الروائح الليلية تعزز الذاكرة وتزيد الإنتاجية
تشير علوم الأعصاب إلى أن هذه الطقوس الليلية يمكن أن تنشط دماغك بفاعلية لا يستهان بها.
بقلم إريك كوريم Erik Korem، حاصلٌ على الدكتوراه، ومؤسس شركة Aim7
مع تقدّمنا في العمرِ، تحدثُ غالباً تغيّيراتٌ في حاسّةِ الشّمِ والقدراتِ الإدراكيّةِ. ولكنّ الأبحاث الجديدة تكشفُ عن وسيلةٍ بسيطةٍ يُمكن أن تُعزّزَ القدرةَ العقليّةَ مع تقدُّمِ العمرِ، وهي السّماحُ للرّوائحِ بأن تفوحَ في الهواءِ أثناءَ اللّيلِ.. [1]
في دراسةٍ حديثةٍ، قام باحثون في مركزِ جامعةِ كاليفورنيا، إيرفين UCI، لبيولوجيا الأعصاب الخاصّةِ بالتّعلّمِ والذّاكرةِ بإجراءِ تجربةٍ على كبارِ السّنِّ، حيث استخدموا موزّعاتِ زيوتٍ عطريّةٍ أساسيّةٍ بجوارِ أسرّتهم لمدّةِ ساعتين فقط كلِّ مساءٍ لمدّةِ ستةِ أشهرٍ. ومن خلالِ تعريضِ المشاركين لمجموعةٍ متنوّعةٍ من الرّوائحِ الطّبيعيّةِ أثناءَ نومهم، هدفُ العلماءُ إلى الاستفادةِ من العلاقةِ الوثيقةِ بين حاسّةِ الشّمِّ والذّاكرةِ.
كانت النّتائجُ مذهلةً، إذ أظهر الكبارُ من المشاركين الذين تعرّضوا للرّوائحِ اللّيليّةِ تحسُّناً بنسبةِ 226 في اختبارِ التّذكر الكلاميِّ مقارنةً بالمشاركينِ في المجموعةِ الضّابطةِ. كما أظهرت صورُ المُخِّ أيضاً تماسكاً أفضلَ في مسارِ الدّماغِ المُتعلّقِ بالذّاكرةِ، والذي يتراجعُ عادةً مع التّقدّمِ في العمرِ.
تُشيرُ النّتائجُ، التي نُشِرت في مجلة Frontiers in Neuroscience، إلى وسيلةٍ جديدةٍ ومشجّعةٍ للوقايةِ من فقدانِ الذّاكرةِ المرتبطِ بالعمرِ. وعلى عكسِ برامجِ التّدريبِ الإدراكيِّ الرّفيعةِ المُعقّدةِ، فإنّ الاستمتاعَ بالروائحِ الخفيفةِ أثناءَ نومكَ يفاجئنا ببساطتهِ."
الرائحة والذاكرة: ارتباط مباشر
على عكسِ الإشاراتِ من عينيكَ، وأذنيكَ، وحواسٍ أخرى، تسافرُ المعلوماتُ من أنفكَ مباشرةً إلى مناطقٍ تتضمّنُ الذّاكرةَ والعاطفةَ. وهذا يسمح للرّائحةِ بأن تُعطي إشارةً قويّةً للذّكرياتِ والارتباطاتِ بطرقٍ لا يُمكنُ للرُّؤيةِ والصّوتِ أن تفعلَ ذلكَ.
كما يشرحُ مايكل ياسا، كبيرُ مؤلّفي دراسةِ الرّوائحِ: "حاسّةُ الشّمِّ لديها امتيازٌ خاصٌّ، بأنّها مُتّصلةٌ مباشرةً بدوائرِ الذّاكرةِ في الدّماغِ."
لسوءِ الحظِّ، تشيرُ الأبحاثُ إلى أنّ حاسّةَ الشّمِّ لدينا تتراجعُ تقريباً في نفسِ الوقتِ الذي تتدهورُ فيه الذّاكرةُ. ولكن ماذا لو كان من الممكنِ لمنعِ فقدانِ الشّمِّ أن يساعدَ في تعزيزِ الذّاكرة عند التّقدّمِ في العمرِ؟
في دراسةِ جامعة كاليفورنيا، إيرفين، استخدمَ البالغون الذين تتراوحُ أعمارهم بين 60 و 85 عاماً موزعَ زيوتٍ عطريّةٍ أساسيّةٍ مع سبع خراطيش رائحةٍ مختلفةٍ بجوارِ أَسٓرّتهم كلَّ ليلةٍ لمدّةِ ستة أشهر. تم تحميلُ خرطوشةٍ واحدةٍ كلّ مساءٍ وتشغيلها لمدّةِ ساعتين خلال بدايةِ النّومِ.
