دور التّنوّع في تحفيز الابتكار في المنطقة
لمحةٌ عن تنوّع مشهد ريادة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومساهمته في نموّها المتسارع
هذا المقال متوفر أيضاً باللغة الإنجليزية هنا
تبرز منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا بصفتها مركزاً عالميّاً سريع النّموّ لريادة الأعمال، حيث استقطبت الشّركات النّاشئة في المنطقة استثماراتٍ بلغت قيمتها 727 مليون دولارٍ أمريكيٍّ في الرّبع الثّالث من العام الجاري، لتحقّق زيادةً كبيرةً بنسبة 92% مقارنةً بالعام الماضي.
وبالإضافة إلى الازدهار الكبير للاستثمارات في المنطقة، حقّقت منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا زيادةً في التّنمية الاقتصاديّة، ونموّاً سريعاً في مشهد ريادة الأعمال المتنوّع بما فيه من جنسيّاتٍ وأنواعٍ اجتماعيّةٍ وقطاعاتٍ مختلفةٍ. ويسهم هذا التّنوّع في بناء شركاتٍ أكثر مرونةً وترسيخ مكانة المنطقة في مجال توفير الحلول المبتكرة للتّحدّيات العالميّة.
تنوّع المفاهيم يدعم الابتكار
تعدّ قدرة المنطقة على الاستفادة من المزيج الغنيّ من المفاهيم والخبرات المتنوّعة ركيزةً أساسيّةً للنّموّ الّذي تشهده ريادة الأعمال. ويساهم روّاد الأعمال من خلفيّاتٍ عرقيّةٍ واجتماعيّةٍ واقتصاديّةٍ ومهنيّةٍ متنوّعةٍ في خلق أفكارٍ نوعيّةٍ ومعالجة التّحدّيات بطرقٍ مبتكرةٍ.
كذلك يثمر التّنوّع عن تعزيز آليّات معالجة المشاكل، ممّا يمكّن الشّركات من تلبية مجموعةٍ أكبر من الاحتياجات السّوقيّة، ويساعدها أيضاً على التّكيّف مع تغيّرات سلوكيّات المستهلكين وإيجاد حلولٍ مرنةٍ ومبتكرةٍ. ونتيجةً لذلك، تشهد المنطقة نموّاً ملحوظاً في قطاعاتٍ متعدّدةٍ تشمل التّكنولوجيا الماليّة والصّحّيّة والطّاقة النّظيفة والصّناعات الإبداعيّة، بالتّوازي مع ظهور قطاعاتٍ جديدةٍ مثل تقنيّات الفضاء والتّكنولوجيا الزّراعيّة.
كذلك يؤدّي تعزيز الشّموليّة دوراً محوريّاً في هذا النّموّ، إذ نشهد في المنطقة ارتفاعاً ملحوظاً في عدد رائدات الأعمال وروّاد الأعمال الشّباب. وأشار استبيانٌ أجري مؤخّراً إلى أنّ 42% من الشّباب العرب يفضّلون تأسيس أعمالهم الخاصّة بدلاً عن العمل في وظائف تقليديّةٍ. إضافةً إلى ذلك، تساهم الجهود المبذولة لدعم رائدات الأعمال في تقليل الفجوة بين الجنسين، ممّا يعكّس تحوّل المشهد نحو بيئة أعمالٍ أكثر شموليّةٍ.
وتعدّ مسابقة الشّركات النّاشئة في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، الّتي تنظّمها كلّيّة لندن للأعمال وأفخر بالإشراف عليها في عام 2024، مثالاً واضحاً عن هذا التّحوّل. وشهدنا هذا العام تضاعف عدد المتقدّمين مقارنةً بالعام الماضي، حيث استقطبت المسابقة شريحةً متنوّعةً من المشاركين، مثّلت منهم النّساء من مؤسّسات الشّركات والمؤسّسين المشاركين نسبة 47%.
