدين المحليّين لتقليلِ نفقاتِ النّقل. ومن النّاحية الاجتماعيّة، تتركُ هذه الأحداثُ آثاراً إيجابيّةً على المجتمعات المحليّة من خلال توفيرِ فرص العملِ وزيادةِ الاهتمامِ السّياحيّ بالموقعِ المُضيفِ.
مع تبقّي يومٍ واحدٍ فقط على حفلِ افتتاحِ أولمبياد باريس 2024، كرّس المنظّمون سنواتٍ لضمانِ أن تُصبحَ الألعاب الأولمبيّة الأكثر استدامةً حتّى الآن، وتشملُ المبادراتُ الرّئيسيّة استخدامَ 95% من المنشآتِ القائمةِ، ومضاعفةِ توفّر الخياراتِ الغذائيّة النباتيّة، وضمان أنّ جميع المُنشآتِ متّصلةٌ بالشّبكةِ ومزوّدةٌ بالطّاقةِ من مصادر مُتجدّدةٌ.
استكشفَ المنظّمون أيضاً طرقاً مُبتكرةً لتقليلِ الأثرِ البيئيّ، مثل صنع الميداليات من الحديدِ المُستخرج من برج إيفل، حيث أنّ الموادَ المُستخدمةَ مُعادٌ تدويرها بالكاملِ. جميعُ أماكنِ المنافسات متاحةٌ عبرَ وسائلِ النّقل العامّة، ممّا يؤدّي إلى تقليلِ حركةِ المركباتِ في الشّوارع، كما تُخدّمُ القرية الأولمبية كإقامةٍ مركزيّةٍ للرّياضيّين خلال الحدثِ، حيث تعرضُ أثاثًا صديقاً للبيئةِ يشملُ طاولات قهوةٍ مصنوعةً من الرّيش المُستعملِ، وحقائب مصنوعةً من أقمشةِ المظّلات، وكراسي مصنوعةً من أغطيةِ زجاجاتٍ مُعاد تدويرها، وأرائكَ مصنوعةً من حواجز Vauban. وخلال الحفلِ، سيتمّ استخدام حوالي ثلاثين قارباً يعملُ بالكهرباءِ في العرضِ.
مع ذلكَ، تُواجه هذه الجهودُ تحديّاتٍ بيئيّةً أوسع، بما في ذلكَ المُشكلاتِ المُتعلّقةِ بالحرارةِ للرّياضيّين والمشجّعين، ونظافة مياه نهر السّين لأحداثِ السّباحةِ، وتأتي الألعابُ بعد أقلّ من أسبوعٍ من تسجيلِ أعلى درجة حرارٍة على الإطلاقِ، ممّا يُشير إلى المخاطر البيئيّة المُتعلّقة بالحرارة للألعابِ الرّياضيّة الرّئيسيّةِ، وأثارت المخاطرُ الحراريّةُ والتّأثيرُ البيئيُّ المُرتبط بهذه الأحداث شكوكاً حول استمراريّتها وجاذبيّتها في المستقبلِ.
في الوقتِ نفسهِ، يُشكّل "التزييف الأخضر" في عالمِ الرّياضة قضيّةً مستمرّةً، تتمثّلُ في الفجوةِ الكبيرةِ بين الخطابِ البيئيّ والإجراءاتِ الفعليّةِ، إذاً لتحقيق الاستدامةِ الحقيقيّةِ، يجبُ على منظّمي الأولمبياد تقليصَ حجمِ الألعابِ، وتقييد السّفر السّياحيّ الطّويل، ودمجِ المُمارساتِ البيئيّةِ في سلاسل التّوريد الواسعةِ، وضمانِ المساءلةِ الشّفافةِ في الجهود البيئيّةِ، فبدون هذه الإجراءات، تُخاطر الألعاب الأولمبية بأن تُعتبرَ مجرّد إشاراتٍ رمزيّةٍ، غير قادرةٍ على تلبية الحاجةِ المُلحّةِ للتّحوّل البيئيّ الكبيرِ الّذي تفرضهُ واقعيّاتُ المناخِ.