كانت الرّوائحُ تشملُ الوردَ، واللّيمونَ، والبُرتقالَ، والخزامى، واليوكاليبتوس، والنّعناعَ، وإكليلَ الجبلِ. تناوبَ المشاركون في الدّراسةِ بين الرّوائحِ المختلفةِ، حيث كانوا يحصلون على نفحةٍ منعشةٍ جديدةٍ قبل النّومِ كلَّ ليلةٍ.
طقوس بسيطة تقوي دماغك خلال الليل
بعد مرورِ ستة أشهر من التّعرّضِ لزيوتِ العطرِ المنتشرةِ ليلاً، أظهرَ الكبارُ الذين تعرضوا لروائحِ الزّيوتِ العطريّةِ بقوّتها الكاملةِ تحسناً ملموساً في الذّاكرةِ مقارنةً بالأشخاصِ الذين تمَّ وضعهم في مجموعةٍ ضابطةٍ. كما أظهرتِ الصّورُ الدّماغيّةُ تماسكاً في مسارِ الدِّماغِ المتعلّقِ بالذّاكرةِ الذي ينخفضُ عادةً مع التّقدّمِ في العمرِ.
ووفقًا للباحثِ مايكل ليون، "الحقيقةُ هي أنّ مع تجاوزِ سن الستين، حاسّةُ الشّمِ، والإدراكِ تبدأ في الانخفاضِ بشكلٍ حادٍّ." وتشيرُ هذه الأبحاثُ إلى أنّ التّحفيزَ المُستمرّ للشّمّ ليلاً يمكن أن يوفّر وسيلةً بسيطةً للحفاظِ على هذا الانخفاضِ عند حدٍّ معيّنٍ.
على عكسِ ألعابِ العقلِ التي تكون ناجحةً أحياناً أو الأنظمةِ غير الواقعيّةِ التي تتضمّنُ عشرات الرّوائحِ يومياً، تستفيدُ هذه الطّريقةُ من الارتباطِ بين الشّمِ والذّاكرةِ من خلالِ التّعرضِ المستمرّ والسّهلِ للرّائحةِ أثناءَ النّومِ.
بدلاً من ممارسةٍ شاقّةٍ للدّماغِ، توفّرُ طقوسُ الرّوائحِ اللّيليّة لدماغكَ الإثراءَ الحسيَّ المستمرَّ الذي يحتاجهُ لتحسينِ دوائرِ الذّاكرةِ. الأهمِّ من ذلكَ، يُمكنكَ الاستفادةُ من هذه الفوائدِ الإدراكيّةِ دونَ القيامِ بأيِّ شيءٍ سوى النّومِ مع روائحٍ مُمتعةٍ.
كرائدِ أعمالٍ مشغولٍ، يجبُ عليك إفساحُ المجالِ للرّاحةِ والرّعايةِ الذّاتيّة لدعمِ صحّةِ دماغكِ، وزيادةِ الإنتاجيّةِ. وينبغي أن يكون التٌدخل بالروائح جزءاً من ممارساتِ الصّحةِ العقليّةِ الأخرى، مثل: الوعي، والامتنان، ونظافة النّوم الجيّدةِ كممارساتٍ بسيطةٍ يمكن أن تفيدَ القدراتِ الإدراكيّة مع مرورِ الوقتِ.
شاهد أيضاً: 5 طرق بسيطة وفعّالة لتخفيف ضغوط الحياة اليومية ورفع الإنتاجية
بينما ما نزالُ نحتاجُ المزيدَ من الأبحاثِ، يُمكنُ أن تُقدِّمَ هذه النّتائجُ الواعدةُ بصيصاً من الأملِ بأنّ إثراءَ الحواسِ لديه الإمكانيّةُ لتغييرِ اللّعبةِ عندما يتعلّقُ الأمرُ بتقويةِ الذّاكرةِ مع التّقدّمِ في العمرِ. لذا لا تُقلل من قيمةِ قوّةِ الرّوائحِ اللّطيفةِ، ودع أنفكَ يُغذّي رأسكَ كلَّ ليلةٍ، واستيقظ على دماغٍ أكثر حدّة وصحّة.