دانيا عبد الملك: محاربة خفية ضد تلوث البحر الأبيض المتوسط
رائدة أعمال استطاعت توحيد جهود الدول المطلة على البحر المتوسط وإيجاد حلولٍ مبتكرةٍ لإنقاذ هذا الكنز الطبيعي من كارثةٍ بيئيّةٍ محقّقةٍ
دانيا عبد الملك هي مديرة المركز الأوروبيّ للموضوعات في جامعة مالقا في إسبانيا، ساهمت بخبرتها الممتدّة لأكثر من 15 عاماً في إيجاد حلولٍ مبتكرةٍ لمشكلة التَّلوث شديدة الصُّعوبة في حوض البحر الأبيض المتوسط؛ ليس فقط في أوروبا، بل وصلت أيضاً إلى المدن العربيَّة المطلّة عليه، ممّا أدى إلى نهضةٍ حقيقيَّةٍ في هذه المدن، مع زيادة الوعي للخطورة الاقتصاديَّة لمشكلة التَّلوث في هذه المنطقة.
يتحوّل البحر المتوسِّط إلى مقبرةٍ عالميَّةٍ من البلاستيك، فمع أكثر من 220 ألف طنٍ من النِّفايات تُلقى سنويَّاً في هذا البحر شبه المغلق، ستكون النَّتائج كارثيَّةً على الحياة البحريَّة والبريَّة وبالتَّالي الاقتصاديَّة؛ ليس فقط في الدُّول المطلَّة عليه، إذ سيمتدّ التأثير على التَّغيُّر المناخيّ في العالم بأكمله.
وقد نجحت الباحثة اللّبنانيَّة دانيا عبد الملك في وضع وتنفيذ خططٍ واقعيَّةٍ ساهمت بفاعليَّةٍ في تحويل شواطئ المدن الأكثر تلوُّثاً، مثل: صفاقس التُّونسيَّة وصور اللّبنانيّة، إلى أماكن أكثر رفاهيَّةً وقابليَّةً للحياة مع الاستدامة البيئيَّة وارتفاع معدَّلات السِّياحة والمساهمة بقوّةٍ في تنمية الاقتصاد، فمن هي دانيا عبد الملك وما أهمُّ المشروعات التي ساهمت بها في حلِّ هذه المشكلة العالميَّة؟
من هي دانيا عبد الملك؟
دانيا عبد الملك هي منسّقة مشروع ENSERES المموّل من الاتِّحاد الأوروبيّ بميزانيَّة قدرها 1.1 مليون يورو في إطار برنامج حوض البحر الأبيض المتوسط، وهي حاصلةٌ على بكالوريوس العلوم وبكالوريوس الهندسة الزِّراعية للعلوم من الجامعة الأمريكيَّة في بيروت عام 2000، وقدَّمت دراساتٍ عليا عن التَّخطيط الرِّيفي وعلاقته بالبيئة، وكانت رسالة الماجستير الخاصَّة بها عن بيئة الغابات، كما أنَّها حاصلةٌ على دكتوراه بامتيازٍ مع مرتبة الشَّرف من جامعة بوليتكنيك فالنسيا في علم بيئة المناظر الطَّبيعيّة التَّطبيقيَّة، ونظم المعلومات الجغرافيَّة، والاستشعار عن بُعد.[1]
دانيا عبد الملك ورحلة القضاء على تلوث البحر الأبيض المتوسط
منذ تولِّي دانيا عبد الملك منصب مديرة فريق المركز الأوروبيّ للتَّحليل المكانيّ والتَّوليف ETC-UMA، حرصت على السَّير في عدَّة طرقٍ مختلفةٍ للحفاظ على الموائل في منطقة البحر الأبيض المتوسط أو التَّنوُّع البيولوجيّ، فوفقاً لآخر التَّقارير أنَّ 80% من موائل البحر الأبيض المتوسّط لم تعد صالحةً لحياة الكائنات الحيَّة.
كما ويعدُّ ETC-UMA مركز أبحاثٍ دوليٍّ داخل جامعة مالقا الإسبانيَّة، يدعم الجهود البيئيّة المتنوُّعة في منطقة البحر الأبيض المتوسط بأكملها منذ عام 2011، مع السَّيطرة على التَّحدِّيات السِّياسية والاقتصاديَّة.
شاهد أيضاً: تكنولوجيا المناخ: 5 شركات عربية تُحوّل التحديات البيئية إلى فرص تنموية
أهم التحديات التي تواجه دانيا عبد الملك في تطهير حوض البحر الأبيض المتوسط
تقول دانيا في حوارٍ لها: إنَّ أهمَّ التَّحديَّات التي تقابل النُّشطاء البيئيّين عادةً، وفي البحر المتوسط خصوصاً، هي عدم الوعي على الإطلاق بخطورة التَّلوث على توفِّر الموارد الطَّبيعيَّة وعلى الحالة الاقتصاديَّة، وتؤكَّد أنَّ غالباً ما يتمُّ إهمال رفع الوعي بين الأطفال والشَّباب للحفاظ على الكائنات الحيَّة بجميع أنواعها وربط هذا بجودة الحياة اليوميّة وتوفّر الموارد المتنوِّعة.
