دولُ الخليجِ تتصدّرُ ثورةَ العمر المديد
الإماراتُ والسُّعودية تدعمان أبحاثاً علميَّةً تهدفُ لتأخيرِ الأمراضِ المرتبطةِ بالشَّيخوخة وبدءِ عصرٍ جديدٍ من الرّعاية الصّحيّة الوقائيَّة
هذا المقال متوفر أيضاً باللغة الإنجليزية هنا
تخيَّلوا لو أنَّنا بدلاً من أن نتقدَّمَ في العمرِ، ونصابَ بالأمراض في نهاية حياتِنا، أمكننا أن نعيش حياةً أطول وأكثر نشاطاً وحيويَّةً، تخيَّلوا لو أنَّنا بدلاً من أن نُنفِقَ المال، ونبذلَ الجهد على علاجِ الأمراضِ القابلةِ للوقاية، استطعنا التَّنبُّؤَ بها ومنعَها قبل أن تحدثَ. هذا هو الهدفُ الذي تسعى إليه أبحاثُ العمرِ المديد وعلومُ الصّحَّة.
يقولُ محمود خان، الرَّئيس التَّنفيذيُّ لمؤسَّسة Hevolution في السُّعودية، وهي مؤسَّسةٌ غير ربحيَّةٍ تهدفُ إلى تحفيزِ البحث والتَّمويل في مجالِ علومِ الصّحَّة: "تُعدُّ الشَّيخوخةُ من التَّحدّيات العالميَّة التي تواجهُ البشريَّة بجانب التَّغيُّر المناخيّ، والبيئة، والجوع العالميّ، والفقر".
أصبحت قضية الشَّيخوخة ملحَّةً إلى حدٍّ دفع الجمعيَّة العامَّة للأمم المتَّحدة إلى إعلان العقد 2021-2030 عقد الأمم المتَّحدة للشَّيخوخة الصّحيَّة.
قال محمد ناصر، المدير العام لشركة أمجن (Amgen) في الشّرق الأوسط وأفريقيا، لمجلة عربية .Inc: "تُعَدُّ الرّعايةُ الصّحيةُ مهمّةً معقّدةً، خاصّةً مع شيخوخةِ السّكانِ، والتّغيراتِ في نمطِ الحياةِ، والتّفشي المتكرّرِ للأوبئةِ، وزيادةِ الأمراضِ غيرِ المعديةِ. لكنّ الخبرَ الجيدَ هو أنّه بفضلِ التّقدّمِ في اكتشافِ الأدويةِ وتحسينِ إدارةِ البياناتِ، يمكن الآن الوقايةُ من العديدِ من هذه الحالاتِ والتّنبؤُ بها وعلاجُها بشكلٍ أفضلَ بكثيرٍ ممّا كان عليه الحالُ قبلَ عقودٍ".
منذ السّتينيات، ارتفع متوسطُ عمرِ السُّكَّان العالميّ من 54 إلى 73 عاماً، ومع ذلك، فإنَّ فترةَ المرض التي نعاني منها لم تتغيَّر، حيث يقضي معظمُ النَّاس نصفَ حياتهم في حالةٍ صحيَّةٍ متدهورةٍ إلى متوسطةٍ، و12% من حياتهم في حالةٍ صحيَّةٍ سيئةٍ، وفقاً لدراسةٍ أجراها معهدُ ماكينزي للصّحَّة، وفي الواقع، تقدِّر منظَّمة الصِّحَّة العالميَّة أنَّنا نفقد عقداً من حياتنا بسبب تدهور الصّحَّة. ويهدفُ علمُ العمرِ المديد إلى استعادةِ هذا العقدِ المفقود، ويسعى كذلك إلى تحسينِ جودةِ الحياة في السَّنوات المتبقية.
اليوم، هناك مليارُ شخصٍ فوق سنّ السّتين، وبحلول عام 2050، سيتضاعفُ هذا العدد ليصلَ إلى ملياري شخصٍ، وهذا يعني أنَّ 21% من سكَّان العالم، أي حوالي 2.2 مليار شخصٍ، سيكونون فوق سنّ السّتين بحلول عام 2050، وفقاً لمنظَّمة الصّحَّة العالميَّة.
