دليل التّخارج النّاجح
هل تفكّر في بيع عملك؟ فيما يلي الاعتبارات القانونيّة والماليّة الرّئيسيّة الّتي يجب وضعها في الاعتبار
هذا المقال متوفر أيضاً باللغة الإنجليزية هنا
لطالما كانت التّساؤلات حول التّخارج شاغلاً متكرّراً لكلّ مؤسّسٍ: كيف يمكن التّخطيط لها؟ ومتى يجب البدء بها؟ يميل العديد من أصحاب الأعمال إلى اتّخاذ قراراتٍ ارتجاليّةٍ عند التّفكير في التّخارج، وغالباً ما تكون هذه القرارات مدفوعةً بمحفّزاتٍ طارئةٍ، مثل عروض شراء مفاجئةٍ، أو ظروفٍ شخصيّةٍ ضاغطةٍ، أو حتّى أزماتٍ ماليّةٍ. ومع ذلك، حين تقع هذه الأحداث، يكون الوقت قد فات غالباً لتحسين قيمة الشّركة بالكامل أو تعظيم العائد من عمليّة البيع. فما العمل إذاً؟
لنفهم الأمر من زاويةٍ أخرى: حين يخطّط صاحب منزلٍ لبيعه، فإنّه يمرّ بعمليّةٍ دقيقةٍ تشمل إعادة الطّلاء، التّنظيف، التّجديد، وحتّى الاستعانة بخبراء، وكلّ ذلك بهدف تعزيز قيمة العقار.
وبما أنّ عمليّة بيع شركتك تحدث مرّةً واحدةً فقط، فإنّ وجود خطّة تخارجٍ مدروسةٍ بعنايةٍ ليس خياراً، بل ضرورةٌ أساسيّةٌ لتعظيم العائد على استثمارك وجهودك الّتي بذلتها في بنائها.
ومن هنا، تهدف هذه المقالة إلى استعراض قائمةٍ من الاعتبارات الرّئيسيّة الّتي ينبغي على أيّ بائعٍ محتملٍ مناقشتها والعمل عليها بالتّنسيق مع مستشاريه القانونيّين والماليّين قبل اتّخاذ قرار بيع شركته.
أنواع المشترين
ينقسم المشترون، بوجه عامٍّ، إلى ثلاثة أنواعٍ رئيسيّةٍ: الأفراد، المؤسّسات الماليّة، والمشترون الاستراتيجيّون. إنّ فهم دوافع كلّ نوعٍ منهم ليس مجرّد خطوةٍ مهمّةٍ، بل هو الأساس الّذي تبنى عليه أيّ صفقةٍ ناجحةٍ. والتّعاون مع خبيرٍ متخصّصٍ يتيح لك تحديد المشترين المحتملين، وفهم ما يسعون إليه خلال عمليّة التّخارج، وهو أمرٌ بالغ الأهمّيّة لضمان سير الأمور بسلاسةٍ.
تشبه عمليّات الاندماج والاستحواذ في طبيعتها العلاقات الشّخصيّة، إذ إنّ أنجح الصّفقات وأرفعها قيمةً غالباً ما تتمّ مع مستحوذين لديهم درايةٌ مسبقةٌ بالبائع. لذلك، من الضّروريّ أن تبدأ في تحديد المشترين المحتملين مبكّراً، وأن تستكشف الفرص للتّعامل معهم أو بناء شراكاتٍ تجاريّةٍ أو استراتيجيّةٍ تعزّز من قيمة الشّركة.
مرّةً أخرى، فإنّ إشراك خبيرٍ منذ البداية يمكن أن يحقّق لك قيمةً كبيرةً، إذ يساعدك على تحديد أفضل المشترين، ويفتح لك أبواباً لعلاقاتٍ أساسيّةٍ قد تكون مفتاحاً لإنجاح عمليّة التّخارج.
