فن تفويض المهام: كيف ينجح المدير الذكي في إدارة فريقه؟
تعرّف على أفضل استراتيجية لزيادة الإنتاجية وتطوير الفرق، من خلال توزيع أعباء العمل بالشكل الصحيح دون الوقوع في فخّ التّخلص العشوائيّ من المسؤوليّات والمهامّ
تفويض المهام هو الفنُّ السِّريُّ الَّذي يمارسهُ بعض المدراء بمهارةٍ تشبهُ تلك الَّتي يستخدمها السَّحرة في خفّة اليد، ففي اللَّحظة الَّتي تُسند إليهم مهمَّةٌ معقَّدةٌ، يبتسمون ابتسامةً عريضةً، ثمَّ بمهارةٍ ساحرةٍ يُخرِجون من جعبتهم شخصاً آخر لتنفيذها. في الحقيقة ينطبقُ المثال السَّابق على المدراء الَّذين لا يريدون المزيد من التَّعقيدات في حياتهم، ويحاولون التَّهرُّب من المسؤوليَّات الإضافيَّة الكبيرة، إذ إنَّ نتائج تطبيق مهارات تفويض المهام تذهب أبعد من ذلك بكثيرٍ، والمدير النَّاجح يُدركَ أهميَّة توزيع الأدوار بذكاءٍ لتحقيق أقصى إنتاجيَّةٍ ممكنةٍ.
ما هو المقصود بمصطلح تفويض المهام؟
تفويض المهام ببساطةٍ هو فنُّ نقل المهام والمبادرات إلى أعضاء الفريق الآخرين، قد تفوّض بعض الأعمال لتوزيع المسؤوليَّات بشكلٍ أكثر عدلاً أو لأنَّ هذه المهام تتناسب بشكلٍ أفضل مع مهارات أو اهتمامات أو أولويَّات زملائك، كما أنّ إتقان التفويض يجعلكَ مديراً أفضل بلا شكٍّ، فهو لا يساعدك فقط على إنجاز الأعمال الهامَّة، بل يفتح الباب أمام أعضاء فريقك للمشاركة في مشاريع مثيرةٍ، إذ إنَّ التفويض الفعَّال ليس مجرَّد توزيعٍ للمهام، بل هو استثمارٌ في تطوير مهارات الفريق وإكسابهم قدراتٍ جديدةٍ.
إذاً، يمكن القول إنَّ التفويض مهمٌّ لسببين رئيسيّين، فهو من جهةٍ يُعزّز إنتاجيَّتك الشَّخصيَّة، ومن جهةٍ ثانيةٍ يُظهر لفريقك أنّكَ تثق بهم للقيام والتَّعامل مع كافَّة الأعمال المهمَّة، وكما يقال: "اليد الواحدة لا تستطيع التَّصفيق"، ومع التفويض الذَّكي، يُمكنكم كفريقٍ تحقيق ما قد يبدو مستحيلاً على الفرد الواحد.
إلى جانب ذلك، لا يُمكن إهمال مزايا التَّفويض بالنّسبة لك، حيث إنَّ إتقان مهارات التَّفويض يحميك من الإرهاق، ويمنعك من الغرق في التَّفاصيل اليوميّة، كمديرٍ، دورك ليس القيام بكلّ شيءٍ بنفسكَ، بل رؤية الصُّورة الكبرى وتوزيع المهام على من يُجيدونها، وإذا أردت أن تصبحَ قائداً متميّزاً، عليك أن تتقنَ فنّ معرفة متى وكيف تفوّض المهام، بالمقابل عليك الحذر من التَّفويض العشوائيّ غير محمود العواقب، والَّذي يختلف بشكلٍ جذريٍّ عن التَّفويض الفعَّال. [1]
شاهد أيضاً: رحلة صقل القيادة: من التفويض إلى الاستقلالية وبناء فريق أقرانٍ متمكّنٍ
الفرق بين التفويض الفعال والتفويض العشوائي
التفويض الفعال والتفويض العشوائي هما نهجان مختلفان تماماً في إدارة المهام وتوزيع المسؤوليَّات، وينبغي على المدراء الحذر، فالخطُّ الفاصل بين التفويض الفعال وبين التَّخلُّص من المسؤوليَّات رفيع للغاية، ذلك أنَّ التفويض الفعال غالباً سيحوِّل فريق العمل إلى آلةٍ إنتاجيَّةٍ لا تتوقَّف، بينما التفويض العشوائي قد يجعل من فريقكم أشبه بفرقةٍ موسيقيَّةٍ يعزف فيها كلُّ فردٍ على هواه.
