ما الذي يُمكن أن يتعلمه القادة من أطفال الصف الرابع؟
قصصٌ ملهمةٌ من لعبة "السّلام العالمي" تكشف أنّ الأسئلة الصّائبة هي جوهر القيادة
لا تعتبر القيادة مهمّةً سهلةً، ويعرف ذلك كلّ من جرّبها، ولكنّ من المفاجئ أن يكون لدى أطفال الصفّ الرابع دروسٌ يمكن أن تلّهم قادة العالم. عندما يتعلّق الأمر بالقيادة، فإنّ السؤال يعتبر من أهمّ الأدوات التي قد يغفلها الكثير من القادة في المستويات العليا. يبدو أنّ القيادات الكبرى مشغولةٌ دائماً، ولا تملك الوقت لطرح الأسئلة، لكنّ التجارب تثبت أنّ تخصيص الوقت للسّؤال والاستماع يجلب نتائج إيجابيّةً مثل الحصول على أفكارٍ جديدةٍ أو إيجاد حلولٍ مبتكرةٍ للمشاكل.
وفي حديثه عن القيادة، يشير الخبير لاري روبرتسون، مؤسّس شركة "لايتهاوس كونسلتينغ" (Lighthouse Consulting)، إلى أهمّيّة طرح الأسئلة كأداةٍ أساسيّةٍ للقيادة النّاجحة. فعندما ننخرط في عمليّة التّساؤل المدّروس، نكتسب رؤىً جديدةً ووجهات نظرٍ مختلفةً، لكنّ الكثير من القادة يتجاهلون هذه الأداة خارج حالات الأزمات. ولذلك، هناك حاجةٌ ملحّةٌ لتذكيّر القادة بأهمّيّة السؤال وجعله جزءاً من عاداتهم القياديّة اليوميّة.
ومن القصص المثيرة التي تعزّز هذه الفكرة، قصّة جون هانتر ولعبته الشّهيرة "لعبة السّلام العالميّ" (World Peace Game). حيث صمّم هانتر هذه اللّعبة لطلّابه في المرحلة الابتدائيّة بمدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا منذ أكثر من أربعين عاماً. تعتمد اللعبة على لوحةٍ ثلاثيّة الأبعاد تمثّل مستوياتٍ مختلفةً من العالم، مثل البحر، والجوّ، والفضاء، وتتناول تحديّاتٍ معقّدةً يواجهها قادة العالم اليوم. فالأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و10 سنواتٍ، يتعلّمون من خلال هذه اللعبة مهارات التفكير النّقديّ والتّفاوضّ والتّعاون، وهي المهارات التي يحتاجها القادة في كلّ المجالات.
وفي هذه اللّعبة، يتّخذ الأطفال أدوار قادةٍ دوليّين مثل رؤساء دولٍ، دبلوماسييّن، وتجّار أسلحةٍ. حيث يتمّ تكليفهم بمواجهة حوالي 80 تحدّياً واقعيّاً من التّحديات التي يواجهها العالم، مثل الأزمات الاقتصاديّة والنّزاعات الدوليّة. لكنّ الأمر الأكثر إثارةً للإعجاب هو أنّ هؤلاء الأطفال قادرون على حلّ تلك المشكلات التي يعتقد الكثيرون أنّها مستعصيّةٌ.
ومن جهةٍ أخرى، لم يكن البنتاغون بعيداً عن هذه القصة، ففي أحد الأيام تلقّى هانتر اتصالاً من مسؤولين كبارٍ يطلبون منه إحضار طلّابه إلى البنتاغون ليتمكّنوا من سؤالهم عن كيفيّة تحقيقهم السّلام العالميّ. كانت الفكرة أنّ هذه الأسئلة التي يطرحها الأطفال في اللّعبة هي مفتاح نجاحهم. وقد استجوب القادة العسكريون الأطفال لساعاتٍ، ووجدوا أنفسهم في مواجهة أسئلةٍ ذكيّةٍ وعميقةٍ تأتي من عقولٍ صغيرةٍ ولكنها ملّهمةً.
وما كان لافتاً في هذه الزيارة هو أنّ الأطفال كانوا يتعاملون مع كبار القادة كأندادٍ لهم، وطرحوا عليهم أسئلةً حيويّةً مثل: "هل يمكننا تحمّل التكلفة؟، هل يمكننا مواجهة العواقب؟، وهل هذا منطقيّ؟"، فكانت هذه الأسئلة هي النقاط المحوريّة في اللّعبة، لكنّها كانت أيضاً ذات قيمةٍ لأيّ قائدٍ يواجه قراراتٍ صعبة.
وفي نهاية هذه الجلسة، ظهر وزير الدّفاع الأمريكي آنذاك، ليون بانيتا، وسأل الأطفال مباشرةً عن أصعب مشكلةٍ تواجههم، فكان جوابهم فوراً: "التّغيّر المناخيّ". وكان هذا النّقاش هو ما دفع القادة العسكريين للتّفكير بجديّةٍ في قضايا أكبر وتأثيراتها على كلّ شيءٍ. ما يستفاد من هذه القصة هو أنّ القيادة الحقيقيّة تقوم على التّساؤل والاستماع. فالأسئلة ليست مجرّد وسيلةٍ للتعلّم، بل هي جوهر القيادة النّاجحة. لذا، على القادة أن يتذكّروا دائماً طرح الأسئلة مهما كان مستوى قيادتهم، لأنّ الأسئلة قد تكون مفتاح التّغيير الذي يحتاجونه.
وعلى الرغم من أنّ لعبة السّلام العالميّ قد تبدو بسيطةً، إلّا أنّها تعلّم دروساً عميقةً حول القيادة والتّساؤل.