تأثير فيديوهات "استعدّوا معي" في تيك توك على عالم التّسويق الرّقميّ
كيف أصبح تيك توك منصّةً تسويقيّةً فعّالةً تجذب المستهلكين نحو منتجاتٍ جديدةٍ؟
فيديوهات "استعدّ معي" (Get Ready with Me) منتشرةٌ في كلّ مكانٍ هذه الأيّام، وهي بسيطةٌ كما يوحي الاسم. إذ يدعو مستخدمو وسائل التّواصل الاجتماعيّ، وغالباً ما يكونون مؤثّرين، المشاهدين لمتابعتهم وهم يستعدّون لفعل شيءٍ ما أو الذّهاب إلى مكانٍ ما، ويتضمّن السّرد قصصاً شخصيّةً عن الحياة أو الحبّ تلفت انتباهك.
فيديوهات "استعدّ معي"، هي جزءٌ من اتّجاه المحتوى "معي" الّذي اكتسب شعبيّةً خلال العقد الماضي. فكّر في فيديوهات "نظّف معي" حيث يشاهد المستخدمون أشخاصاً ينظّفون منازلهم للحصول على الإلهامِ، أو فيديوهات "ادرس معي" الّتي تستمرّ لساعاتٍ للطّلاّب الّذين يرغبون في الحصولِ على رفقاء لجلساتِ المذاكرةِ الشّديدةِ، ولكن ليس لديهم أصدقاء في الجوارِ.
بعد أكثر من عقدٍ على ظهورها على يوتيوب في الأيّام الّتي كان فيها المحتوى المبدع لا يزال جديداً نسبيّاً، غمرت فيديوهات "استعدّ معي" وحساسيّاتها الشّخصيّة وسائل التّواصل الاجتماعيّ بفضل نسخةٍ أقصر من النّوع، والّتي يبدو أنّها قدّمت لهم نغمةً أكثر شخصيّةً وحتّى إعلاميّةً.
"بالنّسبة للمبدعين، هذه وسيلةٌ للسّرد القصصيّ"، يقول إيرنست بيتي، قائد رؤى الاتّجاهات في يوتيوب. "ويصبح ذلك عذراً لمشاركة شيءٍ ما عن حياتك".
فرصةُ العمل للاستفادةِ من هذه الفيديوهات GRWM (اختصاراً لـ Get Ready with Me) ضخمةٌ. إذ على تيك توك، تمّت مشاهدة فيديوهاتٍ بوسم "GRWM" أكثر من 161.2 مليار مرّةٍ. وفي تقريرٍ صدر في أغسطس، قال يوتيوب إنّه كان هناك أكثر من 6 مليارات مشاهدةٍ للفيديوهات المعنونة بتباينات "GRWM" في ذلك الوقتِ من العامِ.
إليك نظرةٌ داخليّةٌ على كيفيّة صنع الفيديوهات، وكيف يُمكنك المشاركة في العملِ إن أمكنَ.
النّاس يشاهدون بالمليارات
جعلت الفيديوهات المهام اليوميّة جزءاً أساسيّاً من نظامنا عبر الإنترنت، على منصّاتٍ مثل يوتيوب، من خلال جذب المشاهدين الّذين يجدونها إمّا مفيدةً أو جماعيّةً، أو كليهما.
قفزت المشاهير و"فتيات الموضة" على العربة، غالباً لترويج علاماتهم التّجاريّة أو كجزءٍ من سلسلة "أسرار الجمال" لفوغٍ، والّتي تستفيد من التوجّه. وفي أبريل، انضمّت عارضة الأزياء صوفيا ريتشي غراينج إلى تيك توك، ونشرت سلسلةً من فيديوهات "استعدّ معي" لتقدّم للمعجبين نظرةً داخليّةً على زفافها.
في السّنوات الأولى من النّوع، يقول بيتي، كان النّاس يضعون ببساطةٍ المكياج أمام الكاميرا، وبعد ذلك بقليلٍ، تطوّرت الفيديوهات إلى ما نراه اليوم؛ مبدعو المحتوى يتألّقون بالزّينة بينما يتحدّثون إلى متابعيهم عمّا يدورُ في أذهانهم.
شهدت أيضاً نهضة أخرى في السّنوات الأخيرة مع شعبيّة الفيديو قصير الشّكل، خبز تيك توك اليوميّ، والّذي قام يوتيوب وإنستغرام بنسخه على شكل "shorts" و"Reels" على التّوالي.
يتبنّى النّوع من قبل المبدعين الصّاعدين الّذين قد يشعرون بعدمِ الارتياحِ لمشاركةِ قصّةٍ في فيديو دون القيام بأيّ شيءٍ آخر، كما تقولُ نيكلا بارتولي، نائبةُ الرّئيس للمبيعات في Influencer Marketing Factory. إذ تميلُ إضافةُ الأنشطةِ إلى جعلِ المحتوى يبدو أقلّ ثقلاً وأكثر ترحيباً، خاصّةً للمشاهدين الّذين لم يصادفوا المبدع من قبل، ولكنّهم مهتمّون بما يفعلهُ.
