"جيتكس جلوبال 2024" يبشّر بعصرٍ جديدٍ من التّكنولوجيا
ويسلّط الضّوء على الذّكاء الاصطناعيّ كقوّةٍ تحويليّةٍ في تعزيز الأعمال والنّموّ الاقتصاديّ العالميّ
هذا المقال متوفر أيضاً باللغة الإنجليزية هنا
أقيم "جيتكس جلوبال" (GITEX Global) في نسخته لهذا العام تحت شعار "التّعاون العالميّ لصياغة اقتصاد المستقبل القائم على الذكاء الاصطناعيّ"، حيث وضعت النّسخة الحاليّة معايير جديدةً للابتكار وفرص الأعمال، وساهمت في تشكيل منظومةٍ تكنولوجيّةٍ تتأثّر بشكلٍ متزايدٍ بتبنّي الذكاء الاصطناعيّ.
استقطبت النّسخة الرّابعة والأربعون من "جيتكس جلوبال"، التي أقيمت من 14 إلى 18 أكتوبر 2024، نحو 200,000 زائرٍ، وأكثر من 6,500 عارضٍ، و1,800 شركةٍ ناشئةٍ، و1,200 مستثمرٍ، إلى جانب حكوماتٍ من أكثر من 180 دولةٍ. شهد الحدث، الذي امتدّ لخمسة أيّامٍ، توقيع صفقاتٍ استراتيجيّةٍ ومذكّرات تفاهمٍ من شأنها دفع نموّ سوق الذّكاء الاصطناعيّ العالميّ، المتوقّع أن يصل إلى 1.3 مليار دولارٍ أمريكيٍّ بحلول عام 2030، وفقاً لتقرير "ماركتس آند ماركتس" (Markets and Markets). تمحور كلّ يومٍ من أيّام الحدث الضّخم حول مواضيع مختلفةٍ، شملت الاستثمار، والأمن السّيبرانيّ، ومراكز البيانات، وصولاً إلى التّقنيات المستقبليّة والذّكاء الاصطناعيّ.
أبرز المحطّات والتّأثير في "جيتكس جلوبال 2024"
قدّمت كبرى شركات التّكنولوجيا، مثل "أوراكل" (Oracle) و"ديل تكنولوجيز" (Dell Technologies) و"مايكروسوفت" (Microsoft)، أحدث ابتكاراتها في مجالات الذّكاء الاصطناعيّ، والحوسبة السّحابيّة، والأمن السّيبرانيّ، والحوسبة الطّرفيّة، وغيرها من التّقنيات.
كشفت "أوراكل" خلال الحدث عن شراكاتٍ رئيسيّةٍ، منها تعاونها مع مؤسّسة محمّدٍ بن راشدٍ للإسكان لتعزيز استراتيجيّة الإسكان في دبي عبر بنية "أوراكل" السّحابيّة، وأخرى مع بنك المشرق لدعم توسّعه العالميّ.
أمّا "مايكروسوفت"، فعرضت مبادراتٍ هامّةً تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الرّقميّ العالميّ. وصرّح نعيم يزبك، المدير العامّ لمايكروسوفت الإمارات: "نفتخر بمشاركة نتائج تقريرنا الأخير 'لمحة عن عوائد الحوسبة السّحابيّة' (Cloud Dividend Snapshot) للإمارات، الّذي يؤكّد الدّور الحاسم الّذي يلعبه نظامنا البيئيّ السّحابيّ الموثوق عالميّاً في دفع النّموّ الاقتصاديّ وخلق فرص العمل في جميع أنحاء البلاد. بالإضافة إلى ذلك، يظهر إعلاننا عن مبادرة المهارات الوطنيّة في مجال الذّكاء الاصطناعيّ، الّتي أطلقت في المعرض بالشّراكة مع جهاتٍ حكوميّةٍ رئيسيّةٍ، التزامنا بتمكين الأفراد والمؤسّسات بالمهارات اللّازمة للنّجاح في عصر الذّكاء الاصطناعيّ الجديد. أنا واثقٌ من أنّنا سنواصل مشاهدة تأثيراتٍ إيجابيّةٍ من 'جيتكس جلوبال' في الأشهر المقبلة".
