تحديث Google يغيّر أولويات تحسين محركات البحث
اعتماد موقعك على الذّكاء الاصطناعيّ في المحتوى يمكن أن يؤثّر على ترتيبه في نتائج البحث
أصدرت "غوغل" (Google)، في وقتٍ سابقٍ من هذا الأسبوع، تحديثها الأساسيّ الثّالث لعام 2024، وهو تحديثٌ يهدف إلى تعديل خوارزميّات البحث الّتي تعتمد عليها ملايين المواقع لتصدّر نتائج محرّك البحث. حيث أثارت هذه الخطوة ردود فعلٍ واسعةً بين خبراء تحسين محرّكات البحث (SEO)، إذ يرون أنّها تمثّل تحوّلاً كبيراً في الطّريقة الّتي يجب أن تدار بها إستراتيجيّات المحتوى.
ماذا يعني التّحديث الأساسيّ؟
تُجري غوغل بشكلٍ دوريٍّ إطلاق تحديثات خوارزميّةٍ تُعرف "بالتّحديثات الأساسيّة" (Core Updates)، والتي تهدف إلى تحسين تجربة المستخدم بشكلٍ شاملٍ. والغرض الرئيسيّ من هذه التّحديثات هو تصفية النّتائج في محركات البحث لتقديم محتوى عالي الجّودة والقيّمة، ممّا يتيح للمستخدمين الوصول إلى المعلومة الّتي يبحثون عنها بشكلٍ أسرع وأكثر دقةً.
وفي تحديث نوفمبر 2024، ركّزت غوغل على توجيه الخوارزميّات نحو تعزّيز المحتوى الأصليّ والموثوق، مع الحدّ من تأثير الممارسات القديمة الّتي كانت تُستخدم للتّحايل على أنظمة محركات البحث. ومن بين هذه الممارسات التّلاعب بالكلمات المفتاحيّة (Keyword Stuffing)، حيث كان البعض يعمد إلى إدخال كلماتٍ مفتاحيّةٍ بكثافةٍ غير طبيعيّةٍ داخل المحتوى دون سياقٍ واضحٍ بهدف تحسين ترتيب الصفحات في نتائج البحث.
إضافةً إلى ذلك، بدأ التّحديث في معالجة التّحديات الّتي تفرضها استخدامات الذّكاء الاصطناعيّ في إنتاج محتوى منخفض الجّودة. على الرغم من أنّ الذّكاء الاصطناعيّ يُعدّ أداةً فعّالةً في الكتابة وتحليل البيانات، إلّا أنّ بعض المستخدمين استغلوه لإنتاج محتوى آليٍّ يفتقر إلى الإبداع والعمق.
يأتي هذا التّوجه كجزءٍ من رؤية غوغل طويلة الأمد لتعزّيز مصداقيّة نتائج البحث، والتأكّد من أنّ المواقع الّتي تظهر في الصّفحات الأولى هي تلك الّتي تقدّم معلوماتٍ دقيقةً، محدثةً، وتلبي احتياجات المستخدمين بشكلٍ أفضل.
الجودة على الكمّيّة: القاعدة الجديدة
في مجال تحسين محرّكات البحث (SEO)، تغيّرت القواعد بشكلٍ كبيرٍ مع تطوّر الخوارزميّات، وخاصةً تلك التي تطوّرها غوغل. وفقاً لديفيد ريجز، مؤسّس وكالة "بنيُوما ميديا" (Pneuma Media) المتخصّصة في تحسين محرّكات البحث، أصبحت الأولويّة اليوم تُمنح للجودة بدلاً من الكمّيّة في المحتوى.
في السنوات الماضية، كانت الاستراتيجيّات تركّز على تحقيق أعلى ترتيبٍ في نتائج البحث باستخدام طرقٍ تعتمد على استغلال كلماتٍ مفتاحيّةٍ بكثافةٍ، بغضّ النّظر عن مدى انسجامها مع النّص، أو نشر مقالاتٍ قصيرةٍ مملوءةٍ بروابط خلفيّةٍ (Backlinks) دون أن توفّر قيمةً حقيقيّةً للقارئ. هذه الأساليب، الّتي كانت فعّالةً نسبيّاً في العقد الماضي، أفسحت المجال لاستراتيجيّاتٍ أكثر تطوّراً تتطلّب التفكير في التّجربة الكاملة للمستخدم.
وفي هذا السياق، يقول ريجز: "كانت إستراتيجيّات 2010 تدور حول التّلاعب بالنّظام، لكنّ الأمر الآن أصبح أكثر تعقيداً". يشير هذا إلى أنّ محركات البحث أصبحت تعتمد بشكلٍ أكبر على فهم سياق المحتوى وجودته، بدلاً من الاعتماد فقط على الإشارات التقليديّة مثل كثافة الكلمات المفتاحيّة.