كما أنَّ عدم توفِّر بياناتٍ دقيقةٍ عن الموائل الطَّبيعيَّة في الجزء الجنوبيّ من حوض البحر المتوسط كان من أهمِّ عوائق دمج سياسات الإصلاح الاقتصاديَّة مع الحفاظ على الأراضي الرَّطبة في الوقت ذاته.[3]
كيف تمكَّنت دانيا عبد الملك من السيطرة على مشكلة التلوث؟
يصطدم دائماً النُّشطاء البيئيّين بأصحاب المصالح الاقتصاديَّة والرَّافضين للتَّغيُّير أو الإنفاق على الحفاظ على التَّنوُّع البيولوجيّ، باعتبار أنَّ الأمر غير مجدٍ اقتصاديّاً لهم، ولكن من خلال برامج شديدة التَّوازن والفاعليَّة وتمويلٍ كبيرٍ، نجحت دانيا مع المركز الأوروبيّ في التَّقريب بين جميع أصحاب المصلحة سواءً السُّكَّان المحليّون أو أصحاب المشروعات بالإضافة للنُّشطاء البيئيين، بحيث يرتفع الوعي بأهميَّة الإنفاق البيئيّ والحصول على نتائج سريعةٍ، تؤثِّر إيجاباً على الأنشطة الاقتصاديَّة وعلى حالة البيئة عموماً، ممّا أدّى إلى نتائج قويَّةٍ على أرض الواقع.
كما استغلَّت دانيا خبرتها في تطبيقات أنظمة المعلومات الجغرافية GIS وأنظمة الاستشعار عن بُعد SRS؛ لإدارةٍ أفضل للنِّظام البيئيّ في دول الحوض بأكملها، ممّا أدَّى إلى توفِّر بيانات أكثر دقَّةً عن المناطق الأكثر تعرُّضاً للخطر وطريقة إنقاذها سريعاً.[3]
أهم مشروعات دانيا عبد الملك البيئية في منطقة البحر المتوسط
تولّت دانيا عبد الملك تنفيذ مجموعة مشروعاتٍ حيويَّةٍ أدّت إلى تحسُّنٍ فعليٍّ في المناطق الطَّبيعيَّة المحيطة بمنطقة البحر الأبيض المتوسط والحدِّ من ضغوط التَّلوث والسِّياحة وتغيُّر المناخ مع إعادة تدوير واستخدام النَّفايات، بالإضافة إلى بناء المزيد من الوعي لدى أصحاب المصلحة في المنطقة، ومن أهم تلك المشروعات: [2]
- مشروع PANACeA: وهو يهدف إلى تبسيط جهود الإدارة في المناطق المحميَّة، وضمان التَّعاون بين أصحاب المصلحة المعنيّين في منطقة البحر الأبيض المتوسّط مع تنفيذ مشروعات مصايد الأسماك والتَّخطيط المكاني البحريّ، وإدارة النِّفايات البحريَّة، ومشروعات تكيُّف المناطق البحريَّة مع تغيُّر المناخ.
- مشروع Med-IAMER: للتّخفيف من المخاطر البيئيَّة على المدن السَّاحليَّة سواء من تآكل الشّواطئ أو موت الكائنات الحيَّة أو الفيضانات وارتفاع منسوب مياه البحر.
- مشروع ENSERES: وهو واحدٌ من أضخم مشروعات مقاومة التَّغيُّرات البيئيَّة في المدن السَّاحلية مع 5 دولٍ أساسيَّةٍ معنيةٍ به، وهي: لبنان، وتونس، وإسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وقد حقَّق المشروع نتائج ملحوظةً وتحديداً في صفاقس باعتبار نسبة التَّلوث بها كانت قد وصلت إلى مراحل كارثيَّة، كما حقَّقت مدينة صور نتائج ملحوظةً في المشروع لاستعادة التَّنوُّع البيولوجي وتعزيز التَّعاون متعدّد المستويات.
إنَّ ملف البيئة شائكٌ ومستمرٌّ ويتنامى بتسارعٍ كبيرٍ، كما يصطدم دائماً بالمصالح السِّياسيَّة والاقتصاديَّة، ولكنَّ التَّأثير شديد الوضوح للتَّلوث على معدَّلات درجة الحرارة وتناقص المحاصيل وذوبان الجليد يتطلَّب تركيزاً فائقاً للجهود وتعاوناً دوليَّاً شاملاً، وتلعب دانيا عبد الملك بأبحاثها وجهودها الحثيثة والمتوازنة لزيادة الوعي دوراً فعّالاً في وضع خططٍ قابلةٍ للتَّطبيق مع تقريب المسافات بين المدن السَّاحليَّة العربيَّة والأفريقيَّة والأوروبيَّة للحفاظ أكثر على منطقة البحر المتوسط، التي أصبحت بالفعل من أكثر المناطق الملوّثة حول العالم.
لمزيدٍ من قصص النجاح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.