حلول فعّالة للتغلُّب على إرهاق الاجتماعات الافتراضيَّة
يقضي المديرون التنفيذيون حوالي 72% من وقتهم في الاجتماعات. هذه النسبة المرتفعة تجعل من الضروري على المديرين التنفيذيين إيجاد طُرق للتعامل مع هذا الإرهاق، حتى يتمكَّنوا من الحفاظ على فعاليَّتهم وكفاءتهم
بعد جائحة كوفيد-19، شهدت بيئة العمل تحوُّلات جذريَّة لم تكن مُتوقَّعة من قبل. من بين هذه التحوُّلات، كان انتشار العمل عن بُعد هو الأكثر تأثيراً، حيث لم يعُد مجرد خيارٍ ثانوي، بل أصبح جزءاً أساسياً من واقع العمل اليومي للعديد من الشركات، سواء كانت صغيرة أو كبيرة. في الولايات المتحدة، أصبح العمل عن بُعد أمراً شائعاً، مع تزايد الاعتماد عليه بشكلٍ ملحوظ. تُشير الإحصائيَّات إلى أنَّ 27% من الموظَّفين الذين لديهم وظائف قابلة للتنفيذ عن بُعد يعملون الآن بشكلٍ كاملٍ من منازلهم، وفقاً لاستطلاع أجرته مؤسَّسة Gallup. هذا التغيير لم يقتصر فقط على الموظَّفين العاديين، بل شمل حتى المديرين التنفيذيين في كبرى الشركات العالميَّة مثل Starbucks وVictoria's Secret، حيث تمَّ منحهم مرونة العمل عن بُعد كجزءٍ من سياستهم الجديدة.
ومع هذا التغيُّر في طبيعة العمل، ظهرت تحدِّيات جديدة لم تكن في الحسبان. من أبرز هذه التحدِّيات ظاهرة "إرهاق Zoom"، وهو شعورٌ بالإجهاد النفسي والجسدي نتيجة قضاء ساعات طويلة في الاجتماعات الافتراضيَّة المتتالية عبر منصَّات مثل Zoom. هذا الإرهاق لا يقتصر على الموظَّفين العاديين فحسب، بل يمتدُّ ليشمل المديرين التنفيذيين الذين يقضون جزءاً كبيراً من وقتهم في هذه الاجتماعات. دراسة أجرتها كلِّيَّة هارفارد للأعمال عام 2018 أظهرت أنَّ المديرين التنفيذيين يقضون حوالي 72% من وقتهم في الاجتماعات. هذه النسبة المرتفعة تجعل من الضروري على المديرين التنفيذيين إيجاد طُرق للتعامل مع هذا الإرهاق حتى يتمكَّنوا من الحفاظ على فعاليَّتهم وكفاءتهم.
من بين هؤلاء المديرين التنفيذيين الذين واجهوا هذا التحدِّي، تبرز لورين كاسل، المديرة التنفيذيَّة ومؤسِّسة شركة Sweet Loren's في لوس أنجلوس. تُدير كاسل فريقاً مكوَّناً من 22 موظَّفاً في بيئة عملٍ افتراضيَّة، وهي تشعر بالضغط الناتج عن هذه الاجتماعات المتتالية. تقول كاسل: "تشعر أنَّك أكثر انشغالاً عند العمل عن بُعد، حيث يمكنك حشر الاجتماعات واحدة تلو الأخرى دون توقُّف. لا توجد حتى فترات استراحة قصيرة بين الاجتماعات كما كان الحال في العمل التقليدي، حيث كانت هناك حاجة للتنقُّل بين مكان وآخر".
إريك يوان، المدير التنفيذي لشركة Zoom نفسها، لم يكن بمنأى عن هذا الإرهاق. فقد اعترف في إحدى المناسبات بأنَّه يعاني من "إرهاق الاجتماعات"، وذكر أنَّه في أحد الأيام كان لديه 19 اجتماعاً متتالياً عبر Zoom. هذه الاعترافات تسلِّط الضوء على مدى تأثير هذه الظاهرة حتى على قادة التكنولوجيا الذين ساهموا في صنعها.