ويمتدّ هذا التّنوّع ليشمل المنطقة بأكملها، وليتضمّن مجموعةً كبيرةً من القطاعات في مقدّمتها تكنولوجيا الرّعاية الصّحّيّة، وتكنولوجيا الأغذية، وتكنولوجيا الأزياء، والتّجارة الإلكترونيّة والطّاقة النّظيفة. ويعزى هذا النّموّ الملحوظ إلى المكانة الرّياديّة البارزة الّتي تتمتّع بها الأسواق الرّئيسيّة في المنطقة مثل المملكة العربيّة السّعوديّة ودولة الإمارات ومصر. وبهدف الاستفادة من هذا النّموّ المتسارع، تعاونّا مع الهيئة العامّة للمنشآت الصّغيرة والمتوسّطة في السّعوديّة لإطلاق نسخةٍ خاصّةٍ من المسابقة في الرّياض، للاستفادة من واحدةٍ من أكبر منظومات ريادة الأعمال وأكثرها حيويّةً في المنطقة لتعزيز فرص الاستثمار وتسريع النّموّ وتسهيل الدّخول إلى الأسواق.
وفي ضوء زيادة نسبة الشّركات النّاشئة الّتي تركّز على الاستدامة من 3% إلى 24% العام الماضي، سعينا في هذا العام إلى إضافة محورٍ جديدٍ يركّز على الاستدامة بهدف دعم الشّركات النّاشئة الواعدة على إيجاد حلولٍ مبتكرةٍ نحو تحقيق مستقبلٍ أكثر استدامةً. ويساهم هذا التّنوّع الكبير في تعزيز ثقتي في الإمكانات الابتكاريّة للمنطقة وجاهزيّتها لمواجهة التّحدّيات في المستقبل.
ولا تقتصر أهداف المسابقة السّنويّة على توفير المنح التّمويليّة فحسب، بل تسعى إلى تمكين المشاركين من خلال توفير فرصٍ للتّعليم والتّدريب، والإرشاد والتّوجيه من أبرز قادة القطاع ومستثمري رأس المال الجريء والجهات الدّاعمة لمنظومة العمل مثل (إس تي في) وشركة تأثير الماليّة (إمباكت 46). ويهدف توفير هذه الموارد إلى تزويد الشّركات النّاشئة بالمهارات والخبرات اللّازمة لتحقيق النّجاح والازدهار في سوقٍ تنافسيّةٍ.
كذلك تحظى الشّركات الفائزة بفرصةٍ لاستعراض أفكارها أمام مستثمري رأس المال المغامر المحلّيّين والإقليميّين، ممّا يفتح الباب لفرص الحصول على استثماراتٍ إضافيّةٍ وإقامة شراكاتٍ استراتيجيّةٍ وتحقيق نموٍّ متسارعٍ. وتضمن هذه المنهجيّة المتكاملة والشّاملة للمشاركين إمكانيّة تحصيل الدّعم الماليّ والحوافز، والاستفادة من وسائل التّوجيه بما يلبّي احتياجاتهم والفرص المتاحة، ممّا يمهّد بدوره الطّريق لتحقيق تأثيرٍ مستدامٍ في قطاعاتهم.
أهمّيّة تنوّع منظومة ريادة الأعمال في النّموّ الاقتصاديّ لمنطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا
يتميّز مشهد الشّركات النّاشئة المتنوّع بحضوره القويّ، فضلاً عن دوره البارز في تحقيق منافع اقتصاديّةٍ حقيقيّةٍ. ويساهم روّاد الأعمال من منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا في تعزيز المرونة الاقتصاديّة للمنطقة، لا سيّما، وأنّهم يمثّلون مجموعةً من الخلفيّات والقطاعات المتنوّعة. وتحظى الشّركات الّتي تمتلك أفكاراً متنوّعةً بقدرةٍ أكبر على معالجة التّحدّيات مثل العمل المناخيّ أو الأوبئة العالميّة أو تقلّبات أسعار النّفط. وتبرز أهمّيّة هذه المرونة في المنطقة، لا سيّما وأنّ الحكومة تضع على رأس أجندتها الاقتصاديّة دعم روّاد الأعمال الشّباب وتوفير فرص العمل.
