سياسات خفض الأجور: حلٌّ مؤقّتٌ قد يقود إلى نتائج عكسيّة!
مع تباطؤ نموّ الرواتب واتّجاه بعض الشّركات لتقليل التّكاليف، تظهر تحديّاتٌ جديدةٌ تتعلّق باستقرار الموظّفين وتؤثّر على بيئات العمل
في ظلّ التّغيّرات الاقتصاديّة حول العالم، تواجهُ العديد من الشّركات تحديّاتٍ كبيرةً في إدارة مواردها البشريّة، خاصّةً فيما يتعلّق بالرواتب، ومع تباطؤ نموّ الأجور في بعض القطّاعات، قرّرت بعض الشّركات خفض أجور موظّفيها بهدف تحسين هوامش الرّبح وتقليل التّكاليف. ولكن، رغم أنّ هذا الإجراء قد يبدو في ظاهره حلّاً مناسباً للشّركات، إلّا أنّ له تأثيراتٍ سلبيّةً قد تنعكس على استقرار الموظّفين ومستقبل العمل داخل هذه المؤسّسات.
خفض الأجور وتباطؤ نمو الرواتب
منذ فترة الاستقالة الكُبرى الّتي بدأت بعد الجائحة العالميّة، شهدت الولايات المتّحدة نموّاً سريعاً في الأجور، حيث وصلت معدّلات زيادة الرواتب إلى مستوياتٍ قياسيّةٍ. فعلى سبيل المثال، في يناير 2022، بلغت زيادة الأجور 9.3% سنويّاً، وفقاً لبيانات موقع إنديد (Indeed). لكن مع مرور الوقت، تباطأ هذا النّموّ، ليصلَ في تقريرٍ حديثٍ لمكتب إحصاءات العمل في الولايات المتّحدة إلى 3.6% فقط على أساسٍ سنويٍّ، وهو أدنى مستوىً منذ مايو 2021؛ هذا التّباطؤ يُعدّ خبراً جيّداً لأصحاب الأعمال، حيث إنّ تكاليفَ العَمالة تُشكّل جزءاً كبيراً من مصاريف الشّركات.
تأثير خفض الأجور على استقرار العمل
رغم الفوائد المُباشرة الّتي قد تجنيها الشّركات من خفض الأجور، يُحذّر الخبراء من أنّ هذا القرار قد يتسبّب في مشكلاتٍ مستقبليّةٍ، إذ قد يؤدّي إلى حدوث خلافاتٍ بين الموظّفين داخل الشّركة، خاصّةً إذا لاحظ العاملون الذين انضمّوا حديثاً أنّهم يتقاضون رواتب أقل مقارنةً بزملائهم الّذين تمّ توظيفهم خلال فترة الاستقالة الكبرى، والّتي شهدت فيها الرّواتب ارتفاعاً ملحوظاً.
يقول جاستن بلوش، الأستاذ المساعد في كليّة العلاقات الصّناعيّة والعُمّالية بجامعة كورنيل: "إنّه إذا شعر الموظّفون بعدم العدالة في توزيع الرّواتب، فقد ينشأ نوعٌ من التّوتر داخل الشّركة، ويضيف أنّ الشّركات التي اعتمدت على تقديم مكافآت التّوقيع بدلاً من رفع الأجر الأساسيّ خلال السّنوات القليلة الماضية، قد تجدُ نفسها في موقفٍ أسهل لتقليل هذه المكافآت في المستقبل، فهذا قد يؤدّي إلى تحقيق نوعٍ من التّوازن بين الموظّفين الجُدد والقدامى في مستويات الأجور، ممّا قد يساعد على تخفيف التّوترات".
عواقبٌ اقتصاديّةٌ وتوقّعاتٌ مستقبليّةٌ
رغم تباطؤ نموّ الأجور وعودة معدّلات الاستقالة إلى مستويات ما قبل الجائحة، إلّا أنّ سوق العمل قد يستعيدُ قوّته بشكلٍ سريعٍ إذا ما انخفضت معدّلات البطالة بشكلٍ كبيرٍ، ويُحذّر رون هيتريك، كبيرُ خُبراء الاقتصاد العُمّالي في شركة لايتكاست (Lightcast)، من أنّ الشّركات الّتي تعتمدُ على خفض الأجور قد تجد نفسها في موقفٍ صعبٍ إذا ما عاود سوق العمل نشاطه. فبمجرّد أن يبدأ الطّلب على المواهب في الازدياد مرّةً أُخرى، قد تواجه هذه الشّركات صعوبةً في الحفاظ على موظّفيها أو جذب الكفاءات الجديدة، كما ويُؤكّد هيتريك أنّه إذا كانت الشّركات تدفع لموظّفيها أجوراً أقلّ من الحدّ الأدنى المقبول في السّوق، فإنّها قد تُضطرُّ إلى الدّخول مرّةً أخرى في صراعٍ مع الشّركات المنافسة للحصول على المواهب، كما حدث في عامي 2021 و2022.
في نهاية المطاف، يبدو أنّ خفضَ الأجور قد يوفّر حلّاً مؤقّتاً لتخفيف الأعباء الماليّة على الشّركات، ولكنّه يحمل في طيّاته تحديّاتٍ كبيرةً على المدى الطّويل. فمن الضّروري أن تكونَ الشّركات حذرةً في تعاملها مع رواتب موظّفيها، وأن تُدركَ أنّ الرضا الوظيفي واستقرار الموظّفين هما من العوامل الحاسمة في نجاح المؤسّسة على المدى البعيد، وكما يقول هيتريك: "يتعيّنُ على أصحاب الأعمال أن يتصرّفوا بذكاءٍ، فإذا وجدوا موظّفاً جّيداً، يجب عليهم الحرص على الاحتفاظ به لمواجهة تحديّاتِ المستقبل.