التّعامل مع القادة السّامين: استراتيجيات للبقاء والإنتاجيّة
القيادة السّامة لا تُظهر نفسها في البداية، بل تتجلّى مع الوقت في قرارات تعيق التقدم
بقلم جو بروكوبيو Joe Procopio مؤسس موقع TeachingStartup.com.
ماذا يفعل القادة عندما يدركون أنّهم فاشلون في القيادة؟ حسناً، يقومون بالكثير من الأشياء، وبعض تلك الأشياء لا بأس بها، ويجب حتى تشجيعها إلى حدٍّ ما. أعني، ليس الجميع قادةً بالفطرة، إذ يتعلّم بعضنا بالطّريقة الصّعبة؛ نلقى في مواقعٍ قياديةٍ ثمّ نرتكب بعض الأخطاء الحرجة والمحرجة أثناء ذلك. [1]
ولكن بعض تلك العيوب يمكن أن تتسرّب إلى ما يمكن أن أسمّيه بالقصور (عدم الكفاءة) السّام، وسأكشف عن تلك التّسريبات هنا حتى تتمكّن من رؤيتها، وسأقدّم لك أفضل نصائحي للتّعامل مع القادة غير الأكفاء. وبناءً على ذلك، آمل أن أردعك عن أن تصبح واحداً منهم.
تبدأ القيادة السامة عادةً كقيادة مثالية ذات رؤية
لنتناول بعض الأمور فوراً:
أولاً: أعتقد أنّ "سامة" هي كلمةٌ نبالغ في استخدامها لأسبابٍ خاطئةٍ، فمجرّد أنّني لا أحبّ شيئاً، لا يجعله سامّاً. أنا لا أحبّ كرنب (ملفوف) بروكسل، لأنه يصدر روائح كريهةً، لكن ذلك لا يجعله سامّاً، هذا يجعلني أنا فقط حسّاساً.
عندما يسيء شيءٌ ما إليّ لا يعني أن يكون ذلك سامّاً أيضاً. تسيء إليّ البرامج التّلفزيونية الواقعيّة على مستوى عميقٍ وروحيّ، لكن هذا لا يجعلها سامّةً. أرغب في تسميتها بأنها سامّةٌ، ولكنني أبلغ قدراً كافياً من النّضج لأعلم أنني ببساطةٍ لا أفهمها، وأنا مرتاحٌ مع جهلي بهذا الصّدد. أقول هذا لأنّ معظم النّاس لا يحبّون أو لا يفهمون معظم الأشخاص الحالمين أو المثاليين.
أنت على وشك أن تجادلني، ولكنّي سألقي إليك بمثال إيلون ماسك، سواء كنت تحبّه أم تكرهه، يمكن للجميع أن يتفق على أنّ ماسك إمّا يكون غير محبوب أو يساء فهمه كشخصٍ حالمٍ (أو كليهما). الآن، هل هو سامٌّ كقائدٍ؟ لا أعرفْ، فأنا لا أعمل لديه.
لكن يمكنني أن أقول لك: إنّ مسألة الرّؤية تتضخّم لتتحوّل من الاستياء والفهم السيّئ إلى مستوياتٍ سامّةٍ من عدم الكفاءة أو القصور عندما تبدأ أفعال القائد في العمل بشكلٍ متكررٍ ضدّ تقدّم الشّركة. ويكون من الصّعب في كثيرٍ من الأحيان رؤية هذا التّحوّل، لأنّ تنفيذ الرّؤية يتطلّب خطواتٍ جريئة، ومخاطر، واستياء، وسوء فهمٍ من قبل الآخرين. يصبح سلوك الشّخص الحالم (الذي يمتلك رؤيةً) سامّاً عندما يصبح من الصّعوبة بمكانٍ تبرير أو تفسير الرّابط بين أفعال القائد وأهداف الشّركة.
شاهد أيضاً: كيف تبني فريقاً يشاركك الرؤية ويسعى لتحقيقها؟
أوه، هذا لا يتعلق بك
انظر، لقد كنت محظوظاً بما فيه الكفاية، لأنّني عملت مع الكثير من القادة والكثير من الحالمين، أحياناً كنت أعمل معهم جنباً إلى جنبٍ لسنواتٍ، وأحياناً أخرى لمدّة ساعةٍ على الهاتف.
- كلّ هذا لا يتعلّق بك.
- هل فهمت ذلك؟
- حسناً، لنبدأ إذاً.
دائماً يبدؤون، ولا ينهون أبداً
في الأسبوع الماضي، أجبت على سؤالٍ في موقع Teaching Startup من مؤسّسٍ مشاركٍ ورئيسٍ تنفيذيّ للعمليات يحتاج إلى إعادة بناء مؤسّسته المفكّكة بأكملها بعد انفصاله عن شريكه المؤسّس الرّئيس التّنفيذيّ.