أنواع المخارج المختلفة
تتعدّد فرص التّخارج وتتنوّع، ولذلك من المهمّ أن تلمّ بأنواع المعاملات المختلفة لتختار منها ما يناسب أهدافك. على سبيل المثال، يعني الاستحواذ الكامل أنّك ستتنازل عن ملكيّتك في الشّركة بالكامل عند التّخارج. أمّا الاستحواذ على الأغلبيّة، فهو يمنّح المشتري سيطرةً على أكثر من 50% من الشّركة، مع بقاء جزءٍ من الملكيّة في يد البائع، ممّا يتيح له فرصة الاستفادة من النّموّ المستقبليّ للشّركة. وغنيٌّ عن القول، أنّ نوع التّخارج وهيكل الصّفقة يتوقّفان، إلى حدٍّ كبيرٍ، على نوع المشتري نفسه وطبيعة تطلّعاته.
لكنّ الأهمّ من ذلك كلّه هو أن تسأل نفسك: ما الّذي يهمّك أكثر عند التّخارج؟ هل تبحث عن تصفيةٍ كاملةٍ للحصول على السّيولة فوراً؟ أم أنّك تريد الاحتفاظ بجزءٍ من الملكيّة على أمل الاستفادة من تخارجٍ مستقبليٍّ يعرف غالباً بـ"اللقمة الثّانية من التّفّاحة"؟ أم أنّك مستعدٌّ لربط قيمة التّخارج بأداء الشّركة المستقبليّ لتحقّق مكاسب إضافيّةً؟
الإجابة عن هذه الأسئلة سوف توجّه قراراتك، وستضع الأساس الّذي تبنى عليه استراتيجيّتك طوال عمليّة التّخارج، ممّا يضمن أنّك ستخرج من هذه الرّحلة بأفضل نتيجةٍ ممكنةٍ.
تنظيم ما قبل البيع
توصيتنا الأولى هي إجراء مراجعةٍ داخليّةٍ للشّركة قبل التّعامل مع المشتري المحتمل للتّأكّد من أنّ الكيان منظّمٌ بأكثر الطّرق كفاءةً وجاذبيّةً. على سبيل المثال، يحتاج المرء إلى معرفة ما هو تكوين المساهمين، وعلى وجه الخصوص، ما إذا كان هناك أيّ مساهمين من الأقلّيّة يمكن أن يثبت وجود إشكاليّةٍ أثناء عمليّة البيع، وفي النّهاية، يؤخّر أو يسبّب مشكلةً في البيع.
في مثل هذه الحالات، يُفضَّل إجراء إعادة تنظيمٍ داخليٍّ للشرّكة قبل بدء عملية البيع، بحيث يصبح سجل المساهمين أكثر بساطةً وترتيباً. صحيحٌ أنّه قد تترتب على إعادة التّنظيم قبل الصّفقة تكاليف مبدئيّة، لكنّها في المقابل تساعد في تقليل الرّسوم القانونية أثناء إجراءات البيع، وتجعل العرض المقدّم للمشتري أكثر جاذبيّةً. وهذا، بدوره، قد يؤدّي إلى الحصول على سعر بيعٍ أعلى ومناسبٍ أكثر.
هيكلة البيع
قبل الذّهاب إلى السّوق، يجب على البائع تحديد الهيكل الأنسب لبيع أعماله. أوّلاً، يجب تحديد ما إذا كان يجب إجراء البيع عن طريق بيع الأسهم أو بيع الأصول.
بيع الأسهم هو هيكل البيع الأكثر شيوعاً حيث يستحوذ المشتري عادةً على 100% من رأس مال الشّركة، وبالتّالي يصبح هو المساهم الجديد، ويستمرّ العمل كالمعتاد، مع الحدّ الأدنى من التّعطيل لعمليّاته أثناء الصّفقة.
في بيع الأصول، تبيع الشّركة فقط أصولاً معيّنةً والتزاماتٍ مرتبطةً بها (حسب الحالة) للمشتري، ويظلّ البائع مساهماً في الشّركة بعد إتمام المعاملة.
