تزايد تسريح الموظفين بسبب الذكاء الاصطناعي: هل هذا مصيرُنا؟
التحوّل الأخير نحو الذّكاء الاصطناعي في شركة محاسبةٍ عملاقة يثير مخاوفاً حول تأثير الذّكاء الاصطناعي على سوق العمل والمستقبل الوظيفي
أثارت شركة "إنتويت" (Intuit) العملاقةُ في مجال المحاسبةِ مخاوفَ جديدةً بشأن تأثيرِ الذكاءِ الاصطناعي على سوقِ العملِ، بعدما أعلنت يومَ الأربعاءِ عن تسريحِ 1800 موظفٍ في إطارِ إعادةِ هيكلةٍ ترتكز على الذكاءِ الاصطناعي. هذه التخفيضاتُ ستؤثر على 10% من موظفي الشركةِ التي تمتلك برامجَ المحاسبةِ الشهيرةِ مثل "تيربو تاكس" (TurboTax) و"كويك بوكس" (QuickBooks).
في مذكّرةٍ أرسلها للموظفينَ، أكّد الرئيسُ التنفيذيُّ للشركةِ، ساسان جودارزي، أن التحوّلَ نحو الذكاءِ الاصطناعي سيجعلُ الشركةَ أكثر قدرةً على المنافسةِ في ظلّ التغيراتِ التكنولوجيةِ السريعةِ. وكتب جودارزي: "الشركاتُ الّتي لا تستعد للاستفادةِ من هذه الثورةِ في الذكاءِ الاصطناعي ستتخلف عن الركبِ، ومع مرورِ الوقتِ ستختفي".
وأكد جودارزي أنّ هذه التّسريحاتِ، التي ستكتمل في سبتمبرَ، ليست نتيجةً لصعوباتٍ اقتصاديةٍ، مشيراً إلى أنّ الشّركةَ في وضعٍ ماليٍّ قويٍّ. وسيحصل الموظفونَ الذين سيتأثّرونَ بهذا القرارِ على تعويضاتٍ لا تقل عن 16 أسبوعاً وتغطيةٍ تأمينيةٍ صحيّةٍ لمدة ستةِ أشهرٍ على الأقل. وأوضح جودارزي أنّ الشركةَ ستستبدل الموظفينَ الذين سيتم تسريحهم بأدوارٍ جديدةٍ مدعومةٍ بأدوات الذكاءِ الاصطناعي التوليدي، مشيراً إلى أن الشركةَ ستوظف حوالي 1800 شخصٍ جديدٍ في مجالاتِ الهندسةِ، المنتجاتِ، والأدوار المتعلقةِ بخدمةِ العملاءِ.
وفي رسالةٍ عبر البريدِ الإلكترونيِّ لمجلةِ .Inc، أوضح متحدّثٌ باسمِ الشركةِ أنّ هذه الخطوةَ تهدف إلى "زيادةِ الاستثمارِ في مجالاتِ النموِّ الرئيسيةِ: الذّكاءِ الاصطناعي التوليدي، حركةِ الأموالِ، التوسّعِ في السّوقِ المتوسطةِ، والنموِّ الدوليِّ".
الذكاء الاصطناعي وأتمتةُ الوظائف
يأتي هذا التحوّلُ في إنتويت في وقتٍ تتزايد فيه المخاوفُ من أنّ الذكاءَ الاصطناعي قد يحلّ محلّ أعدادٍ كبيرةٍ من العمّالِ. وفقاً لمسحٍ أجرته جامعةُ ديوك (Duke University) وبنوكُ الاحتياطيِّ الفيدرالي في ريتشموند وأتلانتا، أشار ثلثا المديرينَ الماليّينَ الأمريكيينَ الذين استجابوا إلى أن شركاتِهم تسعى لاستبدالِ العمالِ البشريينَ بنوعٍ من الأتمتةِ. وعلى مدى العامِ الماضيِ، ذكر 60% من الشركاتِ التي شملها الاستطلاعُ أنّها نفّذت برامجَ أو معدّاتٍ أو تكنولوجيا لأتمتةِ المهامِّ التي كان يقوم بها الموظفونَ سابقاً.
ويعتبر قادةُ الشركاتِ برمجياتِ الذكاءِ الاصطناعيِّ، التي تُستخدم غالباً لإنتاجِ النّصوصِ، والصّوتِ، والصّورِ عند الطلبِ، أدواتٍ أساسيةً لتعزيزِ التّنافسيةِ.
تأثيرُ الذكاءِ الاصطناعي على العاملين المستقلين
تشير بياناتٌ إضافيةٌ إلى أنّ الشركاتَ الناشئةَ تتّجه نحو استخدام أداةِ توليد النصوصِChatGPT، التابعة لـOpenAI، بدلاً من توظيف المستقلينَ على مواقعِ العمل الحرِّ مثل "فايفر" (Fiverr) و"أب ورك" (Upwork) و"توب تال" (Toptal).
وفقاً لمسحٍ غيرِ منشورٍ أجرته شركةُ المحاسبةِ "كروز كونسالتينغ" (Kruze Consulting)، فإنّ عددَ الشركاتِ النّاشئةِ التي تدفع مقابلَ الإصداراتِ المؤسّسيةِ من أداةِ ChatGPT قد ازداد بشكلٍ كبيرٍ منذ عام 2023. وأفادت التقاريرُ بأنّ ما يقرب من ثلثي الشّركاتِ النّاشئةِ على قائمتِها، التي تضمّ 550 شركةً مدعومةً برأسِ مالٍ مغامرٍ، تدفع مقابلَ الخدمةِ، في حين انخفض متوسّطُ الإنفاقِ على كتّابِ النصوصِ المستقلين بنسبة 83% منذ نوفمبر 2022.
صرّح هيلي جونز، نائب رئيس الاستراتيجيةِ الماليةِ في كروز، في رسالةٍ بريديةٍ إلكترونيةٍ لمجلة .Inc: "ببساطةٍ، لم تعد الشّركاتُ النّاشئةُ تنفق الأموالَ على التسويق الخارجيِّ – خاصةً الكتابةَ – الآن بعدَ أن استطاعت استخدامَ الذكاء الاصطناعي".
مستقبل الذكاءِ الاصطناعي في سوق العمل
أظهرت دراسةٌ حديثةٌ أجراها باحثونَ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) أنّ الشركاتَ يمكنها استبدال 23% فقط من الأجورِ المدفوعةِ للعمالِ البشريّينَ بأدواتِ الذكاءِ الاصطناعي الّتي تؤدّي نفسَ الوظائفِ. وأوضح نيل تومبسون، مديرُ مشروعِ الأبحاثِ المستقبليةِ في MIT، في بيانٍ صحفيٍّ الشهرَ الماضيَ: "هذا ليس أمراً يتم فيه استبدالُ جميعِ الوظائفِ على الفورِ".
مع ذلك، فإن عملياتِ التّسريحِ في الشّركاتِ البارزةِ مثل إنتويت تشير إلى أنّ نقطةَ التّحوّلِ التّكنولوجيةِ تقتربُ، ومعها، المزيدُ من التّداعياتِ على العمّالِ.