أتريد حياةً أكثر سعادةً؟ اعتمد "عادة التقبّل" للسيطرة على مشاعرك
عادةٌ يعتمدها الأذكياء عاطفياً لتحويل مشاعر الغضب والخيبة إلى حوافز السعادة والإنجاز
ربّما تعتقدُ أنّكَ قادرٌ على التّحكمِ بمشاعركَ، أو على النّقيضِ من ذلكَ. وربّما ترى أنّ مشاعركَ تعودُ عليك بالفائدةِ أو أنّها تؤذيكَ. وربّما تجدُ أنّ بعضها إيجابيٌّ، والبعضُ الآخر سلبيٌّ. لكن بغضّ النّظرِ عن وجهةِ نظركَ، يُمكن أن يؤثُر ما تعتقدهُ حولَ مشاعركَ بشكلٍ كبيرٍ على حياتكَ، وعلاقاتكَ، ومستوى سعادتكَ، وحتّى نجاحكَ المهنيّ. [1]
قد تسألُ كيف يُمكن ذلكَ؟ وسأجيبكَ بدراسةٍ نشرتها مجلّةُ Emotion أظهرت أنّ إعادةَ تفسيرِ المحفّزِ (أي رؤية مشاعرِ الخوفِ ليس كأنّها أمرٌ يدعو إلى التّثبيطِ، وإنّما كعلامةٍ على أنّكَ بحاجةٍ إلى التّعاملِ مع الوضعِ بشكلٍ مختلفٍ)، يُمكن أن يقلّلَ بشكلٍ كبيرٍ من مشاعرِ القلقِ. كما أظهرت دراسةُ أخرى نُشرت في مجلّة Journal of Clinical Psychology أنّ إعادةَ التّأطيرِ (رؤية موقفٍ أو مشكلةٍ من منظورٍ مختلفٍ)، يُمكن أن يقلّلَ بشكلٍ كبيرٍ من مشاعرِ الإجهادِ والقلقِ.
شاهد أيضاً: 5 اختيارات قد تكون مفتاح سعادتك مدى الحياة
لكن يُمكن أن تغيّرَ معتقداتكَ حول المشاعرِ حالتكَ العاطفيّةَ فعليّاً. إذ أظهرت دراسةٌ نُشرت في مجلّةِ Journal of Evidence-Based Psychotherapies أنّ اتّخاذَ وجهةِ نظرٍ مختلفةٍ، يُمكن أن يقلّلَ من شدّةِ الألمِ ويرفعَ درجةَ تحمّلهِ. ومع ذلكَ، ليس من السّهلِ دائماً تغيير وجهةِ نظركّ تجاه مشاعرٍ معيّنةٍ، فإذا كنتَ غاضباً، يُمكن أن يكونَ من الصّعبِ إعادةُ تأطيرِ تلكَ المشاعرِ بشكلٍ إيجابيٍّ، وإذا شعرتَ بالإهمالِ، يُمكن أن يكونَ من الصّعبِ رؤيةُ الرّفضِ كمحفّزٍ يدفعكَ نحو الأمام.
وهذا عندما يُمكن أن يكونَ تقبّلُ المشاعرِ السّلبيّةِ فعالاً، بدلاً من محاولةِ تغييرها، أو في سيّئ الأحوالِ، الحكم عليها. كما وأظهرت سلسلةٌ من الدّراساتِ المنشورةِ في مجلّة Journal of Personality and Social Psychology أنّ تقبّلَ المشاعرِ السّلبيةِ، وهو ما يطلقُ عليه علماءُ النّفسِ "عادة التّقبل"، يؤدّي إلى تحسينِ الصّحة النّفسيّة.
وكما يقولُ الباحثون:
بشكلٍ عامٍ، تشير هذه النّتائج إلى أنّ الأفرادَ الذين يتقبّلون تجاربهم العاطفيّة، بدلاً من الحكمِ عليها، قد يصلون إلى صحّةٍ نفسيّةٍ أفضل، ويعودُ أحد الأسباب إلى أنّ التّقبلَ يساعدهم على تجربةِ قدرٍ أقلّ من الأحاسيسِ السّلبيّة، ردّاً على مسببّات التّوترِ.