الفائدة الرّئيسيّة لإجراء بيع الأسهم للبائع هي تأمين انفصالٍ تامٍّ عن العمل مع نقل جميع أصول الشّركة وخصومها بموجب بيع الأسهم للمشتري. ومع ذلك، على العكس، سيكون من الأهمّيّة بمكانٍ أن يضمن البائع أنّ الشّركة المستهدفة منظّمةٌ بشكلٍ جيّدٍ قدر الإمكان، أي أنّ ترتيبات المساهمين هي "الفانيليا"، وجميع العقود المادّيّة المرتبطة بالعمل لا تخضع لأحكام الرّقابة المتغيّرة الّتي قد تتمّ تشغيلها من خلال بيع أسهم الشّركة، وأنّ أيّ تقاضٍ، تتمّ تسوية النّزاعات أو قضايا الامتثال التّنظيميّ قدر الإمكان.
يؤدّي الفشل في تنفيذ الخطوات التّحضيريّة لعمليّة البيع إلى عواقب قد تشمل تقديم تعويضاتٍ إضافيّةٍ غير ضروريّةٍ، أو حجز جزءٍ من المبلغ المتّفق عليه، أو حتّى تخفيض سعر الصّفقة النّهائيّ. بينما لا يمكن التّخلّص من جميع المشاكل بالكامل، إلّا أنّ التّخطيط الجيّد واتّخاذ إجراءات العناية الواجبة قبل البيع يساعدان على تقليل المخاطر بشكلٍ كبيرٍ وتجنّب العديد من العقبات الّتي قد تعطّل العمليّة.
يوفّر بيع الأصول ميزةً كبيرةً للبائع، إذ يمكنه اختيار الأصول الّتي يريد بيعها والاحتفاظ بباقي الأصول الّتي يعتقد أنّها ضروريّةٌ لاستثماراتٍ مستقبليّةٍ. هذا النّوع من البيع يناسب المشترين الّذين يريدون اختيار أصولٍ محدّدةٍ تتكامل مع أعمالهم الحاليّة، مثل معدّاتٍ أو حقوق ملكيّةٍ فكريّةٍ دون الاضطرار لتحمّل أعباءٍ إضافيّةٍ. علاوةً على ذلك، يخفّف بيع الأصول من مخاطر المشترين، حيث يسمح لهم باختيار الالتزامات الّتي يتحمّلونها، ما يجعل العمليّة أقلّ تعقيداً. نتيجةً لذلك، تصبح إجراءات العناية الواجبة أسرع وأقلّ تكلفةً مقارنةً بعمليّات بيع الأسهم الكاملة الّتي تشمل جميع أصول الشّركة وديونها.
ومع ذلك، فإنّ بيع الأصول قد يؤدّي إلى تعطّل سير العمل داخل الشّركة، حيث يتمّ التّعامل مع نقل الأصول بشكلٍ منفصلٍ. على سبيل المثال، قد لا تنتقل العلاقات مع العملاء تلقائيّاً إلى المشتري، ممّا يستلزم التّفاوض مع كلّ عميلٍ على حدةٍ لضمان استمراريّة العمل.
يتعيّن على البائع أيضاً اتّخاذ قرارٍ بشأن طريقة البيع، سواءً كان ذلك من خلال عمليّة بيعٍ خاصّةٍ ثنائيّةٍ أو عبر مزادٍ مفتوحٍ. يعتمد هذا القرار على عدّة عوامل، منها طبيعة العمل الجاري بيعه، هيكل المساهمين، مخاوف السّرّيّة، ظّروف السّوق، والوقت المتاح لإتمام الصّفقة.
يمكن أن يحقّق المزاد أسعاراً أعلى للبائع عندما يكون هناك العديد من المشترين المهتمّين، إذ يشجّع على التّنافس بينهم. بالإضافة إلى ذلك، يمنح المزاد البائع مزيداً من السّيطرة على عمليّة العناية الواجبة، والشّروط المرتبطة بالبيع، إذ يميل المشترون إلى تقديم شروطٍ أكثر مرونةً لجذب البائع.