وأضاف محمّد أمين، نائب الرّئيس الأوّل لـ"ديل تكنولوجيز" لمنطقة وسط وشرق أوروبا والشّرق الأوسط وتركيا وأفريقيا: "أظهرت محادثاتنا مع عملائنا في المنطقة التزاماً قويّاً بالذّكاء الاصطناعيّ. لديهم رؤيةٌ واضحةٌ واستراتيجيّةٌ متينةٌ، وينفّذون حلولاً مبتكرةً في مجال الذّكاء الاصطناعيّ لدفع أعمالهم قدماً. في 'ديل'، نحن في قلب ابتكارات عملائنا في مجال الذّكاء الاصطناعيّ، ونفخر بمساعدتهم على الاستعداد للمستقبل في رحلاتهم التّقنيّة".
تعزيز التّغيير من خلال حوارات التّحوّل الرّقميّ
تناولت هذه النّسخة من "جيتكس جلوبال" التّحديات والفرص الرّئيسيّة في مجال الذّكاء الاصطناعيّ، مع التّركيز على تطبيقه في القطاعات الحيويّة الّتي ستشكّل المستقبل الرّقميّ العالميّ.
شهد "جيتكس جلوبال 2024" إطلاق قمّة قادة العالم الرّقميّ للاقتصاد المستقبليّ، الّتي تستكشف مستقبل الاستثمارات التّكنولوجيّة العالميّة. كما قدّمت فعاليّة "جيتكس إيديشنز" (Gitex Editions)، الّتي تهدف إلى تطوير استراتيجيّاتٍ لتعزيز التّوسّع والحوكمة العالميّة للشّركات سريعة النّموّ.
وسلّطت كلا الفعاليّتين الضّوء على الابتكار، وجمعتا أبرز الشّركات العالميّة ذات القيمة السّوقيّة العالية، وشجّعتا النّقاشات حول تنظيم الذّكاء الاصطناعيّ، والاستراتيجيّات الاقتصاديّة، والتّمويل الرّقميّ.
الأمن السّبرانيّ في الصّدارة
برز الأمن السّبرانيّ كموضوعٍ رئيسيٍّ في نسخة هذا العام من "جيتكس جلوبال"، مؤكّداً على أهميّة حماية البنية التّحتيّة الرّقميّة من التّهديدات السّيبرانيّة النّاشئة.
يلعب "جيتكس جلوبال 2024" دوراً محوريّاً في جمع منظومة الأمن السّبرانيّ بأكملها في ظلّ المشهد المتطوّر للتّهديدات الرّقميّة. جمع الحدث اللاعبين الرّئيسيّين في هذا المجال لمناقشة التّحديات والفرص الرّاهنة. مع توقّع وصول خسائر الجرائم السّيبرانيّة العالميّة إلى 10.5 تريليون دولارٍ سنويّاً بحلول عام 2025، يلتزم مجتمع التّكنولوجيا الدّوليّ بإحداث تغييرٍ جذريٍّ من خلال جهودٍ متجدّدةٍ.
أعلن سعادة الدّكتور محمّدٍ الكويتي، رئيس الأمن السّيبرانيّ لحكومة الإمارات، أنّ البلاد نجحت في تحييد ملايين التّهديدات هذا العام، مشيداً بالذّكاء الاصطناعيّ كـ"مغيّرٍ لقواعد اللّعبة" في تعزيز التّعافي السّبرانيّ للصّناعة.
وقال خلال بودكاست "موجات تقنية جيتكس" (Gitex Tech Waves): "الوعي السّيبرانيّ أمرٌ حيويٌّ، والذكاء الاصطناعيّ يغيّر المعادلة. الإمارات مركزٌ ماليٌّ واجه 71 مليون هجومٍ في الربع الأول من عام 2024. نحن صامدون وأحبطنا هذه الهجمات من خلال الكشف المبكر عن التّهديدات عبر الذّكاء الاصطناعيّ. إنّها تقنيّةٌ مفيدةٌ للغاية إلى جانب شراكاتنا العالمية المتميزة".
كما أكّد تود كونكلين، رئيس الذّكاء الاصطناعيّ ونائب مساعد الوزير لمكتب الأمن السيبرانيّ وحماية البنية التحتية الحيوية في وزارة الخزانة الأمريكية، على الجوانب الإيجابيّة للذّكاء الاصطناعيّ. وبينما أقرّ بالتّهديدات الناشئة عن استغلاله المحتمل من قبل الأفراد الخبيثين، أشار إلى أنّ "وزارة الخزانة الأمريكية تدير أكبر منظومة مدفوعاتٍ في العالم. استخدمنا نماذج الذّكاء الاصطناعيّ لتقليل الاحتيال بحوالي 600 مليون دولارٍ في الأشهر السّتة الماضية. أصبح الذّكاء الاصطناعيّ حاسماً بشكلٍ متزايدٍ في مجال مكافحة الاحتيال".