لنلقِ نظرةً على الفروق بين التفويض الفعال وبين التفويض العشوائي:
- في التَّفويض الفعَّال يتمُّ تحديد المهام بوضوحٍ وتوضيح الأهداف والمعايير والجداول الزَّمنيَّة، أمَّا في العشوائيّ يغيب الوضوح ما يؤدّي إلى الارتباك.
- يختار المدراء الأشخاص المناسبين بناءً على مهاراتهم وخبراتهم في التَّفويض المهنيّ الفعَّال، بينما في العشوائيّ يختارون الأشخاص دون اعتبارٍ لملاءمتهم للمهمَّة.
- في الفعَّال يتمُّ تقديم الدَّعم والإرشاد اللَّازمين لإتمام المهام بنجاحٍ، وبخلاف ذلك في العشوائيّ ينقص الدَّعم والإرشاد، ما يزيد من احتماليَّة الفشل.
- وبينما تتمُّ متابعة التَّقدُّم وتقديم ملاحظاتٍ مستمرَّةٍ لتحسين الأداء في التفويض الفعال، يتجاهل المدراء متابعة سير العمل وتقديم ملاحظاتٍ مستمرَّةٍ في العشوائيّ.
- التفويض الفعال يُحفِّز الاستقلاليَّة، ويشجِّع المبادرات الذَّاتيَّة، بينما العشوائيّ يُلغي التَّحفيز، ولا يشجِّع على الاستقلاليَّة.
وحتَّى مع إدراك الفروق بينهما، فإنَّ الوصول إلى مهارات التفويض الفعال، تشوبها الكثير من العوائق والتَّحدّيات، الَّتي ينبغي التَّعامل معها بطريقةٍ جادَّةٍ لتذليلها والتَّخلُّص منها.
ما هي عوائق تفويض المهام الفعال؟
يُنظر إلى تفويض المهام على أنَّه فنٌّ أكثر من كونه علماً، ومع ذلك لا يخلو الأمر من بعض العوائق الَّتي ينبغي عليك التَّعرُّف إليها جيّداً؛ لتدرك كيفيَّة تجاوزها لاحقاً. [2]
الخوف من فقدان السّيطرة ونقص الثّقة في أعضاء الفريق
قد يتردَّد المدراء والقادة في تفويض المهام بسبب خوفهم من فقدان السَّيطرة على المشروع أو النَّتائج، وقد ينشأ هذا من نقص الثّقة في أعضاء الفريق أو من اعتقاد بأنَّهم الوحيدون القادرون على إتمام المهمَّة بالمعايير المطلوبة، ونتيجة لذلك، قد يميلون إلى المراقبة الدَّقيقة أو حتَّى القيام بكلِّ شيءٍ بأنفسهم. ومن المهمّ تجنُّب هذا الاتّجاه؛ لأنَّه قد يؤدّي إلى خلق توتُّرٍ واستياءٍ بينك وبين فريقكَ، ذلك لأنَّ الفريق يرغب الشُّعور بالتَّقدير والحاجة، تماماً كما تريد أنت أن تكون مُحترَماً ومُعترَفاً بدوركَ.
عدم القدرة على تحديد المهامّ المناسبة للتفويض
قد يكون امتلاك مهارات التفويض مهمَّةً شاقَّةً لبعض المدراء، خاصَّةً عندما يتعلَّق الأمر بتحديد المهام الَّتي ينبغي تفويضها، وتلك الَّتي يجب أن تبقى تحت إشرافهم المباشر، إذ ستطرح الكثير من الأسئلة على نفسك، مثل: من المؤهَّل لتولّي هذا؟ هل يعرف أحد بالفعل كيفيَّة القيام بذلك؟ هل سيكون أسرع إذا قمت به بنفسي؟
أدرك أنَّك قد تجد نفسك في بعض الأحيان مُتردِّداً بشأن هذه الأمور، ما يمنعك من السَّماح لفريقك بأداء وظيفته، لكن مع ذلك عليك المجازفة أحياناً، فلا تتردَّد.
نقص التّوجيه والدّعم للمهامّ المُفوّضة
على الجانب الآخر، قد يقوم المدراء بتفويض مهام العمل دون تقديم التَّوجيه أو الدَّعم الكافي، ممَّا يؤدِّي إلى الارتباك أو النَّتائج الضَّعيفة، يحدث هذا عادةً عندما يفترض المدراء أنَّ الأشخاص من حولهم يُفكِّرون بالطَّريقة نفسها الَّتي يُفكِّرون بها هم أنفسهم كمدراء. نعم، من الرَّائع لو كنَّا جميعاً قارئي أفكارٍ عندما يتعلَّق الأمر بهذه الأمور، لكن في الواقع، نقص التَّواصل سيؤدِّي إلى نتائج هزيلةٍ، ولضمان تحقيق فريقك للنَّتائج الَّتي تتوقَّعها، ستحتاج إلى أن تكونَ واضحاً جداً بشأن ما هو مطلوبٌ منهم.
