تقلبات إدارية: لماذا يفكر المدراء التنفيذيون في الرحيل؟
استطلاعٌ يكشف أنّ 56% من القادة يخطّطون لترك وظائفهم خلال عامين، ممّا يفرض تحديّاتٍ على الشّركات ويزيد أهميّة دور قسم الموارد البشرية
![images header](https://incarabia.awicdn.com/site-images/sites/default/files/default_image_inc_arabia.jpg?preset=v4.0_770X577&save-png=1&rnd=1519151RND220215)
على الرّغم من أنّ الجائحة أصبحت الآن جزءاً من الماضي، تظلّ التّغييرات الّتي أحدثتها في بيئة العمل الأمريكيّة واضحةً على نطاقٍ واسعٍ، ولا زالت بعض الاتّجاهات الأكثر تحدياً تتطوّر باستمرارٍ. ومن بين هذه التّغييرات، هناك تحوّلاتٌ غير ملموسةٍ، لكنّها بالغة الأهمّيّة في أولويّات المدراء رفيعي المستوى، الأمر الّذي دفع غالبيّة المدراء التّنفيذيّين في المناصب العليا (C-suite) إلى الإفصاح -في استطلاعٍ بحثيٍّ رائدٍ- عن احتمال تركهم لوظائفهم خلال العامين المقبلين. ويعدّ هذا التّطوّر المقلق لأصحاب العمل بمثابة مؤشّرٍ على ضرورة وجود مدراء موارد بشريّةٍ تنفيذيين (CHRO) أكفّاء لمنع رحيل هؤلاء الموظّفين ذوي القيمة العالية، الّذين يصعب استبدالهم.
وتأتي هذه النّتائج كنتيجةٍ لاستطلاعٍ حديثٍ أجرته شركة "جارتنر" (Gartner) للأبحاث والاستشارات، حيث تمّ استجواب مجموعةٍ متنوّعةٍ من المدراء التنفيذيين الكبار الّذين يقدّمون تقاريرهم مباشرةً للرّؤساء التّنفيذيّين حول أولويّاتهم الوظيفيّة ونواياهم المستقبليّة، إذ إنّ الرّدود الّتي تلقّاها الباحثون من هؤلاء المدراء، المعروفين وحاملي لقب "الرئيس" (Chief) في مسمّياتهم، جاءت مفاجئةً وتشكّل مصدر قلقٍ جدّيٍّ لشركاتهم.
أفاد 56% من المشاركين في الاستطلاع بأنّهم يميلون أو من المحتمل جدّاً أن يتركوا وظائفهم خلال العامين المقبلين، وهو رقمٌ مرتفعٌ حتّى مع احتساب نسبة 17% ممّن نسبوا خططهم للرّحيل إلى التّقاعد الوشيك. وما يزيد الأمر إثارةً للقلق، أن 27% من هؤلاء الموظّفين أفادوا بأنّهم ربّما سيتخلّون عن مناصبهم خلال ستّة أشهرٍ فقطٍّ.
لماذا يجب أن يقلق أصحاب الأعمال من هذا الوضع؟
يعود السّبب في ذلك إلى أنّ هؤلاء المدراء التّنفيذيّين غالباً ما يكونون من التّنفيذيّين المخضرمين الّذين يمتلكون خبرةً أعمق مقارنةً بمعظم البدائل المحتملة لهم. ونتيجةً لذلك، يؤدّي ارتفاع معدّلات رحيل هؤلاء المدراء التّنفيذيّين المخضرمين إلى تأثيراتٍ سلبيّةٍ مباشرةٍ على الأداء العامّ للشّركة.
في هذا السّياق، أوضح ألكساندر كيرس، المدير الرّئيسيّ في وحدة الموارد البشريّة في "جارتنر"، قائلاً: "إنّ ارتفاع معدّل دوران المديرين التّنفيذيّين يمثّل تحدّياً كبيراً للمنظّمات، إذ إنّ فريق الإدارة الأقلّ خبرةً يؤدّي عادةً إلى نموٍّ أقلّ للمؤسّسة، وهو أهمّ مؤشّرٍ تعتمد عليه المنظّمات لتتبّع أدائها. وعلى ذلك، فإنّ المدراء التّنفيذيّين المخضرمين هم أكثر عرضةً للرّحيل خلال العامين المقبلين مقارنةً بالمدراء الّذين هم حديثو العهد بأدوارهم".
تشير دراسة جارتنر أيضاً إلى أنّ الشّركات الّتي يتمتّع فيها المدراء التّنفيذيّون الكبار بمتوسّط مدّة خدمةٍ خمس سنواتٍ أو أكثر تحقّق نتائج أعلى من حيث الإيرادات، وتجربة العملاء، وغيرها من المؤشّرات الرّئيسيّة مقارنةً بالشّركات الّتي تقودها إدارةٌ أقلّ خبرةً. ولهذه الأسباب، يشكّل فقدان هؤلاء المدراء التّنفيذيّين لمهاراتهم ومعارفهم عيباً كبيراً على المدى المتوسّط بالنّسبة لأصحاب العمل.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل إنّ حقيقة أنّ غالبيّة هؤلاء المدراء التّنفيذيّين يرون أنّ رحيلهم إلى وظائف أخرى، تزيد من مخاوف الشّركات لأسبابٍ إضافيّةٍ. فمن ناحيةٍ، أظهرت دراساتٌ أخرى أنّ المدراء التّنفيذيّين الكبار يصبحون أكثر عرضةً لترك مناصبهم إذا فُقدت فرص العمل عن بعدٍ في ظلّ تشديد متطلّبات العودة إلى المكاتب. وفي الوقت نفسه، ازدادت رغبتهم في البحث عن ترتيبات عملٍ بديلةٍ تلبّي احتياجاتهم، وذلك رغم صعوبة سوق العمل المتزايدة للمدراء التّنفيذيّين، إذ تقوم الشّركات حاليّاً بتقليل عمليّات التّوظيف على مستوى الإدارة العليا.