عرضت "هواوي" حلولها في مجال البنية التحتية والحوسبة السّحابية، حيث سلط الدكتور ألويسيوس تشيانغ، مدير أمن المعلومات لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في "هواوي"، الضّوء على التّكرار المقلق للهجمات السّيبرانية عالميّاً. مشدداً على ضرورة تبنّي الشّركات لتدابير أمنيةٍ قويةٍ، صرّح:" تتعرّض 'هواوي' لهجماتٍ تبلغ 12 مليار مرةٍ يوميّاً في المتوسّط. لهذا السّبب يعتبر الأمن السّيبرانيّ عنصراً استراتيجيّاً أساسيّاً داخل شركتنا. يجب على المؤسّسات بناء ثقافةٍ للأمن السّيبرانيّ من خلال نهج 'الأمن أولاً، الخصوصيّة أولاً'، ويجب أن تهدف حلولها إلى حماية الأصول الرّقميّة".
تضمّن الحدث أيضاً عروضاً من شركات الأمن السّيبرانيّ مثل "كاسبرسكي" (Kaspersky) و"فورتينت" (Fortinet). وعرضت شركة الاتصالات السعودية (STC) التقنيات الناشئة التي تستخدم لتقديم قيمةٍ جديدةٍ للعملاء.
في اليوم الثالث من "جيتكس جلوبال 2024"، استضاف "وادي جيتكس السيبراني" (Gitex Cyber Valley)، الذي نظمه مجلس الأمن السيبرانيّ الإماراتيّ، العديد من الفعاليات والعروض والمؤتمرات. تضمنت إحدى الجلسات مشاركة بريت جونسون، الهارب السابق الذي تحول إلى خبيرٍ في الجرائم السيبرانية، قصته ورؤاه حول العالم الافتراضيّ السفليّ خلال جلسة "الاحتيال على المحتال: داخل عقل مجرمٍ سيبرانيٍّ".
بالإضافة إلى ذلك، استضافت "المنصة المظلمة" عروض اختراقٍ مباشرةٍ، حيث أظهر المخترقون الأخلاقيّون عمليات اختراقٍ مدفوعةٍ بالذّكاء الاصطناعيّ. وقدّم سانتياغو لوبيز، أول مخترقٍ بمليون دولارٍ في العالم، نصائح حصريةً حول تحويل مهارات الاختراق إلى مهنةٍ مربحةٍ خلال جلسة "وجهاً لوجهٍ مع المخترق الأول بمليون دولارٍ: من يريد أن يصبح مليونيراً في مجال الاختراق؟".
الجيل الخامس والاتصال الذكيّ
شهد حدث "الاتصال الذكيّ"، الذي استمرّ ليومٍ واحدٍ، مناقشاتٍ حيويةً وسلط الضوء على العارضين الذين قدّموا منتجاتٍ وخدماتٍ مبتكرةً ستحدث تحوّلاً في الصناعة. يتماشى ذلك مع توقّعات جمعية النّظام العالميّ للاتّصالات المتنقّلة (GSMA) بحدوث تطوّرٍ كبيرٍ في الاتصال، حيث تتوقّع أنّ 1.4 مليار جهازٍ سيتصل بالجيل الخامس بحلول عام 2025، مما سيعزز سوق إنترنت الأشياء بقيمة 1.1 تريليون دولارٍ داخل اقتصادٍ متنقلٍ بقيمة 3.9 تريليون دولارٍ.
كما برزت المناقشات المثمرة حول الجيل الخامس والذكاء الاصطناعيّ كنقطةٍ محوريّةٍ في "جيتكس جلوبال 2024".
إلى جانب هذه المناقشات، عرض العارضون مثل "هواوي"، و"e&"، و"نوكيا" (Nokia)، و"تشاينا تيليكوم" (China Telecom)، و"إريكسون" (Ericsson)، و"سيسكو" (Cisco)، و"بيون" (Beon) حلولاً متقدمةً للجيل الخامس.
وحددت "هواوي" التّقنيّات الرّئيسيّة مثل الجيل الخامس المتقدّم (5G-A)، والبيانات الموحّدة، والذّكاء الاصطناعيّ، والحوسبة السّحابية كعوامل حاسمةٍ لتسهيل الاتصال السريع والمنخفض التأخير والتطبيقات المتقدمة.
