تجاوز حدود الراحة: كيف تتحدى نفسك وتحقق إمكاناتك الكاملة؟
نصائح ملهمة واستراتيجيات فعالة لتجاوز الرضا السلبي المزيّف وبدء رحلتك نحو النجاح
كلّنا نصلُ إلى نقطةٍ حاسمةٍ في حياتنا عندما يتطلّب التّقدم نحو أهدافنا طرح سؤال صعب على أنفسنا: "إذا لم يتغيّر شيء وبقي كلّ شيءٍ كما هو الآن، أين سأكون بعد خمس سنواتٍ؟
بالنّسبة لمعظمنا، فكرة الخروج من منطقة الراحة ومواجهة المجهول -على الرّغم من أنّه قد يكون هناك مستقبلٌ أكثر إشراقاً ينتظرنا على الجانب الآخر- تبدو شاقّةً للغاية. من ناحيةٍ أخرى، قد يكون هذا الإدراك بمثابة محفّزٍ قويٍّ للآخرين. فقد يكون الدّافع الذي يحتاجون إليه هو إدراك أنّ البقاء في مكانٍ واحد يعني أنّ إمكاناتهم الكاملة ستظلّ غير محقّقةٍ. [1]
تخيّل أنّك تدير عملاً تجاريّاً يسير بشكلٍ جيّدٍ، ولكنّه لم يعد يثير حماسك. إنّه يحقّق أرباحاً كافية للحفاظ على سير العمل وأسلوب الحياة، ولكنّه لا يرقى إلى رؤيتك الأصلية والمبتكرة. لقد اعتدت على رتابة هذا المشروع، وتجنّب المخاطر والشّكوك التي تأتي مع تغيير المسار أو بدء شيءٍ جديدٍ. وهذا الشّعور بالرّاحة فيما هو مقبول كافٍ أن يمنعكَ من متابعة الأفكار المبتكرة التي كانت تشعل روحك الرّياديّة، ممّا يجعلك محاصراً في شبكة أمانٍ مريحةٍ تمنعك من تحقيق إمكاناتك الكاملة.
على سبيل المقارنة، قد ينطبق هذا التّناقض أيضاً خارج نطاق العمل، وربّما تكون في علاقةٍ لا تملأك بالسّعادة وقد فقدت بريقها. وفي أعماقك، تعرف أنّها لم تعد مناسبةً، ولكنّك تتقبّل الألفة مع شريكك، وربّما حتّى تخشى الوحدة. الوضع ليس مثاليّاً، لكنّه ليس كارثيّاً أيضاً، فتقرّر البقاء حيث أنت، دون أن تُفكّر بتغيير مكانكَ.
مفارقة المنطقة بيتا
هذه المنطقة من الرّضا المريح هي فكرةٌ استكشفت في مقالةٍ بحثيّةٍ عام 2004 بعنوان "The Peculiar Longevity of Things Not So Bad"، والمعروفة باسم مفارقة المنطقة بيتا. بشكلٍ أساسيٍّ، يشير ذلك إلى ظاهرةٍ يرضى فيها الأفراد بأقلٍّ ممّا يستحقّون لمجرّد أنّهم يشعرون بالرّاحة في وضعهم الحالي، حتّى لو لم يكن ذلك يجعلهم سعداء أو راضين.
وقد صاغ أستاذ علم النّفس في جامعة هارفارد،Daniel Gilbert، وزملاؤه هذا المفهوم باستخدام مثال بسيط يتعلّق بأحد المسافرين. وهذا الشّخص عادةً ما يمشي إلى الأماكن التي لا تبعد عنه مسافة ميلٍ واحدٍ، ويركب الدّراجة للمسافات الأبعد. اللّافت في الأمر أنّه نظراً لأنّ ركوب الدّراجة أسرع من المشي، فإنّهم يصلون إلى الأماكن البعيدة أسرع من تلك الأقرب. وهذه الظاهرة، الموضّحة كمنطقة بيتا في مخططهم، تتحدّى الفرضية الشّائعة بأنّ الوصول إلى الأماكن البعيدة يستغرق وقتاً أطول.
ويظهر أيضاً هذا النّمط غير المنتظم في السيناريوهات التي يتم فيها تأجيل القرار بالتّدخل حتّى تتفاقم المشكلة. خذ الإصابات، على سبيل المثال. تجد النّاس يميلون أكثر إلى متابعة العلاجات المكثفة -مثل الأدوية، وزيارات الأطباء، أو الجراحة- عند وجود إصابةٍ خطيرةٍ، بينما يتم تجاهل الإصابات الطّفيفة، ممّا يؤدّي بشكلٍ غير مباشرٍ إلى إطالة فترة التّعافي.
وعندما يتعلق الأمر بالتقدم الشخصي والمهني، تحدث مفارقة المنطقة بيتا عندما يبقى الأشخاص في مناطق راحتهم بدلاً من اتخاذ إجراءات لتغيير ظروفهم لأنهم لا يرون أن وضعهم سيئ بما يكفي لتبرير التغيير. والغريب أنه من الممكن أن يكون الوضع الأكثر سوءاً أفضل، لأنه قد يدفع الناس للخروج من منطقة الرضا المريح إلى العمل.