مع ذلك، فإنّ المزاد يتطلّب وقتاً أطول وتكاليف أعلى، وقد يؤدّي إلى تعطيل العمليّات اليوميّة للشّركة. وفي حال فشل المزاد، قد يصبح نشر تفاصيل العمليّة عائقاً أمام بيع الشّركة مستقبلاً.
لذلك، يعدّ التّعاون مع فريقٍ قانونيٍّ متخصّصٍ أمراً أساسيّاً لتقييم الخيارات المتاحة واختيار الهيكل الأمثل لعمليّة البيع. يساعد هذا النّهج على ضمان انتقالٍ سلسٍ للملكيّة، مع تحقيق أفضل قيمةٍ للبائع وتجنّب المشاكل المحتملة.
التحضير للإفصاح
يتطلّب جزءٌ كبيرٌ من عمليّة البيع مرحلةً تسمّى العناية الواجبة، وهي مرحلةٌ يقوم فيها المشتري بمراجعة مستندات الشّركة لفهم حالتها الماليّة والقانونيّة بشكلٍ دقيقٍ. لذلك، من المهمّ أن يبدأ البائع بالتّحضير لهذه المرحلة مبكّراً لتجنّب أيّ تأخيرٍ أو تكاليف إضافيّةٍ. خلال هذه المرحلة، يقدّم البائع جميع مستندات الشّركة إلى المشتري، الّذي يقوم بفحصها وطرح أسئلةٍ حولها. ونتائج هذا الفحص تؤثّر مباشرةً على صياغة العقود النّهائيّة للصّفقة، وقد تؤدّي أيضاً إلى تغيير السّعر المتّفق عليه للبيع.
حتّى تكون عمليّة العناية الواجبة سلسةً، من الأفضل أن يقوم البائع بمراجعةٍ داخليّةٍ لجميع مستندات الشّركة مسبقاً. والهدف من هذه المراجعة هو التّأكّد من أنّ جميع المستندات الّتي قد يطلب المشتري الاطّلاع عليها جاهزةٌ ومرتّبةٌ، ومعالجة أيّ مشكلاتٍ قبل أن تتمّ اكتشافها أثناء الفحص. تشمل هذه المستندات وثائق أساسيّةً مثل النّظام الأساسيّ للشّركة، التّراخيص التّجاريّة، عقود العملاء والمورّدين، الشّروط والأحكام، عقود الموظّفين، وثائق الملكيّة مثل عقود الإيجار أو الممتلكات، وأيّ ملفّاتٍ تتعلّق بالقضايا القانونيّة أو الدّعاوى القضائيّة.
إذا تمّ تنظيم المستندات مسبقاً داخل ملفّاتٍ واضحةٍ وسهلة الوصول، فإنّ ذلك يقلّل من الوقت والجهد اللّازمين لتحميلها لاحقاً إلى غرفة البيانات الّتي يستخدمها المشتري. كما أنّ تحديد أيّ نقصٍ أو ثغراتٍ في هذه المستندات بشكلٍ مبكّرٍ يتيح للبائع فرصةً لحلّ هذه المشكلات قبل أن يستخدمها المشتري كوسيلةٍ للضّغط خلال المفاوضات، مثل طلب تخفيض السّعر أو فرض شروطٍ إضافيّةٍ.
على سبيل المثال، قد يكون لدى الشّركة علاقاتٌ طويلة الأمد مع العملاء، ولكنّها غير موثّقةٍ بعقودٍ رسميّةٍ. بينما قد يراها البائع كافيةً، فإنّ المشتري قد يرى هذه العلاقات غير مضمونةٍ ويطلب توثيقها. إذا كان العميل مهمّاً لقيمة الشّركة، فمن الأفضل أن يبرم البائع عقداً رسميّاً مع هذا العميل لتوفير ضماناتٍ للمشتري بأنّ العلاقة ستستمرّ بعد البيع.
