تقييم الخبرة المهنية: كيف تبني فريقاً قوياً بمواهب مميزة؟
استراتيجيات لاختيار المرشح المثالي للوظائف الشاغرة، مما يضمن عملية توظيف فعّالة
في عالمٍ شديد التَّنافسيَّة، فإنَّ تقييمَ الخبرة المهنية للموظَّفين الجدد أو المرشَّحين لوظيفةٍ ما قد يكون من أكثر الأمور تحديّاً، فلم تعد الشَّهادة الجامعيَّة هي فقط معيار الاختيار كما كان في سنواتٍ سابقةٍ، بل أصبحت هناك الكثير من المهارات المطلوبة الآن في سوق العمل تُحدِّد اختيار المرشَّح المثاليِّ للوظيفة، ممّا يحافظُ على بيئة عملٍ إيجابيَّةٍ، وضمان التَّعاون الكامل مع أفراد الفريق، وبالتَّالي زيادة الكفاءة والإبداعيَّة وضمان بقاء قيم الشَّركة وتطوُّرها ثابتاً بمرور الوقت.
فما هي أفضل طرق تقييم الخبرة المهنية للمرشحين الجُدد، وكيف تختار فيما بينهم بكفاءةٍ، سواء كنت صاحب شركةٍ ناشئةٍ أو مدير توظيفٍ؟ وكيف تُفرِّق بين الخبرة النَّاجمة عن سنواتٍ من العمل وبين المهارة الفطريَّة لدى المرشَّح، والَّتي قد تستحقُّ بعض التَّدريب لتكتسبَ عنصراً شديد الأهميَّة؟ كلُّ هذا وأكثر سنتعرَّف عليه الآن.
أفضل طرق تقييم الخبرة المهنية للموظفين الجدد
بعد الإعلان عن الوظيفة الشَّاغرة وقراءة عشراتٍ من السِّير الذَّاتيَّة وإرسال رسائل لأقرب المرشَّحين تصوُّراً عن طبيعة الوظيفة تأتي مرحلة المقابلة والتَّقييم الفعليّ للمرشَّحين، وهي ليست مرحلةً سهلةً على الإطلاق، مهما كان نوع الوظيفة الَّتي تبحثُ عمَّن يتولاها، وفيما يلي أهمِّ نصائح خبراء التَّوظيف لاختيار الأفضل لشركتكَ وفريقكَ وطبيعة عملك:
الاستعداد للمقابلة
يجبُ أن يأخذَ مدير التَّوظيف وقتاً كافياً في الاستعداد للمقابلة، فهذا ليس فقط من واجب المرشَّح، إذ يجبُ إعداد قائمةٍ بالمؤهِّلات المطلوبة أوّلاً للوظيفة، وأن تكون محدَّدةً للغاية، مع وضع أسئلةٍ واضحةٍ تُشجِّع المرشَّح على شرح مؤهِّلاته بالتَّفصيل، ممَّا يزيدُ من قدرتكَ على تقييمه خلال شرحه لهذه المؤهِّلات والتَّأكُّد من ملاءمته لثقافة الشَّركة، مع الاستعداد للإجابة على أيّ أسئلةٍ قد يطرحها المرشَّح، سواءً عن المنصب أو الموظَّفين أو الشَّركة، فهذا كفيلٌ بجذب اهتمام المرشَّحين الأقوياء والتَّعرُّف أكثر على عقليَّاتهم وما يهمهم. [1]
الاهتمام بالمهارات الناعمة
قد تحتارُ بين أكثر من مرشَّح يمتلكون نفس الخبرات التَّعليميَّة والوظيفيَّة السَّابقة، وهنا يجبُ أن تُركِّز على المهارات النّاعمة للمرشَّح، والَّتي تعني الطِّباع الشَّخصيَّة بما يتلاءم مع الوظيفة، فهل سيكون قادراً على التَّفاعل الجيّد مع الزُّملاء والعملاء أم أنَّه كثير التَّوتُّر والعصبيَّة؟
ويمكن تحديد هذه العلامات عبر مجموعةٍ من الأسئلة عن الهوايات وطريقة تمضية الوقت أو عرض مشكلةٍ عليه، سواء خاصَّة بتفاصيل العمل أو شخصيَّة ومراقبة ردِّ فعله على هذه الأسئلة، فلا تأخذ فقط الكلام المُرسل كدليلٍ على طباع المرشَّح، بل يجب تقييمه جيداً خلال المقابلة، ومن خلال لغة الجسد واتِّصال الأعين وطريقة الجلوس، وهل بها ثقة أم لا، وطريقة وضع اليدين والقدمين، فكلُّها إشاراتٌ تدلُّ على طبيعة المرشَّح وانفعالاته.