ولنأخذ المملكة العربيّة السّعوديّة مثالاً، حيث تسهم الصّناديق والبرامج مثل مؤسّسة "مسك" وبنك المنشآت الصّغيرة والمتوسّطة في دعم روّاد الأعمال الشّباب، وتعمل المبادرات مثل برنامج الجاهزيّة للمستقبل الرّقميّ واستراتيجيّة التّنمية الشّبابيّة على بناء قوّةٍ عاملةٍ مستعدّةٍ لتحقيق النّجاح في المستقبل. وتشمل هذه المنافع الاقتصاديّة أيضاً توفير فرص عملٍ والحدّ من عدم المساواة من خلال تشجيع المجموعات الّتي لا تحظى بتمثيلٍ كافٍ على المشاركة بشكلٍ أكبر، مثل السّيّدات والأفراد من خلفيّاتٍ اقتصاديّةٍ واجتماعيّةٍ مختلفةٍ.
وتبرز أهمّيّة روّاد الأعمال من خلفيّاتٍ متنوّعةٍ من خلال تقديمهم لمجموعةٍ واسعةٍ من الأنشطة الاقتصاديّة والاجتماعيّة. كما يتميّزون بفهمهم لاحتياجات مختلف فئات العملاء وتفضّيلاتهم، ما يتيح لهم فرصة الدّخول إلى أسواقٍ جديدةٍ وتقديم منتجاتٍ وخدماتٍ حصريّةٍ لشريحةٍ أوسع من الجمهور. ونجح العديد من روّاد الأعمال في إطلاق خدماتٍ مخصّصةٍ للسّكّان المحلّيّين والوافدين في كلٍّ من دولة الإمارات والسّعوديّة، ممّا أسهم في دفع نموّ الشّركات على الصّعيدين المحلّيّ والعالميّ.
وبالإضافة إلى المنافع الاقتصاديّة، يسهم روّاد الأعمال في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا بدورٍ بارزٍ في إحداث تغييرٍ اجتماعيٍّ أوسع، حيث يعملون على تجاوز العقبات ودعم الإصلاحات التّنظيميّة، ويدعمون تعزيز الممارسات في مجالي الشّفافيّة والحوكمة. ويثمر هذا النّوع من النّموّ الشّامل عن تعزيز استقرار الاقتصادات، مع المساعدة في الحدّ من مخاطر عدم الاستقرار السّياسيّ، ممّا يشجّع على دفع عجلة التّنمية المستدامة طويلة الأمد في مختلف أنحاء المنطقة.
تطلّعاتٌ واعدةٌ لتحقيق مستويات نموٍّ استثنائيّةٍ
تمتلك منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا الإمكانات اللّازمة لمواصلة ريادتها في مجالي الابتكار وريادة الأعمال على المستوى العالميّ، إلى جانب تنوّع فئات روّاد الأعمال الّذي يشكّل عنصراً ضروريّاً لاستمرار هذا الزّخم. ويساعد التّنوّع الكبير لمشهد ريادة الأعمال في المنطقة على الحفاظ على قدرتها التّنافسيّة عالميّاً، بالإضافة إلى تمكينها من توفير حلولٍ تتناسب مع مجموعةٍ واسعةٍ من التّحدّيات والأسواق. وتمثّل المنصّات المختلفة، مثل مسابقة كلّيّة لندن لإدارة الأعمال للشّركات النّاشئة في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، عاملًا هامّاً في تعزيز هذه الجهود وبناء مستقبلٍ مزدهرٍ في ميادين الابتكار.
وينبغي لصنّاع السّياسات والمستثمرين مواصلة جهودهم للاستفادة من هذه الإمكانات الكامنة. ومن الضّروريّ أيضاً توفير الدّعم لمختلف مبادرات ريادة الأعمال والاستثمار فيها من أجل دفع عجلة النّموّ الاقتصاديّ طويل الأمد والابتكار المرتكز على مبادئ الاستدامة في المنطقة. ويمكن للمنطقة الاستمرار بريادتها في مجالي الابتكار والتّنمية الاقتصاديّة خلال السّنوات المقبلة من خلال دعم هذا التّنوّع.
السّيرة الذّاتيّة للمؤلّف
شغل حمد الشّهاب سابقاً منصب رئيس قسم الاستراتيجيّة والماليّة والحوكمة لدى مركز الابتكارات وتطوير المنتجات في شركة أرامكو (لاب 7)، ويتابع دراسته حاليّاً للحصول على درجة الماجستير في الماليّة من كلّيّة لندن لإدارة الأعمال. كما يتولّى الإشراف على مسابقة كلّيّة لندن لإدارة الأعمال للشّركات النّاشئة في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا 2024.