الحل الأول: إيقاف الكاميرات عند الإمكان
إيثان راسييل، المدير التنفيذي والمؤسِّس المشارك لشركة Lightspeed Public Relations في نيوجيرسي، أدرك مبكراً أهميَّة الحفاظ على الطاقة أثناء الاجتماعات الافتراضيَّة. تأسَّست شركته في عام 2013 بجدول عمل افتراضي بالكامل، وذلك للاستفادة من المواهب الموزَّعة جغرافيّاً وتوفير المرونة وتخفيض التكاليف. في البداية، لم يكن الإرهاق الناتج عن البرامج مثل Zoom مشكلة كبيرة، ولكن مع نموِّ الشركة وزيادة عدد الاجتماعات، بدأت تظهر آثار هذا الإرهاق. يقول راسييل إنَّ الحل الذي وجدوه كان بسيطاً ولكنه فعَّال: "قبل حوالي خمس سنوات، قرَّرنا تشجيع الموظَّفين على إيقاف الكاميرات في الاجتماعات الداخليَّة". ويضيف أنَّ هذا القرار كان له تأثير كبير في تقليل الإرهاق، ليس فقط للموظَّفين، بل له شخصيّاً كمدير تنفيذي. ويشرح قائلاً: "إيقاف الكاميرا يُسهِّل عليّ الاستماع أكثر، ويُتيح لي الفرصة للتوقُّف عن الكلام، ويُتيح للآخرين الفرصة لتولِّي القيادة".
كما أنَّ إيقاف الكاميرا يمنح الموظَّفين فرصة للتحرُّك بحرِّيَّة أثناء الاجتماعات، وهو ما تؤكِّده كاسل، التي تقول إنَّها تستغلُّ بعض اجتماعاتها الفرديَّة في القيام بجولات مشي، طالما أنَّ مشاركة الشاشة ليست ضروريَّة. "من المهم أن نعتني بصحتنا،" تُضيف كاسل.
الحل الثاني: إدخال فترات استراحة من Zoom
جنيفر ماغواير، الرئيسة المؤسِّسة لشركة Jennifer Maguire Communications للعلاقات العامَّة في نيويورك، اتخذت خطوة مختلفة لمواجهة إرهاق Zoom. بعدما بدأت العمل عن بُعد خلال جائحة كوفيد-19، قرَّرت ماغواير اعتماد سياسة جديدة تتمثَّل في تجنُّب الاجتماعات عبر Zoom يوم الجمعة. تُوضِّح ماغواير أنَّ يوم الجمعة ليس اليوم المناسب لاستحداث أفكار جديدة، حيث تقول: "في أغلب الأحيان، نقوم بأشياء يوم الجمعة، وبحلول يوم الاثنين، لا نتذكَّر حتى ما ناقشناه في اجتماع يوم الجمعة".
بدلاً من ذلك، تستغلُّ ماغواير وفريقها هذا اليوم للتركيز على العمل دون انقطاع، ممَّا أدى إلى زيادة إنتاجيتهم. بالنسبة لها كمديرة تنفيذيَّة، فإنَّ هذا الوقت الذي تقضيه دون اجتماعات يُتيح لها فرصة للتخطيط الاستراتيجي والتفكير بشكلٍ إبداعي.
إيثان راسييل، من جانبه، قام بتعديل جدول اجتماعات شركته بحيث تتركَّز الاجتماعات مع العملاء يومي الثلاثاء والخميس، ما أتاح له وللفريق فترات زمنيَّة أطول وغير متقطِّعة للعمل في باقي أيام الأسبوع. يقول راسييل: "حتى لو كان لديّ اجتماعات طوال الأسبوع، فإنَّ هذه الفترات الزمنيَّة الطويلة تُتيح لي التفكير بعمق أكثر ووضع استراتيجيَّات أفضل. إنَّه فرقٌ كبير".
الحل الثالث: استبدال الاجتماعات بالرسائل الإلكترونيَّة
أحد الأسئلة التي يجب على المديرين التنفيذيين طرحها هو: "هل هذه الاجتماعات ضروريَّة بالفعل؟" يُشير إريك يوان، المدير التنفيذي لشركة Zoom، إلى أهميَّة استخدام الدردشة أو البريد الإلكتروني كبديل للاجتماعات عند الإمكان. في رأيه، هذا النهج يمكن أن يكون فعَّالاً في تقليل عدد الاجتماعات وتوفير الوقت.
جنيفر ماغواير تتبنى هذا النهج أيضاً، وتقترح أن يقوم المديرون كل أسبوع باختيار موضوع يمكن معالجته عبر البريد الإلكتروني بدلاً من الاجتماع الافتراضي. وتُضيف أنَّ هذا النهج ساعدها في تقليل مدة الاجتماعات وتوفير وقت ثمين كان يمكن أن يُهدر في مناقشات مطوَّلة.
في الختام، يبقى التوازن هو المفتاح للحفاظ على إنتاجيَّة المديرين التنفيذيين وفرقهم في ظل العمل عن بُعد. من خلال تبنِّي استراتيجيَّات مثل إيقاف الكاميرات عند الإمكان، وتحديد أيام خالية من الاجتماعات، واستبدال بعض الاجتماعات بالرسائل الإلكترونيَّة، يمكن للمديرين التنفيذيين التغلُّب على إرهاق Zoom والحفاظ على نشاطهم وفعاليَّتهم. هذه الحلول ليست مجرد نصائح عابرة، بل أصبحت ضرورة ملحَّة في عالم العمل الحديث.