وقد أكّد خالد مرشد، الرئيس التنفيذيّ للتّكنولوجيا والمعلومات في "&e"، إحدى أبرز شركات الاتصالات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على الإمكانات التحويلية للتطورات الشبكية المدفوعة بالجيل الخامس والذكاء الاصطناعيّ. وقال: "يعتبر الجيل الخامس والجيل الخامس المتقدم منصةً للجميع للابتكار بتطبيقاتٍ يمكنها تحفيز الطلب على تعزيز الشبكة باستمرار".
كما سلّط المؤتمر الضّوء على أهمية الجيل الخامس في مستقبل التّنقّل. وتحدّث سييوان ليو، رئيس شراكات واستراتيجيات إنترنت الأشياء للصّين الكبرى في "تشاينا يونيكوم جلوبال" (China Unicom Global)، عن تقدّم الشّركة في مجال الذّكاء الاصطناعيّ واتّصال المركبات. وأشار وانغ هوي، رئيس مجال اتّصالات البيانات في "هواوي"، إلى أنّ تطبيقات الذّكاء الاصطناعيّ تحوّل مختلف القطاعات، بما في ذلك المركبات الذّاتية القيادة وخدمات الرّعاية الصّحيّة المعتمدة على الذّكاء الاصطناعيّ في الصين.
أعلنت "&e" عن تعاونٍ مع "فودافون بيزنس إنترنت الأشياء" (Vodafone Business IoT) لتوفير اتّصالٍ داخل المركبات وخدماتٍ رقميّةٍ محسّنةٍ لسائقي "مرسيدس-بنز" في الإمارات، مع توقّع إطلاقٍ تجاريٍّ بحلول منتصف عام 2025. كما كشفت الشركة عن "نيسان هايبر فورس" (Nissan Hyper Force)، سيارةٍ فائقة كهربائيّةٍ بالكامل مزوّدةٍ بشريحة الجيل الخامس من "e& UAE". وقدمت أيضاً مستشارين رقميّين بشريّين يستخدمون تقنيّة الهولوغرام والذّكاء الاصطناعيّ لتلبية الاحتياجات الثّقافية المتنوّعة لعملاء الاتّصالات في الإمارات.
إحداث ثورةٍ في الصناعات بالذكاء الاصطناعيّ
كان مستقبل التّنقّل محوراً آخر في "جيتكس جلوبال"، مع عروضٍ للابتكارات من الجيل القادم مثل المركبات الذّاتية القيادة، والطّائرات الكهربائية ذات الإقلاع والهبوط العموديّ (eVTOL)، وتأثير الذّكاء الاصطناعيّ على قطاع تكنولوجيا السّيارات.
برز ظهور مراكز البيانات الضّخمة، والوحداتية، والطرفية المدفوعة بالذّكاء الاصطناعيّ كموضوعٍ هامٍّ، مسلّطاً الضّوء على الطّلب المتزايد على حلولٍ قابلةٍ للتوسّع وترسيخ المنطقة كمركزٍ للبنية التّحتيّة للبيانات المعزّزة بالذّكاء الاصطناعيّ. بالإضافة إلى ذلك، جمع "جيتكس ديجي_هيلث 5.0" (GITEX Digi_Health 5.0) قادة الصّناعة لمناقشة كيف يغيّر الذّكاء الاصطناعيّ رعاية المرضى، ويعيد تشكيل مستقبل الرّعاية الصّحيّة.
شملت المناقشات أيضاً تكنولوجيا التّعليم، والمدن الرّقمية، وتحولات الطّاقة. هذه المؤتمرات مجتمعةً أبرزت الحوارات المهمّة الّتي تشكل مستقبل التّحوّل الرقميّ عالميّاً.
نظرةٌ نحو المستقبل
تشمل الفعاليات القادمة "جيتكس أفريقيا" في المغرب من 14 إلى 16 أبريل، و"جيتكس آسيا" في سنغافورة من 23 إلى 25 أبريل. سيقام "جيتكس أوروبا" في برلين من 21 إلى 23 مايو 2025، ويتوج بإطلاق "جيتكس نيجيريا" في سبتمبر 2025، كجزءٍ من توسع الحدث المتنامي. تهدف كلّ من هذه التجمعات إلى تشجيع التعاون ودفع الابتكار، وتشكيل مستقبل المشهد التكنولوجيّ.
وفي الوقت نفسه، من المقرّر أن تقام النّسخة القادمة من "جيتكس جلوبال" في الفترة من 13 إلى 17 أكتوبر 2025، ما يعني عاماً آخر من الابتكار والتّعاون المعزّز في قطاع التّكنولوجيا. في عام 2026، سينتقل الحدث إلى "مدينة إكسبو دبي"، ممّا يوسّع تأثيره ونطاقه بشكلٍ أكبر.