كان الرّئيس التّنفيذيّ الذي رحل هو الحالم صاحب الرّؤية، أمّا الرّئيس التّنفيذيّ للعمليّات الموجود حالياً هو: الشّخص الذي يقوم بالعمل الفعليّ. كانت الشّراكة ناجحةً بشكلٍ رائعٍ في البداية، وأصبحت الشّركة ناجحةً إلى حدٍّ ما بسرعةٍ. ولكن مع تلاشي البريق، لم يتمكّن الرّئيس التّنفيذيّ الحالم من السّيطرة على أفكاره ورؤاه، وكان يدفع الشّركة باستمرارٍ لتنفيذ سلسلةٍ من الأفكار الجديدة دون إنهاء أيّ من أفكاره القديمة.
هذه الحالة شائعةٌ وغير مستغربة، إذ لن تجد جميع الرّؤساء التّنفيذيين حالمين، ولا ينبغي أن يكون جميع أصحاب الرّؤى رؤساء تنفيذيين، لكن عندما يكون الحالم رئيساً تنفيذياً، يتطلّب الأمر شخصاً تنفيذياً مساعداً قوياً -في بعض الأحيان يتطلّب حتى فريقاً تنفيذياً كاملاً- للحفاظ على التزام صاحب الرّؤية بتنفيذ فكرةٍ ما بمجرّد أن يصل التّنفيذ إلى نحو 60% من التّقدّم أو "ما بعد المرحلة الممتعة".
يصبحون منغلقين في مجموعة محددة
في أغلب الأحيان يتميّز القادة الحالمون بقدرتهم على التّجنيد إلى حدٍّ ما. فهم رائعون في تحويل الأشخاص الأذكياء والموهوبين إلى مؤمنين حقيقيين. وتعتبر هذه المهارة قوّةً فائقةً، ومهما قدّرتها لن تكون مبالغاً في ذلك، فعندما تعمل هذه القوّة الفائقة على الموظّفين والمستثمرين والعملاء والشّركاء، يمكن أن تشكّل الفارق بين النّجاح والفشل للشّركة برمّتها.
ومع ذلك -هذا يحدث دائماً- مع النّجاح الكبير يأتي الطّلب الأكبر، ممّا يتطلّب موارد أكبر. وما يحدث أحياناً هو أنّ القائد الحالم يدرك أنّه متميّزٌ في قيادة المؤمنين به: الأذكياء والموهوبين، ولكن قيادته للأشخاص العاديين ليست بالجودة نفسها. وما يحدث أحياناً هو أن تصبح تلك المجموعة من المؤمنين به هي المجموعة المفضّلة داخل الشّركة. وعندما يحدث ذلك، يكون الموظّفون والمستثمرون والعملاء والشّركاء الذين لا ينتمون إلى هذه المجموعة ضدّ المجموعة.
لا أعرف كيفيّة منع هذا من الحدوث. كنت أتمنى لو أنّني كنت قادراً على ذلك لأنني أسمع عنه كثيراً. لو كنت قادراً على وقف انتشار سياساتٍ معينةٍ في مؤسّسةٍ، لكنت أصبحت مليارديراً، كما كان سيعمّ السّلام في العالم.
شاهد أيضاً: صفة وحيدة قد تجعل مهارات القيادة لديك أفضل من معظم المدراء
يصدرون تعليمات تنفيذية شاملة
تنبيهٌ للموظّفين: أنتم الآن ملزمون بأداء وتسجيل رقصة TikTok كلّ ثلاثة أيامٍ، لفتح قفل كمبيوترٍ محمولٍ صادرٍ لكم من العمل. إن اعتقدت أنّ هذا يبدو غبيّاً... حسناً دعني أخبرك، لقد رأيت فعلاً بعض الأمور الغريبة.
أنا مؤيّدٌ قويّ للقواعد، إذ تخلق القواعد بنيّةً تحفّز الوصول إلى النّتائج المتوقّعة، والتي تعدّ أمراً حاسماً للنّجاح في الأعمال. ولكنّني أيضاً أحبّ الإبداع، لذلك يمكنك أن تحجم عن قواعدك المبالغة. فعندما يرى القادة غير الأكفاء أنّ شركتهم تعاني ولا يجدون إجاباتٍ في المنتج أو السّوق، يتّجهون إلى العمليّات، ويفرضون إصلاحاتٍ قاطعة على العمليّات، بينما يمكن في معظم الحالات أن يؤدّي الغرض تعديلٌ جراحيٌّ طفيفٌ مدروسٌ.
