كيف تطوّر التمارين دماغك وتمنحك ذكاءً استثنائيّاً؟
دراستان جديدتان في علم الأعصاب تُظهران أنّ فوائد التمارين للدماغ تدوم أطول ممّا تتوقّع
هل سمعت أنّ التّمارين تُحسّن من أداء دماغك، ممّا يعزّز ذكاءك وذاكرتك؟ ولكن، إلى متى تدوم هذه الفوائد؟ والأهمّ من ذلك، في هذا الوقت من العام حيث يصبح إيجاد وقتٍ للتّمرين تحدّياً، هل تكفي هذه الفوائد لتحفيزك على التّمرّن وسط انشغالك بتغليف الهدايا وتناول الكعك؟
وفي هذا السّياق، تقدّم دراستان جديدتان في علم الأعصاب إجاباتٍ مدهشةً لهذه التّساؤلات، فاستعدّ لتُدهَش بمدى تأثير التّمارين الإيجابيّ وطول استمراره على دماغك.
مارس التّمارين اليوم، وكن أذكى غداً
أثبتت الدّراسات أنّ التّمارين تُعزّز الذّكاء، وهذا ما تناولته مقالاتٌ سابقةٌ هنا وهنا. ولكن، رغم وضوح أنّ التّمارين تحسّن الأداء العقليّ، لم تكن الأبحاث العلميّة متأكّدةً من مدّة استمرار هذه الفوائد. تُظهر الأدلّة أنّ ممارسة التّمارين قبل اختبارٍ ما قد تساعدك على تحسين أدائك، ولكن يبقى السّؤال: هل يمكن لتمرين الأمس أن يستمرّ في تحسين قدراتك العقليّة حتّى اليوم؟
بحث فريقٌ من "جامعة كوليدج لندن" (University College London) هذه المسألة مؤخّراً، حيث خضع 76 شخصاً فوق سنّ الخمسين لدراسة الأمر، إذ قاس الفريق نشاطهم بواسطة أجهزة تعقّبٍ على مدى ثمانية أيّامٍ، مع إخضاعهم لاختباراتٍ معرفيّةٍ يوميّةٍ. فأظهرت النّتائج، الّتي نشرت في "المجلّة الدّوليّة للتّغذية السّلوكيّة والنّشاط البدنيّ" (International Journal of Behavioral Nutrition and Physical Activity)، أنّ فوائد التّمارين لتعزيز الذّكاء تدوم أطول ممّا كان متوقّعاً، وذلك كما صرّحت المؤلّفة المشاركة في الدّراسة ميكايلا بلومبرغ:" أوضحت نتائجنا أنّ فوائد النّشاط البدنيّ على الذّاكرة قصيرة المدى قد تستمرّ لفترةٍ أطول ممّا كان يعتقد، ربّما إلى اليوم التّالي بدلاً من بعض السّاعات فقط بعد التّمارين".
كما شدّدت بلومبرغ على ضرورة إجراء المزيد من الدّراسات بمشاركة عددٍ أكبر من الأشخاص لتأكيد هذه النّتائج، ولكنّ النّتائج الأوّليّة تبرز أهمّيّة تخصيص وقتٍ لممارسة التّمارين البدنيّة، حتّى خلال موسم الأعياد.
كيف يؤثّر التّمرين على دماغك؟
أكّدت دراسةٌ حديثةٌ نشرت في "علم الأحياء من مكتبة العلوم العامّة" (PLOS Biology) أنّ التّمارين تحدث تأثيراتٍ مستدامةً على الدّماغ، متجاوزةً نتائج أبحاث جامعة كوليدج لندن، إذ أظهرت الدّراسة أنّ تأثيرات التّمارين على الدّماغ تستمرّ لفتراتٍ أطول بكثيرٍ من يومٍ واحدٍ.
ابتكرت الباحثة الرّئيسيّة تصميماً إبداعيّاً للدّراسة، حيث استخدمت نفسها كعيّنةٍ تجريبيّةٍ، وتابعت نشاطها البدنيّ ونمط نومها باستخدام أجهزة لياقةٍ قابلةٍ للارتداء، وهاتفها الذّكيّ على مدى 133 يوماً، كما أجرت 30 فحصاً بالرّنين المغناطيسيّ لدماغها خلال هذه الفترة، إذ سعت الدّراسة لتجاوز الأبحاث السّابقة الّتي ركّزت على تأثير التّمارين في لحظاتٍ محدّدةٍ، فقد أراد الباحثون فهم التّأثيرات طويلة الأمد لعوامل نمط الحياة، مثل النّوم والنّشاط البدنيّ، على الدّماغ.
فماذا أظهرت هذه الفحوصات؟
لم تظهر الدّراسة تغيّراتٍ سريعةً في الدّماغ بعد التّمارين، ثمّ عودةً سريعةً إلى حالته الأصليّة. بدلاً من ذلك، لاحظ الباحثون تطوّراً تدريجيّاً في وظائف الدّماغ استجابةً لأنماط النّوم والتّمارين، واستمرّ هذا التّأثير على مدى أيّامٍ وأسابيع.
كما لخّص الباحثون: "كشفنا آثاراً لأنماط السّلوك والوظائف الفيزيولوجيّة السّابقة داخل شبكات الاتّصال العصبيّ في الدّماغ، تمتدّ حتّى 15 يوماً، وتعكّس هذه النّتائج علاقةً مستدامةً وطويلة الأمد بين العوامل الخارجيّة والعمليّات العصبيّة".
حافزٌ قويٌّ لتبدأ بالتّحرّك
ومن جهةٍ أخرى، قدّم الكاتب دان بينك تفسيراً بسيطاً ومباشراً للدّراسة على موقع "لينكد إن" (LinkedIn) قائلاً: "هل تتذكّر جلسة التّمارين الأسبوع الماضي؟ دماغك لا يزال يعالج تأثيرها. إذ تمتدّ تأثيرات التّمارين والنّوم والمزاج عبر شبكاتنا العصبيّة لمدّةٍ تتراوح بين 7-14 يوماً، ممّا يعيد تشكيل الذّاكرة والانتباه؛ لذلك مارس التّمارين اليوم، وسيستفيد دماغك ليس فقط غداً، بل للأيّام المقبلة أيضاً".
يشكّل هذا الأمر حافزاً قويّاً يدفعك للتّحرّك، ليس فقط خلال موسم الأعياد، بل على مدار العام، إذ لا تحافظ التّمارين على لياقتك البدنيّة، وتعطي دفعةً سريعةً لطاقة جسمك وأدائك العقليّ فحسب، بل تظهر الدّراسات أنّها تجعلك أكثر ذكاءً ليومٍ كاملٍ، وتعيد برمجة دماغك لمدّةٍ تصل إلى أسبوعين. إذا شعرت بالإغراء للاستلقاء على الأريكة، فتذكّر هذه النّتائج الملهمة.