الرئيسية الريادة دولة الإمارت تسعى لتعزيز دور المرأة في مجالس إدارة الشركات

دولة الإمارت تسعى لتعزيز دور المرأة في مجالس إدارة الشركات

تمثيل المرأة في مجالس الإدارة يعيد رسم ملامح الثقّافة المؤسّسية، ويحسّن ديناميكيّات صنع القرار

Randall S. Peterson
images header

هذا المقال متوفر أيضاً باللغة الإنجليزية هنا

يعتبر القرار الجديد الذي اتخذته حكومة دولة الإمارات بزيادة تمثيل المرأة في مجالس الإدارة، تجسيداً لرؤية الدولة في تعزيز التوازن بين الجنسين وخلق فرص جديدة لتمكين المرأة في قطاع الأعمال وتعزيز حضورها في مواقع صنع القرار والمراكز القيادية. وستحقق هذه المبادرة نتائج إيجابية إذا التزمت جميع الشركات من القرار الجديد، ولم تكتف بالامتثال للحد الأدنى منها، إذ إن التمثيل في مجالس الإدارة ليس هدفاً بحد ذاته بل تمكين المرأة من إحداث تأثير ملموس في مجالس الإدارة.

حقق العالم تقدماً كبيراً في جهود زيادة تمثيل المرأة في مجالس إدارة الشركات خلال الـ 21 عاماً منذ أن أصدرت النرويج في عام 2003 قانوناً هو الأول من نوعه يجبر الشركات على أن تكون هناك حصص للجنسين في مجالس إدارتها. وفرضت العديد من الدول الأوروبية على الشركات المدرجة أن تشغل المرأة ما لا يقل عن 40% من مقاعد مجالس الإدارات فيها. ورفعت الولايات الأمريكية، بما في ذلك كاليفورنيا، النسبة المستهدفة لتمثيل المرأة إلى 50% لتحقيق المساواة الكاملة. وفي المملكة المتحدة، ارتفع عدد السيدات في مجالس إدارة الشركات المدرجة في مؤشر فوتسي من 5% إلى 40% خلال الـ 15 عاماً الماضية.

وبدورها، شهدت دولة الإمارات تغييرات ملحوظة، حيث أظهر تقرير المؤشر الجنساني لمجالس إدارة الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2024 أن نحو 11% من الشركات المدرجة في الأسواق المالية في دولة الإمارات تضم نساء في مجالس إداراتها، لتحتل المرتبة الأولى إقليمياً في هذا المجال.

وتعتبر دولة الإمارات الأولى في منطقة الشرق الأوسط التي تطلق مبادرة "المرأة في مجالس الإدارة" في 2012، كما قامت بتأسيس مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين في 2015 دعماً لجهود الدولة للارتقاء في قائمة أفضل 25 دولة في العالم في مؤشر المساواة بين الجنسين بحلول 2021.

وألزم القرار الصادر في 2021 الشركات بضرورة وجود تمثيل للمرأة في مجلس الإدارة على ألا تقل نسبة تمثيل المرأة في كل مجلس إدارة شركة مدرجة عن عضو واحد، مما ساهم بإحداث تغيرات إيجابية ملموسة. وأظهرت دراسة أجرتها آرورا 50، المؤسسة الاجتماعية التي تعمل على تحقيق التكافؤ بين الجنسين في مجالس إدارة دول مجلس التعاون الخليجي، في عام 2022 بالتعاون مع كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، تحقيق خطوات كبيرة لتحسين وصول المرأة إلى المناصب القيادية في الشركات المدرجة، حيث ارتفعت أعداد السيدات في تلك المناصب خلال عامين من 29 مقعداً في عام 2020 إلى 77 مقعداً في عام 2022.

وقالت الدراسة أيضاً إن المرأة تشغل 8.9% من مقاعد مجالس الإدارة البالغ عددها 868 مقعداً في 115 شركة مدرجة في سوق أبوظبي للأوراق المالية وسوق دبي المالي حتى يونيو 2022، لتحقق بذلك ارتفاعاً عن النسبة المسجلة في عام 2020 والبالغة 3.5%.

كما حظيت دولة الإمارات بمراكز أعلى في تصنيفات ومؤشرات الحد من التمييز بين الجنسين، حيث تقدمت في مارس 2024 أربع درجات عن التصنيف السابق لتحقق المركز السابع عالمياً للدول الداعمة لتعزيز المساواة بين الجنسين على مؤشر المساواة بين الجنسين ضمن تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

وينص القرار الجديد على تخصيص مقعد واحد على الأقل للمرأة في مجالس إدارة الشركات المساهمة الخاصة في دولة الإمارات اعتباراً من يناير 2025، ما يعتبر خطوة مهمة نحو تعزيز حضور وتمثيل المرأة في المناصب القيادية العليا في القطاع الخاص.

إن هذا القرار جدير بالثناء، إذ إن وضع هدف معلن لزيادة تمثيل المرأة في مجالس الإدارة أمر مهم للغاية، إلا أنه يمثل أولى الخطوات فقط، حيث لا يضمن تغيير نسبة تمثيل الجنسين في تلك المجالس قيام المرأة بدور فاعل في اتخاذ القرارات.