وتبرز النّتائج أيضاً أهمّيّة دور مدراء الموارد البشريّة التّنفيذيّين في معالجة الجوانب الّتي أشار إليها المشاركون بأنّها تؤثّر في قراراتهم بالبقاء في وظائفهم أو تركها، وهو الدّور الّذي لا يتمّ أداؤه بكفاءةٍ في العديد من الشّركات. فقد أفاد أقلّ من 25% من المشاركين في استطلاع جارتنر بأنّ مدراء الموارد البشريّة التّنفيذيّين لديهم كانوا فعّالين في تعزيز قدرة الإدارة التّنفيذيّة العليا على العمل كوحدةٍ متماسكةٍ، في حين أفاد 23% فقط بأنّ مدراء العلاقات الإنسانيّة كانوا مفيدين في تخفيف التّوتّر بين المدراء التّنفيذيّين الكبار.
كيف يمكن لمدراء الموارد البشرية التنفيذيين التعامل مع هذه الظاهرة؟
وفقاً لدراسة جارتنر، يُمكن تقسيم الاستجابات إلى ثلاث فئاتٍ رئيسيّةٍ:
1. تولّي دور المدرّب المهنيّ
لا يقتصر دور مدراء الموارد البشريّة التّنفيذيّين على التّواصل مع الرّؤساء التّنفيذيّين بشأن أولويّات المواهب والتّطوير فحسب، بل يمتدّ إلى مساعدة المدراء التّنفيذيّين على التّعامل مع التّوقّعات والضّغوط الوظيفيّة لتعزيز تقدّمهم الشّخصيّ، بالإضافة إلى دعم خطط التّعاقب الوظيفيّ وتلبية احتياجات الشّركة. وفي هذا الصّدد، أوضح كيرس في رسالة بريدٍ إلكترونيٍّ لمجلّة "إنك." (.Inc) قائلاً:
"لا يساهم التّدريب المهنيّ الّذي يقدّمه مدير الموارد البشريّة التّنفيذيّ فقط في تطوير مهارات وقدرات المدراء التّنفيذيّين أو مساعدتهم على تولّي أدوارٍ ومسؤوليّاتٍ جديدةٍ داخل المنظّمة، بل يساعدهم أيضاً على التّفكير بوعيٍ حول علامتهم الشّخصيّة وكيفيّة تطويرها خارج المنظّمة. لقد تبيّن لنا أنّ نقص فرص النّموّ والاعتراف -وليس مجرّد زيادةٍ في التّعويض- هما من الدّوافع الرّئيسيّة وراء دوران المدراء التّنفيذيّين، ويمكن لتدريب مدراء الموارد البشريّة التّنفيذيّين أن يسدّ هذه الفجوة بشكلٍ فعّالٍ".
2. تعزيز العلاقات مع الرؤساء التنفيذيين
يشمل ذلك الحصول على معلوماتٍ دقيقةٍ حول متطلّبات التّطوير وخطط التّعاقب الوظيفيّ، ممّا يعزّز ثقة المدراء التّنفيذيّين بأنّ مديري الموارد البشريّة التّنفيذيّين لديهم على درايةٍ تامّةٍ بأفضل المسارات المهنيّة المتاحة لهم. كما يعمل هذا الدّور على تفعيل قناة اتّصالٍ فعّالةٍ مع الرّئيس التّنفيذيّ ومع زملائهم أثناء سعيهم لتحقيق التّقدّم والمساهمة في نجاح الشّركة.
3. دعم الصحة النفسية والتوازن بين العمل والحياة
أصبحت هذه الجوانب من الأولويّات الرّئيسيّة بعد الجائحة، ليس فقط للمدراء التّنفيذيّين الكبار، بل لجميع الموظّفين. وقد يتضمّن ذلك الحفاظ على مستوىً عالٍ من المرونة في بيئة العمل، مثل استمرار ترتيبات العمل عن بعدٍ أو تقديم ترتيباتٍ مرنةٍ مشابهةٍ، لتلبية احتياجات المدراء التّنفيذيّين والمساهمة في تقليل مستويات التّوتّر وتحسين الأداء.
وفي الختام، أكّد كيرس قائلاً: "من الضّروريّ أن تقوم المنظّمات بتكييف استراتيجيّاتها للاحتفاظ بالمدراء التّنفيذيّين بما يتوافق مع التّوقّعات والاحتياجات الفريدة لهؤلاء المديرين. فإذا كان مديرٌ تنفيذيٌّ معيّنٌ يعاني من مستوياتٍ مرتفعةٍ من التّوتّر، أو يشهد حالة احتراقٍ وظيفيٍّ، وكانت ترتيبات العمل المختلطة أو المرونة في بيئة العمل تشكّل الدّافع الرّئيسيّ له، فإنّ توفير هذه التّرتيبات يعدّ وسيلةً بسيطةً وفعّالةً للاحتفاظ به. للأسف، غالباً ما تفترض المنظّمات أنّ الحلّ يكمن في زيادة التّعويضات، وعلى الرّغم من أنّ زيادة المال قد تكون مفيدةً إلى حدٍّ ما، إلّا أنّها لا تعالج المشكلة الأساسيّة إذا كان المدير التّنفيذيّ على وشك الاحتراق النّفسيّ".