هذا وتستحوذُ تكاليف العناية بالأشخاص فوق سنّ السّتين على حوالي نصفِ إلى ثلثي جميعِ تكاليفِ الرّعايةِ الصّحيَّة في البلدان المتقدّمة، حسبما يقولُ خان، وهو رقمٌ من المتوقَّع أن يرتفعَ بشكلٍ كبيرٍ مع تغيُّر التَّركيبة السُّكَّانيَّة.
الأهمُّ من ذلك، هو أنَّ الدُّولَ تركِّز جهودَها على تخفيفِ أعراضِ الشَّيخوخة، بينما تقلُّ استثماراتُها في فهمِ الأسبابِ الجذريَّةِ لهذه الظَّاهرة، وقد أشارت دراسةٌ حديثةٌ لمنظَّمةِ الصّحَّةِ العالميَّة إلى أنَّ عبءَ السَّرطان سيصلُ إلى 35 مليون حالةٍ بحلولِ عام 2050، بزيادةٍ قدرُها 77% مقارنةً بالوضعِ الحاليّ.
يقول خان: "وضعُ الشَّيخوخة اليوم أشبهُ بوضع السرطان قبل أربعين عاماً؛ فالاهتمامُ موجودٌ، لكنَّ الوعيَ بالإمكاناتِ المتاحة ما يزالُ محدوداً".
وهنا يبرزُ دورُ سوقِ علومِ العمرِ المديد، الذي يسعى إلى تقليلِ عددِ السَّنوات التي نقضيها في حالةٍ صحيَّةٍ متدهورةٍ، وبالتَّالي يخفِّفُ من "عبء المرض" على المجتمعِ والحكوماتِ والمؤسَّسات الصّحيَّة.
ويضيفُ محمد ناصر، المدير العام لشركة Amgen في الشَّرقِ الأوسط وأفريقيا: "هدفُنا من فهمِ جينات الأمراض هو استثمارُ هذه المعرفة في تطويرِ وسائل جديدةٍ لتشخيصِ الأمراض وعلاجِها والوقاية منها".
تشيرُ التَّقديراتُ إلى أنَّ الصّناعةَ النَّاشئة، التي تجمعُ بين التُّكنولوجيا الحيويَّة والأدويةِ والتُّكنولوجيا الماليَّة والذَّكاءِ الاصطناعيِّ والرُّوبوتات، ستصلُ قيمتُها إلى 44.2 مليار دولارٍ بحلول عام 2030، وفقاً لـ UN Decade of Healthy Aging. ومع ذلك، يلفتُ تقريرٌ من &strategy النَّظرَ إلى أنَّ هذه التَّقديراتِ لا تَأخذُ في الحسبان الإمكانيَّاتِ الكاملةَ لهذه الصّناعة في استبدالِ العلاجات التَّقليديَّة.
قال ناصر: "يلعب الوصولُ إلى الحلولِ الطبيّةِ المبتكرةِ، والتّنبؤُ بالأمراضِ، والكشفُ المبكّرُ عنها، والوقايةُ منها، وإدارتها في مراحلِها الأولى، دوراً محوريّاً في تحسينِ نتائجِ الصّحةِ العامةِ. أمراضُ القلبِ وهشاشةُ العظامِ مثالان واضحان على ذلك".
وأضاف: "الهدفُ من فهمِ الجيناتِ المرتبطةِ بالأمراضِ هو استخدامُ هذه المعرفةِ لابتكارِ طرقٍ جديدةٍ للتّشخيصِ والعلاجِ والوقايةِ. وأكَّدَ أنَّ دمجَ علمِ الجينومِ مع الذّكاءِ الاصطناعيِّ سيُحْدِثُ تأثيراً كبيراً في اكتشافِ أدويةٍ جديدةٍ تساعدُ المرضى الّذين يعانونَ من الأمراضِ المرتبطةِ بالتّقدمِ في العمرِ."