وغالباً ما يتغلّب الخوف من التّغيير على المخاطر المعروفة للبقاء على الحال نفسه، ممّا يدفع معظم الأفراد إلى اختيار راحة الانزعاج المألوف على مواجهة الشّكوك التي قد تكون مملوءةً بفرص مستقبلً أفضل.
خطر البقاء في منطقة الرضا المريح
هذا النّمط من التّفكير والتّصرف خطيرٌ؛ لأنّه يمنعك من تحقيق إمكاناتك الكاملة، وقد يؤدّي إلى حلقةٍ مفرغةٍ يصعب الخروج منها، فكلّما طالت مدّة بقائك في هذا المكان من الرّاحة الظّاهرة، ازدادت صعوبة الخروج منه.
لقد عانيت من هذا بنفسي عندما بقيت في مهنتي كلاعب كرة سلّةٍ محترفٍ أكثر ممّا كان ينبغي، حيث شعرت بالإرهاق وعدم السّعادة في المرحلة الأخيرة من مسيرتي، إذ كنتُ أشعر بانهيارٍ معنويٍّ في طريقي إلى التّمرين كلّ يومٍ، وأنا أعيش في داخلي حالةً من البؤس.
ومع ذلك، كان الرّاتب جيداً، وبحسب معايير المجتمع، كنت أفعل شيئاً يحلم به الكثيرون. تركت تلك الأفكار تمنعني من اتّخاذ أيّ إجراءٍ لفترةٍ طويلةٍ، وكلّما بقيت في تلك المنطقة، ازدادت صعوبة الخروج منها، فدخلت في حالة اكتئابٍ، وتطوّرت هذه الحالة تطوّراً مفجعاً اضطررت على إثرها إلى الحصول على مساعدة من الأشخاص حولي لأدفع نفسي نحو إجراء تغييرٍ.
ما الذي يجب فعله حيال ذلك؟
لتحديدِ ما إذا كنت عالقاً في منطقة الرّضا المريح، اسأل نفسكَ هذه الأسئلة:
- هل أنا سعيدٌ بوضعي الحالي؟
- هل أفعل ما أحبّ يوميّاً؟
- هل أشعر بالاكتفاء؟
كن صادقاً مع نفسكَ، إذا كانت الإجابة لا، فقد تحتاج إلى التّأمل في وضعك َالحالي. اسأل نفسك: "ما الذي يجب أن يحدث ليجعلني أتّخذ قراراً بالتّغيير؟" كما حدثَ في حالتي، غالباً ما ينتظر النّاس حتّى يحدث شيء مأساويّ ليوقظهم. ولكن إذا كان بإمكانك تصوّر هذا الموقف المأساويّ مقدماً، فقد يدفعك ذلك إلى اتّخاذ إجراء قبل أن يتحقّقَ، وقد يكون هذا متعلّقاً بعملك أو بأيّ جانبٍ آخر من حياتك.
تعدُّ تقنيّات التّأمل أداةً قويّةً للتحرًر من هذا الفخّ؛ لذلك فكّر في موقعك الحالي واسأل نفسكَ ما إذا كان البقاء فيه سيساعدك في أن تصبحَ الشّخص الذي تطمح أن تكونه في المستقبل القريب والطّويل الأمد.
لا تفكّر فقط من حيث الأهداف، بل فكّر من حيث الرّحلة، فهل ستساعدك الرّحلة في الوصول إلى النّتائج التي ترغب بها في أن تصبحَ الشّخص الذي تريد أن تكونَه؟ وهل الموقع الذي أنت فيه الآن يتماشى مع تلك الفكرة؟
التأمل دون تنفيذ هو تسويف مقنع
تتمثّل الخطوة الأخيرة في اتّخاذ الإجراءات، وقد يكون هذا صعباً بشكلٍ خاصٍّ عندما تكون بالفعل في تلك الحلقة المفرغة التي ذكرتها سابقاً، وفي مثل هذه الحالات، قد يكون طلب المساعدة والتّوجيه المهنيّ مفيداً.
حاول العثور على شخصٍ يشاركك مسؤوليّة وضع خطّة للخروج من منطقة الرضا المريح، وأفضل طريقةٍ للتّعامل مع هذه الحالة هي اتّخاذ خطواتٍ صغيرةٍ نحو تغييرٍ أكبر وأكثر أهمّية في عملك أو حياتك، وحبّذا لو تستهدف شيئاً يشدّك، شيئاً يحمل معنىً بالنّسبة لك.
قد تكون مفارقة المنطقة بيتّا فخّاً خطيراً يمنعنا من تحقيق إمكاناتنا الكاملة، فلا تدع الخوف من المجهول يمنعك من العيش بالطّريقة التي كنت تتوق إليها دائماً. ويمكنك التّحرر والسّعي نحو إمكاناتك الحقيقيّة من خلال تحديد الفخ، والتّأمل في رحلتك، واتّخاذ الإجراءات، واستخدم هذه الأفكار لتضع نفسكَ في موقع التّحكم بظروفكَ، وقم بالتّغييرات اللّازمة لتقترب أكثر من مستقبلكَ المثالي.