تقييم علاقة الخبرات السابقة بالوظيفة المطلوبة
قد يكون لديكَ أكثرَ من مرشَّح تولَّوا مناصب شبيهةً بالوظيفة المطلوبة، ولكن بدلاً من المقارنةِ بين بعضهم بعضاً، يجب أن تقارنَ تلك الخبرات باحتياجات الوظيفة نفسها، فلن يفيدكَ شخصٌ لديه سنوات خبرةٍ أكثر، ولكنَّ إنجازاته الفعليَّة فيما يتعلَّق بمتطلَّبات تلك الوظيفة تحديداً أقلّ من غيره، فيجب تحديد المعايير الوظيفيَّة وتكليف أنسب الخبرات لها، حتَّى إذا كانت أقلّ من غيره، ولكنَّها تتعلَّقُ مباشرةً بالمطلوب دون مهاراتٍ أو خبراتٍ زائدةٍ للغاية عن الحاجة، فتكون أهدرت طاقة موظَّف دون جدوى.
تقييم الخلفية التعليمية
بعضُ الوظائف تحتاجُ إلى فحصٍ دقيقٍ للغاية للخلفيَّة التَّعليميَّة، وخصوصاً مجالات الهندسة والرِّعاية الصِّحيَّة، إذ يجبُ التَّحقق من تلك الخلفيَّات والشَّهادات الموجودة في السَّيرة الذَّاتيَّة للتَّأكُّد من توفِّر الحدَّ الأدنى من المهارات المطلوبة، وفي مجالات أُخرى قد يعني الاهتمام بالخلفيَّة التَّعليميَّة مقدار التَّدريبات الَّتي حصل عليها المرشَّح، ليكون مؤهَّلاً لتلك الوظيفة، سواءً كانت في الإدارة أو التَّعامل مع العملاء أو غيرها من متطلَّبات. [2]
شاهد أيضاً: استراتيجيات تصفية واختيار أفضل المواهب عند التوظيف
قارن توقّعات الراتب
إنَّ سؤال الرَّاتب المتوقَّع أساسيٌّ عند تقييم الخبرة المهنيَّة للموظَّفين الجدد، فهذا يُحدِّد مدى توافق ميزانيّة الشَّركة مع ما تطلبهُ من كفاءاتٍ وخبراتٍ، فقد تحتاجُ في مرحلةٍ ما إلى زيادة تلك الميزانيَّة للحصول على مرشَّح كُفءٍ أو مُؤهَّل جيِّداً للوظيفة، كما أنَّ توظيفَ شخصٍ براتبٍ أقل بكثيرٍ، ممَّا يتوقَّعه سيجعل كفاءته وحماسه يتراجعُ مع الوقت حتَّى إذا قبل بالوظيفة، فسوف تكون مؤقَّتةً بالنِّسبة له؛ لأنَّها لا تُرضي طموحه، فحاول التَّوازن بين الكفاءة الَّتي ترغبُ بها والرَّاتب المتوقَّع؛ لتحصلَ على المرشَّح المثاليّ لفريقك، حتَّى إذا لم يكن الأكثر كفاءةً على الإطلاق، ولكنَّه يمنحك كلَّ طاقته ووقته سيكون أفضل ممن لا يتمتَّع بالحماس الكافي.
تحديد التّوافق الثّقافي مع متطلبات الوظيفة
ليس من السَّهل على الإطلاق معرفة التَّوافق الثَّقافي بين المرشَّح والشَّركة، وقد تقعُ في توظيف شخصٍ لا تتلاءم خلفيَّته الثَّقافيَّة تماماً مع الشَّركة، وهذا لا يتعلَّق بالمعتقدات الشَّخصيَّة فقط كما يتصوَّر الكثيرون، ولكن بطريقة العمل وتفضيلاته أيضاً، فبعض المرشَّحين قد لا يتقبَّل النَّقد المفتوح، أو يرغب دائماً في العمل بمفرده، أو بساعات عملٍ مرنةٍ، أو يكون صارماً للغاية في حلِّ المشكلات دون مرونةٍ، فإذا كانت الوظيفة تتعلَّق بقيادة فريقٍ، فيجب التَّأكُّد تماماً من أنَّ الخلفيَّة الثَّقافيَّة للمرشَّح تتلاءم مع أهداف الشَّركة وثقافتها، وحتَّى في الوظائف الَّتي تتطلَّب مسؤوليَّةً محدَّدةً، سيكون من الأفضل طرق هذه النِّقاط، خصوصاً إذا لم يكن المرشَّح مبتدئاً ولديه خبراتٌ سابقةٌ في مجال العمل؛ وبالتَّالي طريقةٌ محدَّدةٌ في معالجة الأمور قد تختلف عمَّا هو متَّبعٌ في الشَّركة.