التّردّد في التّخلي عمّا يُجيدونه
من الطَّبيعيّ أن يفتخرَ الأشخاص بخبراتهم ومهاراتهم، بالنّسبة للمدراء الَّذين صعدوا في مراتب الشَّركة، أو شاركوا بشكلٍ كبيرٍ في مشروعٍ معيّنٍ، غالباً ما يكون هناك اعتقادٌ بأنَّهم "يعرفون الأفضل"، وهذا يؤدّي إلى التَّردُّد في تفويض المهام الَّتي يعدُّونها "ضمن نطاقهم"، حتَّى وإن كان من الأكثر كفاءةً تفويضها، ولكن هذه العقليَّة لا تحدُّ فقط من إمكانيَّات نموّ أعضاء الفريق، بل قد تمنع أيضاً ظهور وجهات نظرٍ وأفكارٍ جديدةٍ قد تجلب الابتكار.
القلق بشأن استهلاك الوقت
من المفارقات في التَّفويض أنَّ المدراء لربَّما يعتقدون أحياناً أنَّ القيام بالمهمَّة بأنفسهم أسرع من تدريب شخصٍ آخر للقيام بها، حيث يشعر بعضهم أنَّ الوقت المستغرق في شرح المهمَّة، والإشراف على المراحل الأولى، وتصحيح الأخطاء المحتملة، يُمكن أن يكونَ أكبر بكثيرٍ، مقارنةً بما لو تمَّ إنجاز المهمَّة من قبلهم مباشرةً.
وعلى الرّغم من صحَّة ذلك على المدى القصير، إلَّا أنَّ التفويض الفعال على المدى الطَّويل يُتيح للمدير توفير وقته، ويُمكِّن الفريق من التَّعامل مع مزيدٍ من المسؤوليَّات بشكلٍ مستقلٍّ؛ لذا فإنَّ تجنُّب التَّفويض بسبب هذه النَّظرة قصيرة المدى قد يعرقل تطوير الفريق وكفاءة العمليَّات على المدى البعيد. قد يبدو الأمر شاقّاً بعض الشَّيء، لكن لحسن الحظّ أنَّ هناك العديد من الطُّرق الَّتي تساعد على امتلاك مهارات التَّفويض وتفويض العمل بطريقةٍ فعَّالةٍ، حتَّى لو كان بالتَّدريج.
شاهد أيضاً: 5 فوائد لتفويض المهام والتخلي عن "سأقوم بها بشكل أفضل"
طريقة تفويض المهام بفعاليّةٍ
في البداية يجب الاعتراف بأنَّ تعلُّمَ طريقة تفويض المهام في العمل، سيجعل منك مديراً أفضل، ويسمح لفريقك المشاركة في المشاريع المختلفة بكامل المسؤوليَّة، وللبدء بتفويض المهام بنجاحٍ، اتَّبع هذه الإرشادات: [1]
تحديد المهامّ بعنايةٍ
ليست كلُّ المهام قابلةً للتفويض، فبعض الأعمال استراتيجيَّةٌ أو ذات أهميَّةٍ كبيرةٍ، وتستحقُّ اهتمامك الشَّخصيَّ؛ لذا قبل تفويض أيّ مهمَّةٍ، قيّم أهميَّتها وتأثير تفويضها، مع ذلك يُمكن تفويض المهام ذات الأهميَّة الكبيرة إذا كان هناك عضواً في الفريق يمتلكُ الخبرة والمهارات اللَّازمة لتنفيذها بفعاليّةٍ. بوجهٍ عامٍّ، من الجيد تفويض المهام التَّالية:
- الأعمال المُتكرّرة: إذا كانت هناك مهمَّةٌ تتكرَّر بانتظامٍ، فمن الأفضل تفويضها لشخصٍ آخر لديه الوقت والطَّاقة لإنجازها بشكلٍ جيدٍ
- الأعمال الَّتي تتوافق مع اهتمامات أعضاء الفريق: إذا أبدى أحد أعضاء الفريق رغبةً في تطوير مهارةٍ جديدةٍ، حاول تفويض مهمَّةٍ يمكن أن تساعده في بناء تلك المهارات.
- الأعمال المرتبطة بأهداف أعضاء الفريق: أفضل طرق التَّفويض تكمن في تكليف الفريق بأعمال تتماشى مع أهدافهم المهنيَّة.
التدرُّب على التفويض
قد يكون التَّفويض صعباً في البداية، خاصَّةً إذا كنت تشعر بالمسؤوليَّة تجاه عملك، ابدأ بالتَّدرُّب عبر تفويض مهامٍ صغيرةٍ، ثُمَّ انتقل تدريجيّاً إلى تفويض مهامٍ أكبر، يتطلَّب الأمر صبراً سواءً مع نفسك أو مع أعضاء فريقك؛ لأنَّ تطوير مهارات التفويض يحتاج إلى وقتٍ ربَّما لن يكون قصيراً كما تعتقد.