تُعدُّ العبارةُ السّابقةُ بالغةَ الأهميّةِ، فمن غير المُمكنِ التّخلصُ من مسبّباتِ التّوترِ، فـ (الأمورُ) تحدثُ بصورةٍ لا يُمكن التّنصلُ منها، والقضاء على كلّ شعورٍ سلبيٍّ أمرٌ مستحيلٌ. إذ لا يُمكننا دائماً التّحكم في مشاعرنا، ولكن يُمكننا التّحكم في ردودِ أفعالنا.
وتتمثّلُ الخطوةُ الأولى في التّوقفِ عن الحكمِ على نفسكَ بسببِ الشّعورِ بالغضبِ، أو الشّعورِ بالألمِ، أو الشّعورِ بالخيبةِ أو الاستياءِ أو بأنّكَ "شخص حساس". ليس لأنّ تلكَ المشاعرَ طبيعيّةً وحسب، ولكنّها ربّما تكون أيضاً منطقيّةً، (فمن منّا لا يشعرُ بالاستياءِ، إذا قام أحدُ العملاءِ الكبار فجأةً بإلغاءِ طلبيةٍ كبيرةٍ مثلاً؟). فلا ينبغي لكَ تأنيبُ نفسكَ بسببِ مشاعركَ، بل اعترف بها وتقبّلها، ثمّ قرّر ما ستفعلهُ لمواجهةِ ذلكَ.
ربّما ستعيدُ تأطيرَ الوضعِ حتّى تتمكّنَ من الحصولِ على رؤيةٍ أعمقَ ليس فقط بسبب شعوركَ بتلَك الطّريقةِ -لأنّكَ في هذه المرحلةِ لا مهربَ من شعوركَ هذا بالتّأكيدِ- ولكن للظّروفِ الّتي سبّبت لكَ هذا الشّعور. إذ ربّما ستحوّلُ تلكَ المشاعر إلى طاقةٍ لإحداثِ تغيّيرٍ في وضعٍ معينٍ، أو في طريقةٍ ما تّتبعها، أو في علاقتكَ بأحدِ الأشخاصِ. وعندما تفعلُ ذلكَ، ستزيدُ لديكَ احتماليّة تحويل المشاعرِ السّلبيّة إلى مشاعر إيجابيّة على المدى البعيدِ، وكما يقولُ الباحثون:
إنّ تقبّلَ التّجاربِ العاطفيّة بشكلٍ عاديٍّ عموماً يُنبئ بصحّةٍ نفسيّةٍ (راحة نفسيّةٍ، ورضا بالحياة، وغياب أعراض الاكتئاب والقلق). كما يساعدُ الّتقبّل في الحيلولةِ دون تفاعلِ الأشخاصِ مع تجاربهم العاطفيّة السّلبيّة، وبالتّالي يمنع تفاقمها.
تلكَ عبارةٌ أخرى مهمّةٌ. عندما تغضبُ من نفسكَ بسببِ غضبكَ، فهذا ليس من شأنهِ إلّا أن يجعلَ الوضعَ أكثر سوءاً. وعندما تشعرُ بالإحباطِ تجاه نفسكَ لأنّك تشعرُ بالإحباطِ، فلا تتصوّر أن يكونَ الوضعُ أفضلَ. وعندما تحكمُ على نفسكَ، لأنّكَ تُظهر استجابةً عاطفيّةً طبيعيّةً، فمن المحتملِ أنّك ستشعرُ شعوراً مضاعفاً بالاستياءِ.
ولن يجعلكَ تقبّل مشاعركّ أكثر سعادةً وحسب، بل سيساعدكَ أيضاً على تحويلِ تركيزكَ نحو تحسينِ الوضعِ السّيء، والّذي سيجعلكَ أكثر سعادةً على المدى البعيدِ أيضاً، فتكون قد حقّقت نصراً مضاعفاً.