معرفة سبب ترك الوظائف السّابقة
لم يعد متوقَّعاً لأيِّ مدير توظيفٍ أن يتجاهلَ السُّؤال عن الوظائف السَّابقة الَّتي شغلها المرشَّح الجديد وسبب تركه لها والفترة الَّتي أمضاها في كلِّ وظيفةٍ، ويجب رصد وتدوين إجابة المرشَّح عن سبب شغله الوظيفة السَّابقة وسبب تركه لها، فهل كانت تتطلَّب مثلاً ساعات عملٍ صباحيٍّ؟ أم أنَّ الرَّاتب لم يكن جيداً، أم أنَّه كان يرغب فقط في عملٍ مؤقَّتٍ والتَّدريب على مهاراتٍ معيَّنةٍ؟ وغيرها من أسبابٍ، ويمكنك كصاحب شركةٍ أو مدير توظيفٍ تقييم تلك الإجابات بما يتَّفق مع متطلَّبات الوظيفة الحاليَّة، فإذا كانت بسبب مواعيد العمل، فتأكَّد أنَّها ستكون ملائمةً له لتحصل على أفضل أداءٍ، وكذلك الأمور المتعلِّقة بالرَّاتب وساعات العمل؛ لتضمن استمراريَّته لفترةٍ كافيةٍ في حالة اختياره، فإنَّ تدريب الموظَّفين على طبيعة الوظيفة ليتركوها بعد فترةٍ قليلةٍ مرهقٌ للشَّركة، ويُهدر الكثير من الوقت والطَّاقة في البحث عن مرشَّحين جددٍ. [3]
التّعرف على الأهداف المهنيّة للمرشّح
عند تقييم الخبرة المهنيَّة لا يجب على الإطلاق تجاهل الأهداف المستقبليَّة للمرشَّح في مهنته، فهل يرغب في التَّرقِّي والوصول لأعلى المناصب في المهنة، أم أنَّه يرغب فقط في راتبٍ أفضل؟ أم أنَّه يرى في الوظيفة فرصة تدريبٍ جيدةً؟ ففهم الأهداف المهنيَّة يجعلكَ قادراً على تقييم توقُّعات المرشَّح، فيما يتعلَّق بالتَّطوير المهنيّ، وهل الوظيفة الشَّاغرة تُوفِّر له هذا أم لا؟ كما يساعدك أيضاً في التَّعرُّف على وجهة نظرهم في شركتك، وهل يعتبرونها محطَّةً أساسيَّةً في حياتهم المهنيَّة أم أمراً مؤقَّتاً لحين العثور على بديلٍ؟
التّأكد من قدرة المرشح على الالتزام
إذا كان لدى المرشَّح للوظيفة مهنةٌ أُخرى بالفعل، ويحتاجُ إلى المكوث بها أسبوعين أو شهراً قبل مغادرتها، فتأكَّد من أنَّ هذا ملائمٌ للموعد الَّذي ترغب به بالفعل وبما يتلاءم مع احتياجات شركتكَ للحفاظ على الإنتاجيَّة والعمل مستمرِّين، ويُمكن لبعض المرشَّحين العمل مؤقّتاً في مكانين في الوقت ذاته، ولكن تأكَّد من عدم وجود تضاربٍ في المصالح، فهو جزءٌ مهمٌّ من تقييم المرشَّح المناسب للعمل.