يساعد التّحضير المسبق لهذه المرحلة البائع على تجنّب المفاجآت خلال المفاوضات، ويجعل العمليّة أكثر كفاءةً، ممّا يساهم في تحقيق صفقةٍ ناجحةٍ وسلسةٍ.
وثائق المعاملات
يتولّى محامو البائع صياغة مستندات المعاملة والتّفاوض مع محامي المشتري، ممّا يجعل دورهم محوريّاً في إنجاح عمليّة البيع. ويساعد إشراكهم منذ المراحل الأولى للعمليّة على إكسابهم فهماً عميقاً لطبيعة أعمال البائع وآليّاتها الدّاخليّة، ممّا يمكّنهم من إعداد المستندات بطريقةٍ دقيقةٍ ومنظّمةٍ تعكس احتياجات الصّفقة وتفاصيلها.
تعدّ مستندات المعاملة عادةً خلال مرحلة العناية الواجبة من قبل محامي المشتري. تشمل هذه المستندات اتّفاقيّة شراء الأسهم أو اتّفاقيّة شراء الأصول، وخطاب الإفصاح الّذي يحتوي على تفاصيل دقيقةٍ عن الشّركة، بالإضافة إلى مستنداتٍ أخرى قد تكون ضروريّةً بناءً على طبيعة الصّفقة، مثل اتّفاقيّة الخدمات الانتقاليّة لتنظيم تقديم البائع خدماتٍ محدّدةٍ بعد البيع، أو أداة نقل الأسهم، أو أيّ مستنداتٍ إضافيّةٍ تتطلّبها الحالة.
تظهر التّجربة العمليّة أهمّيّة تجهيز مستنداتٍ إضافيّةٍ غالباً ما يتمّ تجاهلها، ولكنّها تلعب دوراً كبيراً في ضمان نجاح الصّفقة. من أبرز هذه المستندات اتّفاقيّات عدم الإفصاح، الّتي تبرم عند بدء المحادثات مع المشترين المحتملين، حيث تضمن حماية سرّيّة المعلومات المتعلّقة بالشّركة، ومنع إساءة استخدامها. كذلك، تساهم اتّفاقيّات الحصريّة في التّركيز على المفاوضات مع المشترين الجادّين فقط، ممّا يحافظ على الوقت والموارد ويمنع التّشتّت.
عند التّقدّم في المحادثات مع المشتري المحتمل، ينصح بالاتّفاق على وثيقةٍ تعرف بـ"مذكرة الشّروط". تلخّص هذه الوثيقة البنود الأساسيّة للصّفقة، مثل سعر الشّراء وطريقة الدّفع وشروط التّنفيذ، ممّا يساعد على توضيح التّوقّعات بين الطّرفين وتقليل فرص حدوث سوء الفهم. كما تستخدم هذه الوثيقة كأساسٍ لإعداد مستندات المعاملة النّهائيّة، ممّا يجعل العمليّة أكثر تنظيماً وأقلّ تكلفةً.
يؤدّي تجهيز هذه المستندات مسبقاً إلى تسهيل العمل وتقليل المخاطر المرتبطة بالصّفقة. كما يضمن تخفيض التّكاليف وتقليص الوقت اللّازم للتّفاوض، ممّا يجعل العمليّة أكثر كفاءةً وسلاسةً للبائع والمشتري على حدٍّ سواءٍ.