أما اليوم، يُقيّم نجاح المحتوى بناءً على عمقه، ومصداقيّته، ومدى تلبيته لاحتياجات الجمهور المستهدف. مثلاً:
- تُكافَأ المقالات التي تقدّم حلولاً عمليّةً ومعلوماتٍ موثوقةً بترتيبٍ أعلى.
- التّركيز على تجربة القراءة، بما في ذلك وضوح الأفكار وتنظيم المعلومات، أصبح معياراً أساسيّاً.
- يجب أن يكون استخدام الروابط الخلفيّة عضويّاً وذا صلةٍ مباشرةٍ بالمحتوى، بدلاً من كونها مجرد وسيلةٍ لتحسين التّرتيب.
تعكس هذه التحوّلات حقيقةً أساسيّةً في العصر الحديث لتحسين محرّكات البحث: لا مكان للاختصارات أو الحلول السريعة، بل يعتمد النّجاح على تقديم محتوى أصيلٍ وعالي الجّودة يخدم المستخدمين فعلاً.
طرق عمليّة لتحسين أداء المواقع
فيما يلي أبرز النّصائح من الخبراء لتحسين ترتيب موقعك:
1. التّقليل من الاعتماد على الذّكاء الاصطناعيّ
يرى ستيفن ويلسون، مدير تحسين محرّكات البحث في شركة "أبوف ذا بار ماركيتينغ" (Above The Bar Marketing)، أنّ الاستخدام المفرط للذّكاء الاصطناعيّ في توليد المحتوى قد يكون له تأثيرٌ سلبيٌّ على ترتيب المواقع في نتائج البحث. ويُوضح قائلاً: "هناك حربٌ على الذّكاء الاصطناعيّ، وكلّما زاد اعتمادك عليه لإنتاج المقالات، قلّ احتمال ظهورك في نتائج البحث".
كما تُظهر تحديثات غوغل الأخيرة أنّها أصبحت أكثر صرامةً في تصنيف المحتوى المولّد تلقائياً، حيث تُفضّل النّصوص المكتوبة بعنايّةٍ بشريّةٍ تعكس خبرةً حقيقيّةً واهتماماً بالمستخدم. ويُنصح باستخدام الذكاء الاصطناعيّ كمساعدٍ لتحسين الكتابة أو البحث، بدلاً من الاعتماد عليه بشكلٍ كاملٍ لإنشاء المحتوى.
2. التّركيز على التّخصّص والمصداقيّة
أحد العناصر الأساسيّة لتحسين ترتيب الموقع هو بناء سمعةٍ واضحةٍ في مجالٍ معيّنٍ. لذا توصي غوغل أصحاب المواقع بتضييق نطاق موضوعاتهم والتّركيز على تخصّصٍ محدّدٍ بدلاً من تغطية موضوعاتٍ متنوّعةٍ وعشوائيّةٍ.
وكلّما زادت خبرتك وعمق معلوماتك في مجالٍ معيّنٍ، أصبحت علامتك أكثر مصداقيّةً للمستخدمين ومحرّكات البحث على حدٍّ سواء. على سبيل المثال، إذا كان موقعك يركّز على اللّياقة البدنيّة، فإنّ إنتاج مقالاتٍ متخصّصةٍ في التّمارين الرّياضيّة أو النّصائح الغذائيّة سيكون أكثر تأثيراً من نشر موضوعاتٍ عامّةٍ لا علاقة لها بتخصّصك.
3. تنظيف المحتوى القديم
غالباً ما يُهمل أصحاب المواقع مراجعة المحتوى القديم الّذي قد يُثقل الموقع دون تقديم أيّ فائدةٍ حقيقيّةٍ للمستخدم. وهنا يُشير باركر إيفنسن، مؤسّس وكالة "أونست ديجيتال" (Honest Digital)، إلى أنّ حذف المقالات القديمة الّتي لم تعد ذات صلةٍ أو لا تحقق أيّ تفاعلٍ يُعدّ خطوةً أساسيّةً لتحسين أداء الموقع. فيقول إيفنسن: "عندما تراجع المحتوى القديم، وتحذف ما لم يعد يضيف قيمةً، فإنّك تُظهر لغوغل أنّك تهتمّ بجودة الموقع وتجربة المستخدم". وتشمل هذه الخطوة إعادة كتابة المقالات القابلة للتّحديث أو تحديث البيانات القديمة، ما يضمن بقاء الموقع مواكباً وذا صلةٍ للمستخدمين.
وبالتالي، يرى الخبراء أنّ غوغل تهدف إلى تحفيز الشّركات على التّركيز على جودة المحتوى بدلاً من محاولة التّحايل على الخوارزميّة. يقول ريجز: "غوغل تريد من أصحاب المواقع أن يتوقّفوا عن محاربة النّظام، ويبدؤوا في إنتاج محتوى إنسانيٍّ يلبّي احتياجات المستخدمين".