نظراً لأنّ المستخدمين يميلون أيضاً إلى التّمرير بسرعةٍ على تيك توك، يجب على المبدعين جذب انتباه المشاهد على الفورِ قبل أن ينتقلوا إلى الشّيء التّالي في صفحةِ "من أجلك". يعني المزيد من التّفاعل شعبيّةً أكبر، والّتي تؤدّي عادةً إلى شراكاتٍ مع الشّركات الرّاغبة في دفعِ المالِ للمؤثّرين من خلالِ صفقاتِ العلاماتِ التّجاريّة أو وسائل أخرى.
"مستوى القصص المُقنعة قد ازدادَ كثيراً"، تقول بارتولي، الّتي تعمل شركتها على ربط المؤثّرين بالعلاماتِ التّجاريّة الّتي ترغبُ في الشّراكةِ معهم لترويج المنتجات. "يمكن أن يكونَ ذلك بسبب الازدحام، تحتاج إلى رفع مستوى اللّعبة، إذا جاز التّعبير".
استعدّ لظهور شخصيّاتٍ جديدةٍ
واحدةٌ من أشهر المؤثّرين في هذا المجال هي "أليكس إيرل" (Alix Earle)، البالغة من العمر 22 عاماً، الّتي تشارك تجاربها مع مشكلاتٍ مثل حبّ الشّباب، واضطراب الأكل، ونوبات الهلع، بالإضافة إلى حلقاتٍ خفيفةٍ عن اللّيالي مع الأصدقاء. لديها ما يقرب من 6 مليون متابعٍ على تيك توك.
أليشا ري، البالغة من العمر 18 عاماً، والّتي تعيش في تورونتو وتعمل كعارضة أزياءٍ، تقول إنّها ترغب في إنشاء محتوى فيروسيٍّ على وسائل التّواصل الاجتماعيّ لمساعدتها في بناء متابعيها، وبالتّالي مسيرتها في عرضِ الأزياِء، كما تقول إنّ أصدقاءها نصحوها بصنع فيديوهات "استعدّ معي" لأنّها شائعةٌ.
بسبب أحداث عرض الأزياء، تقول ري إنّها فوّتت بعض الورديّات في وظيفتها الجزئيّة في متجر أحذيةٍ في المركز التّجاريّ، لذا قرّرت أن تصنعَ فيديو "استعدّ معي للفصل من العمل" أثناء وضعها المكياجَ قبلَ أن تعودَ لورديةٍ أخرى، تمّ وسم الفيديو بـ "#pleasedontbelikeme". في مقابلةٍ، تقول ري، الّتي تدرسُ في السّنة الأولى بالجامعةِ، إنّها تلقّت تحذيراً من مديرها ولكنّها لم تفصل. "اللّه كريمٌ"، تقول.
- غالباً ما تكمن خلف محتوى "الاستعداد" رسائل أخرى، تجاريّةٌ أكثر.
يشيرُ بارتولي إلى أنّ الفيديوهات الاعترافيّة لا تقتصرُ فقط على مشاركةِ القصص، بل تتعدّى ذلك لتحفيزِ تفاعلٍ أكبر من المستخدمين الذين يتابعون تطوّرات القصّة أو يرغبون في معرفةِ المزيدِ حول المنتجاتِ التي يستعرضها المبدعون. هذا التّفاعل يجعل الفيديوهات أداةً فعّالةً للتّرويج للمنتجاتِ وتعزيزِ الشّراكات مع العلّاماتِ التّجاريّة. وفقاً لتقريرٍ صادرٍ عن بنك جولدمان ساكس، تُعدّ هذه الشّراكات المصدرَ الأساسيّ للدّخل للمبدعين، حيث يُقدّر اقتصاد المبدعين بقيمة 250 مليار دولارٍ حاليّاً، ومن المتوقّع أن يتضاعفَ حجمه تقريباً بحلول عام 2027.
ألي بريبولا، البالغةُ من العمر 25 عاماً والّتي كانت معلّمةً في مدرسةٍ ابتدائيّةٍ في ضواحي فيلادلفيا، تقول إنّها بدأت في صنع فيديوهات GRWM كوسيلةٍ لمعالجةِ مشاعرها حول وظيفتها السّابقةِ. تقول بريبولا إنّ بعض الشّركات قد اتّصلت بها منذ ذلك الحين، لتقديم هدايا ودفعت لها مقابل تسويقِ المنتجات على صفحتها. تقول إنّها تعتبره "عملاً جانبيّاً".
كاميلا راميريز دياز، البالغةُ من العمر 25 عاماً، والّتي تعملُ كمختصةِ بصريّاتٍ في بيرلينغم بكاليفورنيا، اشترت مؤخّراً قلم نقاطٍ بسبب فيديوهات GRWM الّتي تشاهدها في اللّيل لتهدئةِ يومها. تفضّل دياز مشاهدتها أكثر على تيك توك، حيث تقول إنّ المحتوى يُمكن أن يكونَ أكثر شخصيّةً.
تذكّر فيديو واجهته مؤخّراً من مؤثّرٍ كان يستعدّ بينما كان عالقاً في لندن بسبب جواز سفرٍ منتهي الصّلاحيّة؛ "إنّه تقريباً كما لو كنتَ تشاهدُ صديقكَ على FaceTime معك"، تقول دياز. "يُمكنني الجلوسُ هناك طوال اليوم ومشاهدة فيديوهات "استعدّ معي" من مبدعين مختلفين؛ إنّها مزجٌ من كلّ شيءٍ".
لمزيدٍ من أحداث عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.