الاعتبارات المالية
تعتمد خطّة التّخارج النّاجحة على الإجابة عن أسئلةٍ ماليّةٍ أساسيّةٍ، وأوّلها: ما هي أهداف ونوايا أصحاب الشّركة؟ الإجابة على هذا السّؤال ترتبط بشكلٍ كبيرٍ بهيكل ملكيّة الشّركة. إذا كنت المالك الوحيد، فإنّ ظروفك الشّخصيّة مثل العمر، خطط التّقاعد، واحتياجاتك الماليّة ستحدّد كيفيّة التّخطيط للتّخارج. أمّا إذا كانت شركتك قد حصلت على استثماراتٍ خارجيّةٍ من مستثمري رأس المال الاستثماريّ أو الأسهم الخاصّة، فإنّ الإجابة ستختلف بشكلٍ كبيرٍ، حيث يتوقّع هؤلاء المستثمرون عوائد محدّدةً ضمن إطارٍ زمنيٍّ معيّنٍ، ممّا يفرض ضغوطاً إضافيّةً على عمليّة التّخارج لتتماشى مع توقّعاتهم.
يتطلّب التّعامل مع استثمارات رأس المال الخارجيّ تخطيطاً دقيقاً؛ لأنّ ذلك يؤثّر على العديد من الجوانب مثل تقييم الشّركة، العمليّات التّشغيليّة، وحوكمة الشّركة. هذه الاعتبارات تحتاج إلى تنظيمٍ دقيقٍ؛ لأنّها تحدّد كيفيّة تحقيق الأهداف المرجوّة من التّخارج.
السّؤال التّالي الّذي يجب التّفكير فيه هو: ما هو التّقييم الحاليّ للشّركة؟ وما هو التّقييم الّذي ترغب في تحقيقه عند التّخارج؟ وما هي الخطوات الّتي تحتاجها للوصول إلى ذلك؟ عادةً يقيّم المشترون الشّركات بناءً على مقاييس ماليّةٍ واستراتيجيّةٍ.
المقاييس الماليّة تكون واضحةً وقابلةً للقياس مثل الأرباح والتّدفّقات النّقديّة، وهي الأساس لطرق التّقييم الشّائعة مثل مقارنات الاندماج والاستحواذ، أو تحليل التّدفّق النّقديّ المخفّض. أمّا المقاييس الاستراتيجيّة، فهي أكثر تعقيداً؛ لأنّها تعتمد على أصولٍ غير ملموسةٍ مثل جودة الفريق، التّكنولوجيا المستخدمة، مكانة الشّركة في السّوق، وقاعدة العملاء. هذه المقاييس تختلف من مشترٍ لآخر، وتعتمد على رؤيتهم لما يجعل الشّركة ذات قيمةٍ.
من المهمّ أن تعرف قيمة شركتك الحاليّة كنقطة انطلاقٍ، وأن تحدّد التّقييم الّذي تسعى لتحقيقه عند التّخارج، وتخطّط للوصول إليه بخطواتٍ واضحةٍ. لتحقيق ذلك، يجب دمج خطّة التّخارج مع التّخطيط الاستراتيجيّ المستمرّ للشّركة، ما يضمن تحقيق أهدافك الماليّة بسلاسةٍ وفعّاليّةٍ.
ما هي الخطوات الّتي يمكن اتّخاذها لزيادة قيمة الشّركة وضمان معاملة تخارجٍ سلسةٍ؟
لضمان تخارجٍ سلسٍ وناجحٍ، يجب أن يكون البائع مستعدّاً بشكلٍ جيّدٍ، ويلبّي احتياجات المشتري قبل وأثناء عمليّة التّخارج. العناية الواجبة هي خطوةٌ أساسيّةٌ في هذه العمليّة، وقد تكون شاقّةً، حيث يطلب المشترون فحص مئات الوثائق والعناصر الّتي قد تصل إلى أكثر من 500 عنصرٍ. إذا كان البائع مستعدّاً مسبقاً، فهذا يقلّل من المفاجآت، يعزّز ثقة المشتري، ويسرّع العمليّة. وهنا مجالاتٌ رئيسيّةٌ يجب التّركيز عليها:
-
البيانات الماليّة: يجب الاحتفاظ بسجلٍّ دقيقٍ ومحدّثٍ للبيانات الماليّة، مثل أرباح الشّركة وخسائرها، والميزانيّة العموميّة، والتّدفّقات النّقديّة. تأكّد من أنّ هذه البيانات دقيقةٌ ومنظّمةٌ، ويفضّل أن تكون متوفّرةً في ملفّاتٍ رقميّةٍ مثل Excel. أيضاً، وثّق النّفقات غير التّشغيليّة بوضوحٍ، حتّى يتمكّن المشتري من فهم الأرباح الحقيقيّة للشّركة.
