حجّة مثالية لصالح العمل عن بُعد
الأبحاث الوفيرة تظهر أن الضوضاء تؤثر سلباً على الإنتاجية والقدرة المعرفية، حتى زيادة طفيفة في مستوى الضوضاء، يمكن أن تؤدي إلى انخفاض كبير في القدرة المعرفية والأداء العام.
في الماضي، كنتُ أتفاخرُ بقدرتي على العملِ وسطَ الضّوضاءِ، وربمّا يكونُ ذلكَ نتيجةً لسنواتِ العملِ الطّويلةِ في المصانعِ. أظنّ أنّني كنتُ أستطيعُ التّعاملَ مع الظّروفِ المشتّتة، ولم أكن أتوقّع أنّ الضّوضاءَ المحيطةَ بي قد تؤثّرُ على قدرتي في التّركيزِ. وخلال أيّام الدّراسةِ الجامعيّةِ، كنتُ مقتنعاً بأنّ الموسيقى، سواءً كانت هادئةً أو عاليةً، كانت تُعزّز من قدرتي على الاستيعابِ. [1]
وفي الواقعِ، كان هناك بعضُ الصّدقِ في تلكَ النّظرةِ. فقد أظهرت بعض الدراسات أنّ الاستماعَ لأغنيةٍ معيّنة لمدةٍ قصيرةٍ قد يُحفّز الإبداعَ لديكَ، ولكن بشكلٍ عامٍ:
- إذا كنتَ ماهراً في مهمّة معيّنة، فقد تساعدكَ الموسيقى في التّركيزِ والاسترخاءِ. على سبيل المثال، تستمعُ فرقُ الجراحةِ عادةً إلى الموسيقى خلال العمليّاتِ.
- وقد أظهرت الدّراساتُ أنّ الموسيقى السّريعةَ تُساعدُ في تعزيزِ الأداءِ، والتّحمّلِ البدني، وهذا أمرٌ رائعٌ إذا كان لديكَ مهمّة تتطلّبُ جهداً بدنيّاً.
لكن من الجديرِ بالذّكرِ أنّ هناك استثناءاتٍ، فعند القيامِ بأعمالٍ تتطلّبُ جهداً ذهنيّاً، كتعلّم مهارةٍ جديدةٍ أو حلِّ مشكلةٍ، تشيرُ الدراسات إلى أنّ الموسيقى قد تعوقُ الأداءَ.
وعلى وجهِ العمومِ، تُظهرُ الأبحاثُ أنّ الضّوضاءَ، سواءً كانت نتيجةَ للموسيقى أو أيّ مصدرٍ آخر، قد تؤثّرُ سلباً على الأداءِ. فدراسة من مدرسةِ بوث للأعمالِ في جامعةِ شيكاغو تشيرُ إلى أنّ زيادةَ 10 ديسيبل في الضّوضاءِ قد تقلّل من الأداءِ المعرفي بنسبةِ 5%.
ومع ذلكَ، تشيرُ دراسةٌ أخرى نُشرِت في "مجلّةِ أبحاثِ المستهلكِ" إلى أنّ مستوى متوسّطٍِ من الضّوضاءِ قد يجعلُ من الصّعبِ معالجة المعلوماتِ والحفاظ على الإنتاجيّةِ، لكنّه في الوقتِ نفسهُ قد يزيدُ من الإبداعِ.
شاهد أيضاً: تأثير بيئة العمل على الإنتاجية بطريقةٍ إيجابية وبناءة
المشكلةُ تكمنُ فيما يسميّه العلماءُ "ضوضاءٌ غير مرتبطة". فقد تشعرُ أنّ الموسيقى تجعلُ عملكَ أكثَر متعةً، ولكن في الحقيقةِ، قد تؤثّرُ على أدائكَ المعرفيِّ.
وهذا يعني، كما وجدت دراسةٌ نُشرت في "علم النفس التطبيقي"، عندما تُجرى مهامّاً معيّنةً في وجودِ صوتٍ خلفيٍّ، موسيقى، محادثة، ضوضاء عامة، إلخ، يتأثّر أداء تلك المهمّة تلقائيّاً. ولا تظنَّ أن الاستماعَ إلى الموسيقى للتّغطية على الضّوضاءِ المحيطةِ سيساعدُ؛ حيث أظهرت نفسُ الدّراسةِ أنّ "الموسيقى الخلفيّةُ لا تتدخلُ في تأثيرِ الصّوتِ غير المتعلّقِ".
والواقعُ أنّك تعرفُ هذا، حتّى وإن كانَ على مستوى اللّاوعي. فربما طلبتَ من الرّكابِ (أقصد: أطفالك) أن يكونوا هادئين عندما تواجه صعوبةً في تحديدِ الطّريقِ؛ بحدسك، تدركُ أنّ الضّوضاءَ تؤثّرُ في القدراتِ المعرفيّةِ أو إذا كنتَ جرّاحاً فستطلبُ خفضَ الموسيقى عندما تصبحُ الحالةُ صعبةً أو إذا قلت يوماً: "كن هادئاً للحظةٍ حتى أستطيعُ التّفكيرَ". فأنتَ تعلمُ أنّ الضوضاءَ تؤثّرُ في قدرتكَ على التّفكيرِ، ولكن في بعضِ الحالاتِ، تتجاهلُ ذلكَ.
شاهد أيضاً: كيف أستجيب لشكوى حول سلوك موظفي خارج مكان العمل؟
لذا، عندما تشعرُ برغبةٍ في الاستماعِ إلى الموسيقى أثناءَ العملِ، تأكّد من نوعِ العملِ الذي ستقومُ به. إذا كان بسيطاً أو لا يتطلّبُ جهداً ذهنيّاً كبيراً، فلا مانع من الاستماعِ. وإذا كنتَ تديرُ فريقاً من الموظّفين، فتأكّد من أنّ بيئةَ العملِ هادئةً ومناسبةً لهم، فالعملُ الجادّ والهامّ يتطلّبُ بيئةً هادئةً ومركّزة.
قد يبدو الهدوءُ مملّاً في البدايةِ، لكنّه سيؤدّي بالتّأكيدِ إلى نتائج أفضل، وهذا أهمُّ من "كيف تحبّ العملَ"، أو أين تريدُ من الأشخاصِ العمل.