5 أسبابٍ تجعل شغفَك في العمل نقمةً لا نعمة، فاحذرها
خمسة تحيزات نفسية شائعة تفسد قرارات قادة الأعمال المتحمسين، وتوضح أهمية التوازن بين الشغف والعقلانية لتحقيق النجاح في عالم الأعمال
غالباً ما نجد أنّ المهنيّين وأصحاب الشّركات يتمتّعون بحماسٍ جارفٍ وطاقةٍ لا حدود لها، تدفعُهم لترويجِ أفكارٍ ومشاريع قد تبدو للآخرين غيرَ منطقية أو بعيدةً عن الواقع. ولكنّنا نادراً ما نرى أنفسنا في هذا الوضع، على الرّغم من أنّنا نمرّ به، دون أن ندرك، يجب أن نتذكّر دائماً أنّ كلّ إنسانٍ ينظر إلى الواقعِ من خلال مجموعةٍ من التحيّزات الإدراكية، والتي تتشكّل من خلالِ تجاربه الفريدة، وخلفيّاته المعرفيّة، وحالته العقليّة.
هذه التحيّزات ليست دائماً سلبيّة؛ بل يمكن القول إنّها ضروريّة، لأنّها تساعدنا في غربلة المعلومات واتّخاذ القرارات بسرعة، خصوصاً في ظلّ الزّخم الهائل من المعلومات التي تغمرنا يومياً. ولكنّ الجانب السلبي لهذه التحيّزات، يظهرُ عندما تؤدّي إلى أخطاءٍ في التّفكير، وقراراتٍ مبنيةٍ على العواطف بدلاً من العقلانية. وفي أسوأ الأحوال، نجد أنفسنا محاصرين فيما يُعرف بـ"فخّ الشغف"، حيث يتحوّل نمطٌ من المعتقدات والسّلوكيات إلى دوّامةٍ متكرّرة تغذّي نفسها، لكنّها في النهاية تؤدّي إلى كارثةٍ محتومة.
يشرح جون برادبري، في كتابه الشهير "أسرار النجاح الستّة للشركات الناشئة"، كيف يمكن أن تؤدّي خمسة تحيّزاتٍ رئيسة إلى إفساد قرارات قادة الأعمال، حتى الأكثر شغفاً منهم. ومن الصّعب أن تجد شخصاً يعمل في مجال الأعمال لم يقع في فخٍّ واحدٍ على الأقل من هذه التحيّزات خلال مسيرته.
التحيّز التأكيدي
هذا النوع من التحيّز يتمثّل في ميل الإنسان إلى انتقاء وتفسير المعلومات التي تتوافق مع آماله ومعتقداته المسبقة، متجاهلاً بذلك المعلومات التي قد تناقضها. لمواجهة هذا التحيّز، ينبغي على الفرد البحث عن الآراء المعارضة التي قد تكشِف عن نمطٍ من القلق يجب الانتباه إليه. فالأمور التي قد تبدو كاستثناءاتٍ فرديّة يُمكن أن تتضِح بأغلبيّة ساحقة عندما ننظر إليها بعينٍ أخرى.
التمثيلية أو الإيمان بقانون الأعداد الصغيرة
العديد من المهنيّين في عالم الأعمال يميلون إلى الاستنتاج بناءً على عددٍ محدودٍ جداً من الملاحظات أو القليل من البيانات، وهذا يؤدّي إلى استنتاجاتٍ خاطئة. فعلى سبيل المثال، قد يعتقد مؤسسٌ جديد أنّ فكرة ما ناجحة لمجرّد أن ثلاثة من بين أربعة أصدقاء أشادوا بها، في حين أنّ هذا لا يعكس بالضرورة رأي الأغلبية.
الثّقة المُفرطة أو وهم السيطرة
الثّقة الزائدة تجعل أصحاب الأعمال يتعاملون مع افتراضاتهم كحقائق مسلّمٍ بها، ويقلّلون من المخاطر التي قد تواجههم. أمّا وهم السيطرة، فيجعلهم يبالغون في تقدير قدرتهم على التحكّم في نتائج الأحداث؛ ممّا يؤدّي لوضع خططٍ غير واقعية، وتوقّعاتٍ تفوق ما يمكن تحقيقه على أرض الواقع.
التمسّك بالمعلومات الأوليّة أو الترسيخ
عقل الإنسان يميل إلى إعطاء أهميةٍ كبيرة للمعلومات أو الأفكار الأولى التي يتلقّاها حول موضوعٍ معيّن، ممّا يجعله يتشبّث بها بقوة. هذا الأمر يجعل القادة يميلون إلى التمسّك بالفكرة الأصلية، أو التّنازل فقط بقدرٍ ضئيلٍ عنها عند الضرورة، بدلاً من النّظر بجديّة في البدائل الأخرى التي قد تكون أكثر جدوى. هنا تكمن المخاطرة في عدم القدرة على التحوّل الجذري في الوقت المناسب.
تصعيد الالتزام أو مغالطة التكاليف الغارقة
كثيراً ما نرى مؤسّسي الأعمال يرفضون التخلّي عن استراتيجيّةٍ خاسرة، معتقدين أنّ الجهود والموارد التي استثمروها حتى تلك اللحظة يجب أن تُسترّد بطريقةٍ ما. ولكنّ الحقيقة المرّة هي أنّ الاستمرار في استثمار المزيد من الوقت والمال في فكرةٍ سيّئة لن يجعلها ناجحة، بل قد يؤدّي إلى مزيدٍ من الخسائر.
يتمتّع العديد من قادة الأعمال بتفاؤلٍ طبيعي، وهذا الأمر يسهم في تحسين أدائهم، لكنّه قد يتحوّل إلى عائق إذا زاد عن حدّه. فقد كشف مقالٌ قديم عن أنّ التّفاؤل المفرط كان السبب في العديد من الإخفاقات في عالم الأعمال. هناك العديد من السّمات القياديّة الأخرى التي تعتبر إيجابية، ولكنها قد تؤدّي إلى نتائج عكسية إذا تضخّمت بشكلٍ غير صحيّ، ممّا يؤدّي إلى الوقوع في فخّ الشغف، أو ما يُعرف بصفات إيكاروس.
على كلّ محترفٍ في مجال الأعمال أن يكون يقظاً تجاه العلامات المبكرة للتحيّزات وفخاخ الشّغف التي قد تُهدّد نجاحه. من العلامات التّحذيرية الشائعة: عندما يفكر أو يقول المؤسّسون "هذا نجاحٌ مضمون"، أو عندما يفقد التنفيذيّون صبرهم مع المستشارين الذين يُشيرون إلى المخاطر أو العيوب في خططهم.
في تجربتي، النّجاح في الأعمال لا يعتمد فقط على الفكرة العظيمة، بل على التّنفيذ المتقن. إنه يتعلّق بتحويل شغفك إلى قيمةٍ اقتصاديّةٍ ملموسة. ولموازنة التحيّزات في شغفك، يُعدّ أفضل نهج هو النّظر إلى ما هو أبعد من أفكارك الشّخصية، والاستماع الفعليّ إلى زملائك، وعملائك، ومستشاريك، وفريقك. فمتى كانت آخر مرة استمعت فيها بصدق؟