-
التّوقّعات الماليّة: من المهمّ متابعة الأداء الماليّ الفعليّ للشّركة مقارنةً بالميزانيّة أو التّوقّعات. تأكّد من أنّ أيّ تنبّؤاتٍ مستقبليّةٍ تكون واقعيّةً، خاصّةً إذا كانت عمليّة التّخارج قد تستغرق شهوراً. التّوقّعات غير الواقعيّة أو الفشل في تحقيقها يمكن أن يثير قلق المشتري، حيث يرتبط ذلك غالباً بتقييم الشّركة أو شروط الاتّفاق.
-
العقود: يجب أن تكون جميع العقود الأساسيّة للشّركة، مثل اتّفاقيّات العملاء والمورّدين، محدّثةً وموقّعةً بالكامل. احتفظ بنسخٍ رقميّةٍ يمكن الوصول إليها بسهولةٍ.
-
الموظّفون: احرص على الاحتفاظ ببياناتٍ دقيقةٍ وشاملةٍ عن الموظّفين، بما فيها المعلومات التّاريخيّة والحاليّة. هذه البيانات يجب أن تكون جاهزةً ومتوفّرةً عند الحاجة.
-
مؤشّرات الأداء ومحرّكات القيمة: تتبّع مؤشّرات الأداء الرّئيسيّة (KPIs) للشّركة يساعد في تقديم صورةٍ واضحةٍ عن أداء العمل بمرور الوقت. كما أنّ تحديد المحرّكات الّتي تضيف قيمةً للشّركة، مثل التّركيز على العملاء أو معدلات الرّبحيّة، يعزّز من تقييم الشّركة.
-
قوائم العملاء والمورّدين: احرص على أن تكون قائمة العملاء محدّثةً ودقيقةً، وكذلك قائمة المورّدين، بما يشمل مزوّدي البرامج والخدمات الخارجيّة.
-
الملكيّة الفكريّة والتّكنولوجيا: احفظ جميع الوثائق المتعلّقة بالملكيّة الفكريّة مثل براءات الاختراع والعلامات التّجاريّة محدّثةً وجاهزةً للفحص. المشترون يهمّهم كثيراً هذه الجوانب لأنّها تمثّل قيمةً إضافيّةً للشّركة.
-
الضّرائب: استشر متخصّصين في القضايا الضّريبيّة للتّأكّد من أنّ كلّ شيءٍ منظّمٌ، ولا توجد مشكلاتٌ ضريبيّةٌ قد تؤثّر على التّخارج. احتفظ بجميع المستندات الضّريبيّة المهمّة في مكانٍ يسهل الوصول إليه.
-
سهولة الوصول إلى المستندات: تأكّد من أنّ جميع المستندات الّتي قد يطلبها المشتري، مثل مستندات التّأسيس، سجلّ رأس المال، اتّفاقيّات التّمويل، وسجلّ النّزاعات القانونيّة، منظّمةٌ وجاهزةٌ.
الوقت هو العامل الأكثر حساسيّةً في هذه العمليّة. التّحضير الجيّد وتنظيم كلّ العناصر المذكورة أعلاه يوفّر الكثير من الوقت والجهد، ويضمن صفقة تخارجٍ سلسةٍ وناجحةٍ.
النّجاح في العمليّة
لضمان نجاح عمليّة التّخارج، هناك أمورٌ يجب القيام بها وأخرى يجب تجنّبها لتحقيق أقصى استفادةٍ وتجنّب المشكلات. وهي على النّحو التّالي:
افعل...