إن تعزيز دور المرأة في مجالس الإدارة أمر مهم للغاية لتحقيق التنوع في المعارف والمهارات والخبرات، مما يُثري وجهات النظر المعروضة في تلك المجالس ويرتقي بعملية اتخاذ القرارات فيه، والتي تمثل الركيزة الأساسية لتحقيق النجاح في الشركات.

ويشير تقرير "فعالية التنوع في مجالس إدارة الشركات المدرجة في مؤشر فوتسي 350"، الذي أصدره كل من معهد القيادة في كلية لندن لإدارة الأعمال وشركة إس كيو دبليو لمجلس التقارير المالية في المملكة المتحدة (الجهة المنظمة لمجالس الإدارة المدرجة في البورصة)، إلى أن معظم الشركات المدرجة في مؤشر فوتسي 350 قد استفادت من زيادة التنوع في مجالس إدارتها. كما أظهر التقرير أن زيادة تمثيل المرأة في مجلس الإدارة يعيد رسم ملامح ثقافة المجلس وديناميكياته، وخصوصاً عند الأخذ بأفكار واقتراحات السيدات في المجلس بعين الاعتبار.

وتحقق الشركات منفعتين رئيسيتين من تعزيز دور المرأة في مجالس إدارتها. أولاً، تحظى تلك الشركات بعملية صنع قرار أكثر تعاوناً، حيث أظهرت الدراسة أن مجالس الإدارة عادة ما تأخذ الوقت الكافي للتوصل إلى فهم مشترك للمشكلة عند حدوث تباين أو اختلاف في الآراء، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات تحظى بتأييد أكبر. ثانياً، أظهرت هذه المنهجية التعاونية والشمولية تحسناً ملحوظاً في أداء الشركات والعلاقات مع المساهمين، حيث شهدت الشركات التي تضم أعضاء فاعلين من السيدات في مجالس إدارتها ارتفاعاً يصل إلى 10% في عائدات الأسهم، واعتراضاً رسمياً أقل بنسبة 8% من المساهمين على قرارات مجلس الإدارة.

ومع ذلك، فإن هذا النوع من النتائج الإيجابية غير مضمون، حيث تشير البيانات الواردة من ردود أفعال الشركات على قرار كاليفورنيا بشأن تمثيل المرأة في مجالس الإدارة إلى أن هذه الإجراءات الحكومية لا تؤثر دائماً على أداء الشركات،

على الرغم من أنها تُحدث فارقاً كبيراً في نسب التمثيل. واتضح أن التوجه العالمي للشركات قد أحدث فرقاً كبيراً، حيث يؤدي اعتماد قادة الشركات للقيم الثقافية التي تشير إلى كونهم "مواطنين عالميين" إلى تعزيز قدرتها على الوفاء بالحصص المطلوبة، أو ربما تخطيها، فضلاً عن تحقيق التميز في الأداء المالي.

وتتضح هنا أهمية الثقافة المؤسسية، حيث يسهم تشجيع تلك الثقافة على اعتماد مبدأ المحاصصة والاستفادة منه بالشكل الأمثل (الأخذ بالاعتبار وجهة نظر المرأة) في تعزيز وصول صوت المرأة وتحسين آلية صنع القرارات وأداء الشركات. وفي المقابل، عندما تدفع تلك الثقافة القادة للشعور بالتحفظ على زيادة حصة المرأة في مجالس الإدارة، فقد يجدون صعوبة في القبول بنسبها أو يلتزمون بالأحد الأدنى منها، ولن يكون ذلك كافياً لتغيير آلية صنع القرار (مما يؤكد شكوكهم حول نسبة المحاصصة بين الجنسين).

الجدير بالإعجاب أن القرار الجديد الذي اتخذته دولة الإمارات يهدف إلى تعزيز الجهود الرامية لتحقيق رؤية الدولة في تعزيز التوازن بين الجنسين وخلق فرص جديدة لتمكين المرأة في قطاع الأعمال وتعزيز حضورها في مواقع صنع القرار والمراكز القيادية. وآمل أن يستند التزام الشركات بالقوانين الجديدة إلى تحقيق الغاية الأساسية منها، إذ إن تمثيل المرأة في المجلس ليس كافياً لإحداث تغييرات ملحوظة.

ويتوجب على الشركات توفير بيئة تتسم بالأمان والشمولية يتم فيها الاستماع إلى آراء المرأة لتمكينها وتعزيز دورها في مجلس الإدارة. كما يجب أن تكون هناك منهجية متعددة الجوانب تجاه التنوع، يكون فيها الأعضاء المخضرمون في مجالس الإدارة على استعداد لوضع مكانتهم المرموقة وخبراتهم جانباً، والاستثمار في بناء ثقافة قائمة على الشمولية، فالهيمنة لا تؤدي إلى قرارات أفضل، بينما يضمن التنوع المُدار بكفاءة ذلك.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: