دور الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية في الخليج العربي
تستفيد الرعاية الصحية بشكل كبير من دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف مجالاتها. ورغم أن بعض الوظائف قد تتلاشى بسببه، تظل هناك مهام تعصى على الذكاء الاصطناعي؛ نظراً للطابع الإنساني الذي تتطلبه
هذا المقال متوفر أيضاً باللغة الإنجليزية هنا
تتطلّب الرّعاية الصّحية مزيجاً من اللمسة الإنسانية والخبرة الفنية لتقديم الرعاية الرحيمة وإنقاذ الأرواح. ومع تقدم التكنولوجيا، أصبحت التقنيات الحديثة مثل التصوير الطبي، التشخيص، الجراحة الروبوتية، التطبيب عن بُعد، والذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من هذا القطاع. فما هو الدور الذي سيلعبه الذكاء الاصطناعي في مستقبل الرعاية الصحية في منطقتنا؟
الذكاءُ الاصطناعيُّ والرعايةِ.. علاقة ليست بجديدة
منذُ إطلاقِ ChatGPT في عام 2022، أصبحَ الذكاءُ الاصطناعيُّ التوليديُّ (Generative AI) محطَّ الأنظار. لكنَّ استخدامَ الذكاءِ الاصطناعيِّ في الرعايةِ الصحيةِ ليسَ بالأمرِ الجديدِ. ففي منتصفِ الستينيات، طوَّرت جامعةُ ستانفورد برنامجَ DENDRAL لمساعدةِ الكيميائيينَ العضويينَ في تحديدِ الجزيئاتِ العضويةِ غيرِ المعروفةِ. وفي أوائلِ السبعينيات، بدأت الجامعةُ نفسها بتطويرِ برنامجِ MYCIN لعلاجِ التهاباتِ الدم، والذي قدَّمَ تشخيصاتٍ مبنيةً على أعراضِ المرضى ونتائجِ الفحوصاتِ.
ثم جاءت الثمانينياتُ والتسعينياتُ لتشهدَ تقدُّماتٍ هائلةً في أنظمةِ الذكاءِ الاصطناعيِّ، حيثُ أصبحَ من الممكنِ جمعُ ومعالجةُ البياناتِ بسرعةٍ فائقةٍ، ما ساعدَ في إجراءِ عملياتٍ جراحيةٍ بدقةٍ عاليةٍ وتعزيزِ إدارةِ السجلاتِ الصحيةِ الإلكترونيةِ.
دولُ مجلسِ التعاونِ الخليجيِّ تتصدرُ الابتكارَ في الذكاءِ الاصطناعي
تسعى دولُ مجلسِ التعاونِ الخليجيِّ بجديةٍ لتبني وتطويرِ تقنياتِ الذكاءِ الاصطناعيِّ في قطاعِ الرّعايةِ الصّحيةِ، ما جعلها تتصدّرُ الابتكارَ على المستوى العالميِّ. تقريرٌ لشركةِ برايس ووترهاوس كوبرز يوضِّحُ أنَّ هذه الجهودَ تضعُ دولَ المجلسِ في مقدمةِ الابتكارِ العالميِّ.
فعلى سبيل المثال، في أكتوبر 2023، أطلقت وزارةُ الصحةِ ووقايةِ المجتمعِ في الإماراتِ أولَ مركزٍ للتميُّزِ في مجالِ الذكاءِ الاصطناعيِّ في الدولةِ. يهدفُ هذا المركزُ إلى رقمنةِ البياناتِ الصحيةِ وتوظيفِ التقنياتِ الذكيةِ لإنشاءِ نظامٍ بيئيٍّ رقميٍّ شاملٍ. وفي مايو من نفسِ العام، تعاونت دائرةُ الصحةِ في أبوظبي مع جامعةِ محمدٍ بن زايد للذكاءِ الاصطناعيِّ وشركةِ Core42 لإطلاقِ الأكاديميةِ العالميةِ للرعايةِ الصحيةِ باستخدامِ الذكاءِ الاصطناعيِّ. هذه الأكاديميةُ تهدفُ إلى تدريبِ المتخصصينَ في الرعايةِ الصحيةِ على استخدامِ الذكاءِ الاصطناعيِّ لتحسينِ الكفاءةِ التشخيصيةِ والتشغيليةِ وتعزيزِ رعايةِ المرضى.
تطبيقاتُ الذكاءِ الاصطناعيِّ في الرعايةِ الصحيةِ
تمتدُّ استخداماتُ الذكاءِ الاصطناعيِّ في الرعايةِ الصحيةِ إلى مجالاتٍ عديدةٍ. فقد أعلنت شركةُ Insilico Medicine في أبوظبي، في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهرِ، عن تطويرِ أولِ دواءٍ بالكاملِ بواسطةِ الذكاءِ الاصطناعيِّ. هذا الدواءُ، الذي وصلَ إلى مراحلَ متقدمةٍ من التجاربِ السريريةِ، يهدفُ إلى علاجِ التليفِ الرئويِّ مجهولِ السببِ (IPF)، وهوَ مرضٌ رئويٌّ مميتٌ. العلماءُ في الشركةِ استخدموا منصةَ الذكاءِ الاصطناعيِّ لتحديدِ بروتينٍ جديدٍ يمكنُ تثبيطُه لوقفِ أو عكسِ تقدُّمِ المرضِ.
ولا تقتصرُ استخداماتُ الذكاءِ الاصطناعيِّ على الجانبِ الطبيِّ فقط، بل تمتدُّ إلى الجانبِ الإداريِّ للرعايةِ الصحيةِ أيضاً. في السعوديةِ، تستخدمُ مدينةُ الملك عبدِ العزيز الطبيةِ تقنياتِ التعلُّمِ الآليِّ لتحليلِ بياناتِ المرضى والتنبؤِ بمن قد يفوتون مواعيدَهم. أما في دبي، فقد تعاونت مدينةُ دبي الطبيةُ مع شركةِ KLAIM لإدارةِ مطالباتِ التأمينِ والتدفقِ النقديِّ باستخدامِ حلولٍ تعتمدُ على الذكاءِ الاصطناعيِّ، مما أدى إلى تحسينِ الأداءِ وتسريعِ معالجةِ المطالباتِ لتتم خلالَ 24 ساعةً فقط، مقارنةً بوقتِ المعالجةِ التقليديِّ الذي قد يستغرقُ حتى ثلاثةَ أشهرٍ.
تأثيرُ الذكاءِ الاصطناعيِّ على مستقبلِ الرعايةِ الصحيةِ
تشيرُ التقديراتُ إلى أنَّ الذكاءَ الاصطناعيَّ سيضيفُ حوالي 15.7 تريليون دولار إلى الاقتصادِ العالميِّ بحلولِ عام 2030. في الشرقِ الأوسطِ، ومن المتوقعِ أن يصلَ هذا الرقمُ إلى حوالي 320 مليار دولار، مع استفادةِ السعوديةِ والإماراتِ بشكلٍ كبيرٍ. في مجالِ الرعايةِ الصحيةِ، يشيرُ التقريرُ إلى أنَّ الدعمَ التشخيصيَّ القائمَ على البياناتِ هوَ من أبرزِ الاستخداماتِ المحتملةِ، حيثُ يمكنُ للذكاءِ الاصطناعيِّ الكشفُ عن انحرافاتٍ صغيرةٍ في حالةِ المريضِ، مما يسمحُ بالتدخلِ المبكرِ والعلاجِ الفعَّالِ.
الوظائفُ المتأثرةُ بالذكاءِ الاصطناعي
على الرغمِ من القلقِ من أنَّ الذكاءَ الاصطناعيَّ قد يحلُّ محلَّ العاملينَ في مجالِ الرعايةِ الصحيةِ، إلا أنَّ العديدَ من الخبراءِ يرونَ أنه سيكونُ مساعداً قويّاً لهم بدلاً من أن يكونَ بديلاً. وفقاً للمنتدى الاقتصاديِّ العالميِّ، سيحوِّلُ الذكاءُ الاصطناعيُّ الرعايةَ الصحيةَ بطرقٍ عدةٍ بحلولِ عام 2030، منها الرعايةُ التنبؤيةُ، المستشفياتُ المتصلةُ بشكلٍ أفضلَ، وتحسينُ تجاربِ المرضى والموظفين. يمكنُ للذكاءِ الاصطناعيِّ تحليلُ الفحوصاتِ الطبيةِ، تحديدُ الأنماطِ، والمساعدةُ في تشخيصِ الأمراضِ، بالإضافةِ إلى تبسيطِ المهامِّ الإداريةِ مثلَ الجدولةِ والفوترةِ ومعالجةِ المطالباتِ بشكلٍ أسرعَ وأكثرَ دقةً من البشرِ.
لكن، لا يمكنُ للذكاءِ الاصطناعيِّ تكرارُ التعاطفِ والذكاءِ العاطفيِّ والتفاعلِ البشريِّ الذي يشكِّلُ جوهرَ الرعايةِ الصحيةِ. لذا، ستظلُّ أدوارٌ مثلَ الممرضاتِ والأطباءِ والمعالجينَ والمستشارينَ غيرَ قابلةٍ للاستبدالِ.
الاعتباراتُ الأخلاقيةُ
ومع كلِّ الفوائدِ التي يقدِّمُها الذكاءُ الاصطناعيُّ، تبرزُ أيضاً تحدياتٌ جديدةٌ تتعلقُ بالأخلاقِ والقانونِ والأمانِ. تشكِّلُ تطبيقاتُ الذكاءِ الاصطناعيِّ مصدرَ قلقٍ كبيرٍ فيما يخصُّ أمنَ البياناتِ والخصوصيةَ، حيثُ تُعدُّ السجلاتُ الصحيةُ هدفاً رئيسياً للمتسللينَ. لهذا السببِ، أصبحَ من الضروريِّ أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى تبنِّي حوكمةٍ فعَّالةٍ لحمايةِ البياناتِ وضمانِ الامتثالِ للقوانينِ والمعاييرِ الأخلاقيةِ.