-
اطلب مشورة الخبراء: استشر المتخصّصين في الأمور المهمّة مثل الضّرائب، القضايا القانونيّة، وعمليّات الاندماج والاستحواذ في وقتٍ مبكّرٍ. قد يؤدّي التّعامل مع المشكلات عند ظهورها إلى تعقيدها، لذا الأفضل أن تستعين بخبراء في هذه المجالات لتجنّب أيّ مفاجآتٍ لاحقاً.
-
كن استباقيّاً: تعامل مع تخطيط التّخارج بعقليّةٍ استباقيّةٍ. لا تنتظر ظهور الأزمات أو المشكلات لتتصرّف. يعطيك التّخطيط المسبق ميزةً في السّيطرة على الأمور وتجنّب المواقف الحرجة.
-
استخدم أدوات الطّرف الثّالث الرّئيسيّة: اعتمد على التّكنولوجيا والبرامج المناسبة الّتي تساعدك في البقاء منظّماً ومستعدّاً. تسهّل الأدوات الرّقميّة إدارة المستندات والمعلومات، ممّا يجعل العمليّة أكثر إنسيابيّةً.
-
طوّر العلاقات الاستراتيجيّة: يعدّ بناء علاقاتٍ قويّةٍ مع المشترين المحتملين استثماراً مهمّاً. يمكن أن تضيف هذه العلاقات قيمةً كبيرةً لصفقتك، وتساعد في تسهيل المفاوضات وزيادة الثّقة.
-
استثمر في النّاس: احرص على تنمية فريق عملٍ متميّزٍ ومتحمّسٍ، لأنّ الفريق القويّ يمثّل أحد أهمّ الأصول الّتي يمكن الاعتماد عليها خلال عمليّة التّخارج. يساعدك الفريق الجيّد في تقديم صورةٍ إيجابيّةٍ عن شركتك ويزيد من جاذبيّتها للمشترين.
لا تفعل...
-
تتأخّر في معالجة المشكلات: المماطلة في حلّ المشكلات قد يجعلها أكثر صعوبةً لاحقاً. كلّما بدأت في حلّ المشكلات مبكّراً، قلّت فرص تعقيدها وتأثيرها السّلبيّ على العمليّة.
-
تذهب بمفردك: تجنّب التّفكير بأنّك تستطيع التّعامل مع كلّ شيءٍ بمفردك. الاعتماد على فريق عملٍ محترفٍ ومستشارين متخصّصين يوفّر عليك الجهد ويضمن نتائج أفضل.
-
تفرط في المشاركة أو الالتزام بالاتّفاقيّات التّقييديّة: كن حذراً بشأن مشاركة تفاصيل زائدةٍ عن الحدّ أو الالتزام بالاتّفاقيّات التّقييديّة مع المشترين المحتملين. قد يؤثّر ذلك سلباً على مرونتك في التّفاوض.
-
تفرط في التّركيز على المخاطر: لا تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على عميلٍ واحدٍ أو شريكٍ واحدٍ. التّنوّع في قاعدة العملاء والشّركاء يقلّل من المخاطر، ويزيد من قيمة الشّركة في نظر المشترين.
-
تناقش التّقييمات قبل الأوان: اترك مسألة مناقشة التّقييمات للخبراء في عمليّات الاندماج والاستحواذ. الدّخول في هذه المحادثات قبل أوانها قد يؤدّي إلى سوء فهمٍ أو توقّعاتٍ غير واقعيّةٍ.
السّيرة الذّاتيّة للمؤلّفين:
- كريس ويليامز هو شريكٌ إداريٌّ في Bracewell LLP (دبي).
- أميليا بورينج هي شريكةٌ أولى في Bracewell LLP (دبي).
- جون كوتريل هو مديرٌ في JPC Advisors وeGateway Advisors.
نُشرت هذه المقالة لأول مرة في عدد نوفمبر من مجلة "عربية .Inc". لقراءة العدد كاملاً عبر الإنترنت، يُرجى النقر هنا.