وعندما يفشل أمرٌ ما معك، تسارع إلى قراءة هذا النّوع من الأمور: شركةٌ ما تفرض عدم إجراء اجتماعاتٍ بشكلٍ نهائيّ، أو يصبح راتب الجميع علنيّاً، أو حتى شيءٌ بسيطٌ مثل إعلان وقتٍ غير محدودٍ للاستراحات، والذي في الواقع ليس سوى غطاء لدفع تكاليف الفوائد غير المنفقة مع تحميل مسؤوليّة الإنتاجيّة المنخفضة لمدراء المستوى الأوسط.
عندما يعلن عن قواعدٍ تنفيذيةٍ شاملةٍ بغرض كبح أو تشجيع سلوكٍ معيّنٍ دون أيّ تفكيرٍ في العواقب غير المقصودة، فإنّك تواجه القصور السّامّ في القيادة الذي يظهر متنكّراً كحلولٍ شخصيّةٍ سريعةٍ وغير موضوعيّةٍ لقضايا تشغيليّةٍ معقّدةٍ.
شاهد أيضاً: كيف تدير تنوع أساليب القيادة في فريقك؟
التعديل التنظيمي
لم أتحدّث عن تقليص العدد، فكلّ القادة يتعيّن عليهم القيام بذلك، بل أتحدّث عن إعادة توجيه الأفراد لمهامٍّ أخرى بدون سببٍ واضحٍ. حتى إنني سأتابع وأقول: إنّ إعادة توجيه الأفراد بسبب التّفضيل -لنقلٍ كنتيجةٍ لظاهرة التّجمّع والارتياب التي تحدّثت عنها سابقاً- هو على الأقلّ أمرٌ واقعيّ. أتحدّث عن إعادة توجيه مطوّر برامجٍ إلى قسم الموارد البشرية لبضعة أسابيعٍ بغرض فهمٍ أفضل للشّركة، أو حتى إعادة بناء الهيكل التّنظيميّ من الأدوار الوظيفيّة إلى فرق العمل لفرق المنتجات ثمّ إلى فرقٍ عشوائيّةٍ تماماً والعودة مرّةً أخرى، بغرض "تحريك الأمور".
ما أعنيه هو، لا تدع أبداً الرّئيس التّنفيذيّ يجيب على مكالمات الدّعم. فالبرامج التّلفزيونيّة الواقعيّة ليست حياةً حقيقيّةً؛ وبالصّدفة، هذا أحد أسباب كرهي لها. إذ إنّ القيام بشيءٍ من هذا القبيل يقلّل فقط من قيمة فريق الدّعم الخاصّ بك.
المشروعات الشخصية المفضلة التافهة
الابتكار من قائدٍ صاحب رؤيةٍ أمرٌ إلزاميّ، لكن عندما يصبح الابتكار هوساً، يصبح ذلك مشكلةً كبيرةً. وأنا أحبّ أن أعتقد أنّني جزءٌ من الحالمين أصحاب الرّؤى. أعني، أنا لا أنظر إلى الطّعام وأرى فيه أزياءً أو شيئاً من هذا القبيل، ولكن في بعض الأحيان، تكون أفكاري بجودةٍ كافيةٍ تستحقّ التّنفيذ وإنفاق بعض الوقت والمال عليها.
سأعترف أيضاً بأنّني أنفقت وقتاً طويلاً جدّاً وقدراً ضخماً من المال على أفكارٍ لم تكن سيئةً وحسب، بل كانت درجة فظاعتها من الوضوح بمكانٍ لدرجة أنّ الأشخاص الذين أثق بهم أكّدوا لي ذلك، لذا أنا أعرف كيف يحدث ذلك.
عندما يقيّم النّاس الأشخاص المبتكرين وأصحاب الرّؤى، فإنّهم يحكمون بناءً على نجاح أو فشل أفكارهم، وليس على جهدهم. لذا، إذا لم يتمكّن فريق صاحب الرّؤية من جعل الفكرة ناجحةً، فأحياناً يحاول صاحب الرّؤية بذل كلّ جهده لجعل الفكرة ناجحةً بمفرده. وإن صدف أن يكون صاحب الرّؤية هو القائد، فسيكون لديه سلطةٌ غير محدودة تقريباً، لدفع تلك الحدود إلى مستوياتٍ سامّةٍ.
مثل جميع هذه الصّفات، ليست الرّؤية أو القيادة هي المشكلة هنا، وليست المشكلة حتى في الصّفة نفسها بقدر ما هي نقصٌ في تجربة القيادة والطّبع العنيد بما يتعلّق بمفهوم الرّؤية، ممّا يخلق تركيبةً سامّةً.
القيادة لا تتعلّق بالرّؤية، بل إنّها تتعلق بالتّعلّم من الأخطاء، إذ يحول التّعلّم من تلك الأخطاء -دون تكرار تلك الأخطاء- في تشجيع القصور السّامّ.