تعفن الدماغ: كلمة العام من جامعة Oxford!
تحوّلاتٌ جذريّةٌ في الثّقافة الرّقميّة يبرزها اختيار أكسفورد، مسلطّةً الضّوء على مفاهيم تغيّرت بفعل عوالم الإنترنت وأنماط الاستهلاك الرّقميّ
اختارت جامعة "أكسفورد" (Oxford) مصطلح تعفن الدماغ، أو ما يُعرف بـ"Brain Rot"، ليكون كلمة العام، مسلّطةً الضّوء على تأثيرات العصر الرّقميّ على القدرات العقليّة، إذ يُشير هذا المصطلح إلى التّدهور التّدريجيّ في وظائف الدّماغ؛ نتيجة التّعرّض المفرط للمحتوى الرّقميّ السّطحيّ، ممّا يُؤثّر على التّركيز والتّفكير النّقديّ، فجاء اختيارها هذا دعوةً لإعادة تقييم علاقتنا بالتّكنولوجيا، والسّعي نحو تعزيز استخدامها الواعي الّذي يدعم الصّحّة العقليّة.
ما هو تعفن الدماغ؟
تعفن الدماغ هو مفهومٌ يُشير إلى الضّرر الّذي يُصيب القدرات الذّهنيّة؛ نتيجة الإدمان على الأجهزة الرّقميّة والمحتوى السّريع، وهو انعكاسٌ مباشرٌ للتّغيّرات الجذريّة الّتي أحدثتها التّكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في الحياة اليوميّة، كما يرتبط هذا المصطلح بضعف التّركيز، وتدهور التّفكير النّقديّ، وانخفاض الإبداع، ممّا يُثير القلق بشأن تأثير التكنولوجيا على القدرات المعرفيّة والصّحّة النّفسيّة، ويشمل عدّة مظاهر منها:
- إدمان الأجهزة الرقميّة: يقضي الأفراد ساعاتٍ طويلةً على الشّاشات، خاصّةً عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ والألعاب الإلكترونيّة.
- الانهماك في المحتوى السّطحيّ: استهلاكٌ مستمرٌّ لمقاطع الفيديو القصيرة والمحتوى الّذي يفتقر إلى العمق.
- ضعف التّحفيز الفكريّ: الميل إلى الرّاحة الفكريّة، بدلاً من بذل الجهد في التّفكير أو التّعلّم.
- فقدان التّواصل الحقيقيّ: الاعتماد على العالم الافتراضيّ، بدلاً من التّفاعل البشريّ المباشر.
- الإجهاد المعرفيّ: عدم قدرة الدّماغ على التّعامل مع الكميّات الهائلة من المعلومات المُتدفّقة.
أسباب شيوع تعفن الدماغ
يعود انتشار هذه الظّاهرة إلى التّطوّر السّريع في التّكنولوجيا، حيث أصبحت الهواتف الذّكيّة وشبكات التّواصل الاجتماعيّ جزءاً لا يتجزّأ من حياتنا. تصوّر، أنّك تجلس في غرفةٍ مليئةٍ بشاشاتٍ تعرض لك مئات الصّور والمقاطع كلّ دقيقةٍ، وكلّ منها يطالب بانتباهك بشدّةٍ. في هذه البيئة، تعمل الخوارزميّات بذكاءٍ، وتُقدّم لك ما تعرف أنّك لن تقاوم مشاهدته، فتقضي ساعاتٍ دون أن تُدركَ، ويُضاف إلى ذلك الضّغط الاجتماعيّ لمواكبة كلّ جديدٍ، حيث يبدو أنّ الجميع يتحدّث عن آخر صيحةٍ أو فيديو شهيرٍ. وهكذا، نجد أنفسنا محاصرين في دائرةٍ مغلقةٍ من استهلاك المحتوى دون توقّفٍ.
الأضرار الناتجة عن تعفن الدماغ
مع مرور الوقت، تبدأ تأثيرات هذه الظّاهرة في التسلّل إلى حياتك بصمتٍ، فتجد نفسكَ تُطالع النّصوص، دون أن تعي معناها، وتنسى معلوماتٍ التقطتها للتوّ، فيما يطاردك شعورٌ دائمٌ بالقلق، وكأنّ أفكارك قد أفلتت من بين يديك، والأسوأ أنّك تكتشف تراجعاً مقلقاً في قدرتكَ على توليد الأفكار والإبداع، لتتمثّل الأضرار النّاتجة عن تعفن الدماغ فيما يلي:
-
تراجع القدرات العقليّة: ضعفٌ في التفكير النقدي والتّحليل المنطقيّ.
- زيادة القلق والاكتئاب: يؤدّي التّعرّض المُفرط للشّاشات إلى العزلة الاجتماعيّة واضطرابات المزاج.
- انخفاض الإبداع: يُقلّل الاستهلاك السّلبيّ من تحفيز الدّماغ لإنتاج أفكارٍ جديدةٍ.
- ضعف الإنتاجيّة: صعوبة التّركيز وإنجاز المهامّ بكفاءةٍ.
- تراجع المهارات الاجتماعيّة: يؤثّر الاعتماد الكبير على الوسائل الرّقمية سلباً على التّفاعل الاجتماعيّ الحقيقيّ.
كيفية مواجهة تعفن الدماغ
يستطيع الإنسان أن يُعيدَ صياغة علاقته مع التّكنولوجيا ويستعيد توازنه. تخيّل أن تبدأ يومكَ بقراءة كتابٍ هادئٍ بدلاً من الانشغال بهاتفك، أو أن تُفضّل الجلوس مع أصدقائك وتبادل الحديث معهم بدلاً من التّراسل عبر الشاشات، فمن خلال هذه الخطوات اليسيرة، يُمكن للمرء أن يسترجع توازنه النّفسي والجسديّ، كما أنّ تخصيص بعض الوقت لممارسة الأنشطة البدنيّة أو الانغماس في التّأمّل قد يمنح الدّماغ فرصةً للتخلّص من ثقل الشّاشات، ويُعيد له حيويّته الّتي فقدها.
أخيراً، تعفن الدماغ ليس مجرّد مصطلحٍ عابرٍ، بل انعكاسٌ لتحوّلاتٍ عميقةٍ في كيفيّة تفاعل الإنسان مع التّكنولوجيا، وهو بمثابة جرس إنذارٍ يُنبّه الأفراد والمجتمعات إلى ضرورة إعادة النّظر في علاقتهم بالعالم الرّقميّ، والبحث الجاد عن توازنٍ يحفظ للدّماغ صحّته ويصون قدراته.