توضيح الأوّلويّات
فهم أولويَّات المهام يُسهِّل عمليَّة التَّفويض، إذا كانت المهمَّة ذات أولويَّةٍ عاليةٍ، يجب إنجازها بسرعةٍ، سواء قمت بها بنفسك أو فوضتها لشخصٍ آخر، إنَّ أفضل طريقةٍ لتوضيح الأولويَّات هي ربط العمل بأهداف الفريق والشَّركة، عندما يكون لديك ولدى فريقك وضوحاً حول أهميَّة العمل، يصبح التَّفويض أكثر فعاليّةً.
فهم نقاط القوة لدى الفريق
التفويض النَّاجح يتطلَّب التَّأكُّد من أنَّ الشَّخص الَّذي تسند إليه العمل يمتلك المؤهّلات اللَّازمة لتحقيق النَّتيجة المرجوَّة، اختيار أعضاء الفريق الَّذين يمتلكون المهارات المناسبة لتنفيذ العمل ومنحهم الفرص لتطوير مهاراتٍ جديدةٍ هو جزءٌ أساسيٌّ من التفويض الفعَّال.
تقديم التّوجيه والدّعم
حتَّى بعد تفويض العمل، من المهمّ أن تظلَّ داعماً، قد يحتاج أعضاء الفريق إلى توجيهٍ إضافيٍّ أو إرشاداتٍ لضمان أنَّهم يسيرون في الاتِّجاه الصَّحيح، ذلك أنَّ التَّفويض لا يقتصر على تسليم المهام فحسب، بل يشمل أيضاً بناء الثّقة وتوفير الدَّعم لضمان النَّجاح.
الاستثمار في التّدريب
قد تكون هناك مهامٌ لا يستطيع أيُّ شخصٍ في فريقك القيام بها سواك؛ لذا فإنَّ التَّدريب يعدُّ استثماراً في أعضاء فريقك، وفي تخفيف عبء العمل عنك، بمرور الوقت، سيصبح الشَّخص قادراً على تنفيذ المهام بنفسه، ما يُوفِّر لك الوقت، ويطور مهارات الفريق.
التّركيز على التّواصل
عند تفويض المهام، يعدُّ التَّواصل وتبادل الملاحظات أمراً ضروريّاً، تأكَّد من أنَّ الموظَّف الَّذي كلَّفته بالمهمَّة قادراً على التَّواصل معك في حال وجود استفساراتٍ، وحدِّد موعداً دوريّاً للمتابعة ومراجعة العمل المنجز.
التّركيز على النّتائج
عند تفويض المهام، لا تتوقَّع أن يقوم عضو الفريق بإنجازها بالطَّريقة نفسها الَّتي كنت ستقوم بها، من الأفضل ترك الحريَّة الكاملة بطريقة التَّنفيذ لعضو الفريق لتطوير أسلوبه الخاصِّ طالما أنَّ النَّتائج المطلوبة تتحقِّق.
الثّقة والتّحقّق
بعد تفويض العمل، امنح عضو الفريق المساحة اللَّازمة لإنجاز المهمَّة، لكن تابع تقدُّمه بشكلٍ دوريٍّ لضمان عدم حاجته إلى دعمٍ إضافيٍّ، تذكَّر أنَّ المسؤوليَّة النّهائيَّة تبقى على عاتقك؛ لذا تأكَّد من تطبيق دورة مراجعةٍ أو فترة متابعةٍ لتوجيه العمل إذا لزم الأمر.
التّعبير عن التّقدير
عند إتمام المهمَّة، تأكَّد من شكر عضو الفريق الَّذي أنجزها، حيث قد يعتقد بعضهم أنَّ الفضل يعود إليك، خاصّةً إذا كانت هذه المهمَّة شيئاً قمت به في الماضي؛ لذا احرص على تقدير جهد عضو الفريق والإشادة به علناً.
في النّهاية تفويض المهام هو سلاحٌ ذو حدَّين، كمدراءٍ، لديكم القدرة على تحويل هذا السّلاح إلى أداةٍ قويَّةٍ تُعزِّز من أداء فريقكم وتحقِّق الأهداف بكفاءةٍ، أو يمكن أن يتحوَّل إلى عبءٍ إذا لم يُستخدم بحكمةٍ، تذكَّروا دائماً أنَّ المدير النَّاجح هو من يعرف متى وأين وكيف يفوض، ليضمن أن تسيرَ السَّفينة بثباتٍ نحو النَّجاح، دون أن يتخلَّى عن دفَّة القيادة.