إجراء اختبار قصير
في بعض الوظائف قد يحتاجُ مدير التَّوظيف إلى منح المرشَّح اختباراً يُؤكِّد قدرتهُ على شغلِ الوظيفة، وهنا يجبُ أن يكونَ الاختبارُ قصيراً قدر المستطاع ومركَّزاً؛ لتجنُّب إهدار الوقت أو استغلال المرشَّح، كما يُمكن في بعض الأحيان الاستغناء عن هذا الاختبار من رؤية نماذج عملٍ سابقةٍ، مع التَّأكُّد أنَّها من تنفيذ المرشَّح، وليس عبر الذكاء الاصطناعي أو السَّرقة من شخصٍ آخر.
شاهد أيضاً: تعدد المهام والكفاءة: لماذا يجب أن تفضل توظيف النساء؟
الخبرة المهنية أم المهارة؟
يقعُ الكثير من مديري التَّوظيف في حيرةٍ شديدةٍ عند العثورِ على مرشَّحٍ يتمتَّع بخبرةٍ كبيرةٍ في مجال الوظيفة، وآخر ليس لديه خبرةٌ، ولكن يتمتَّع بمواهب واضحةٍ، فإذا لم يكن من الممكن توظيف النَّوعين فأيُّهما يجب أن يختارَ؟
فالخبرة هي عادةً المعرفة الَّتي يكتسبها الشَّخص من العمل والاحتكاك اليوميّ بالمشكلات والدُّروس العمليَّة الَّتي يحصل عليها، وبالتَّالي تتّسعُ مداركه، ويمارسُ مهام وظيفته بكفاءةٍ، ولكن الموهبة الخام أو المهارة هي القدرةُ الفائقة على التَّعلُّم أو اكتساب مهارات الوظيفة بمعدَّلٍ أسرع من غيره، بحيث يصلُ الشَّخص الموهوب للنَّتيجة نفسها في وقتٍ أقلَّ بكثيرٍ. [4]
وهنا الاختيار بين الموهبة والخبرة يكون وفقاً لمجموعةٍ محدَّدةٍ من العوامل:
- نوعيَّة الوظيفة: إذا كانت قياديَّةً، وتتطلَّبُ معرفةً متخصِّصةً، فهنا تكون الخبرة أكثر جدوى، فالمرشَّح الموهوب الَّذي لم يقُد فريقاً من قبل سيحتاج للكثير من التَّجربة والخطأ قبل التَّعلُّم، أما إذا كانت الوظيفة ذات هيكلٍ محدَّدٍ، فإنَّ الموهوب سيضيف قيمةً كبيرةً.
- القدرة على التَّكيُّف: الشَّخص الخبير قد تكون لديه طريقة عملٍ محدَّدةٍ لا يرغب في تغييرها، فإذا لم تتلاءم مع طبيعة العمل في الشَّركة، فلن يكون مثاليّاً، كما أن بعض الموهوبين يرفضون التَّدريب والتَّعديلات على العمل على أساس أنَّهم أكفاء، ولا يحتاج عملهم إلى تقييم، ممَّا قد يثير اضطراباتٍ في العمل مع زملائهم.
- قدرة الشَّركة على التَّدريب: من الضَّروريِّ لكلِّ شركةٍ أن تضعَ تدريب الموظَّفين أمام أعينها، ولكن إذا لم يكن لديك الوقت الكافي للتَّدريب، وتحتاج إلى شخصٍ جاهزٍ للعمل فوراً، فسوف تختار ذو الخبرة الَّذي تتوافق خلفيَّته مع الشَّركة، وتضع الموهوب في قائمتكَ اللَّاحقة.
وفي النّهاية، يجبُ عند تقييم الخبرة المهنيَّة للموظَّفين أن يُدركَ مدير التَّوظيف المتطلَّبات الفعليَّة للوظيفة؛ لاختيار الأكثر كفاءةً لها، مع الوضع في الاعتبار أنَّ هناك دائماً مخاطر عند التَّوظيف يجب وضعها في الحسبان، سواء بوجود فترة اختبارٍ لعدَّة أشهرٍ قبل التَّعيين الكامل أو إجراء المزيد من الاختبارات والأسئلة، والتَّحقُّق من المديرين السَّابقين للمرشَّح وغيرها، وكلُّ هذا وفقاً لأهميَّة وحساسيَّة الوظيفة، والَّتي قد تكلِّف شركتكَ أكبر بكثيرٍ من مجرَّد إهدار وقت إجراء المقابلة، بل أسرار وعملاء وثقة في السُّوق وغيرها من خسائر يُمكن أن تتفاداها ببساطةٍ، إذا وجّهت المزيد من الاهتمام عند اختيار المرشَّحين للوظيفة.