قيادةُ مجلسِ التّعاونِ الخليجي
على الرَّغم من أنَّ منطقةَ الشَّرقِ الأوسطِ وشمالِ أفريقيا ومجلسِ التَّعاون الخليجيِّ تتمتَّعُ بتركيبةٍ سكانيَّةٍ شابَّةٍ نسبيّاً، إلَّا أنَّ التَّحدّيَ الكبيرَ يكمن في أنَّ النَّاسَ يصابون بالأمراض المرتبطةِ بالعمر في مراحلَ مبكّرةٍ من حياتِهم، وفي البلدان ذات الدَّخلِ المتوسطِ والمنخفض، تُخصَّص معظمَ ميزانيَّات الرّعاية الصّحيَّة للتَّعاملِ مع التَّحدّياتِ الملحَّة، ممَّا يُؤجِّلُ الاستثمارَ في الرّعاية الصّحيَّة الوقائيَّة طويلة الأجل.
لكنَّ الوضعَ يختلفُ في دولِ مجلس التَّعاون الخليجيّ، حيث تتصدَّرُ الإماراتُ والسُّعودية هذا القطَّاع مع التّركيز على الأبحاثِ التي يمكن أن تعزِّز علوم الصّحَّة على المستوى المحليّ والعالميّ. وهذه العلاجات، التي قد يستغرق تطويرُها أكثرَ من عقدٍ، تتطلَّبُ ميزانياتٍ ضخمةٍ تصلُ إلى مليارات الدُّولارات.
في السّعودية، أسهمت الاستثماراتُ الكبيرةُ في صناعةِ العمرِ المديد والرّعاية الصّحيّة الوقائيَّة كجزءٍ أساسيٍّ من رؤية السُّعودية 2030، في دفع عجلة الاستثمارات الواسعة في علوم الصحة داخلياً وخارجياً، ويأتي هذا الجهدُ ضمن إطار إنشاء مؤسَّسة Hevolution، وهي مؤسَّسةٌ غير ربحيَّةٍ تُقدِّم منحاً، وتستثمر في الأبحاث المبكِّرة والشَّركات النَّاشئة في مجالاتِ علوم الحياة والتُّكنولوجيا بمبالغَ تصلُ إلى مليار دولارٍ سنويّاً.
وفي الإمارات، تتواصل الجهود لبناء مركزين جديدين للبحث والتَّطوير متخصِّصين في العمرِ المديد، ومن المتوقَّع أن يصل حجمُ هذا القطَّاع إلى 23 مليار دولارٍ بحلول عام 2026، وفقاً لتقارير Deep Knowledge Group، في مدينة مصدر بأبوظبي، افتتحت شركة Insilico المدعومة من أرامكو أكبرِ مركز أبحاثٍ في التُّكنولوجيا الحيويَّة مدعومٍ بالذَّكاء الاصطناعيّ في الشَّرق الأوسط في فبراير من العام الماضي، ويهدفُُ إلى استخدامِ الذَّكاء الاصطناعيّ لاكتشاف أدويةٍ يمكنها إطالةُ عمرِ الإنسان.
لكنَّ المبادراتِ مثل برنامج الجينوم الإماراتيّ التَّابع لمجلس الإمارات للجينوم، الذي يجمع بين دراسة الجينات والذَّكاء الاصطناعيّ لتحسين الصّحَّة والرَّفاهية، هي التي تضع الإمارات في صدارة أبحاثِ العمرِ المديد، يهدفُ هذا البرنامج، الذي يدمج البيانات الجينوميَّة في الرّعاية الصّحيَّة، إلى تسهيل التَّشخيص والعلاج المتقدّمين، وتقديم برامج علاجٍ وقائيَّةٍ مخصّصةٍ للأمراض الجينيَّة.
وترى وريد العنيني، مؤسِّسةُ شركة Twinn Health، وهي شركةٌ ناشئةٌ في المملكة المتّحدة متخصّصةٌ في التَّشخيص المبكّر للأمراضِ المرتبطةِ بالعمر، أنَّ آفاقَ المنطقةِ لقيادةِ هذه الصّناعة واعدةٌ، وتقول: "ما زلنا لا نعرف من سيتزعَّم هذه الصّناعة، وهذا يتيح للشَّرق الأوسط، وبالأخصّ السعودية، فرصةً لتكون رائدةً في هذا المجال".
نُشرت نسخةٌ من هذا المقال لأول مرة في عدد مايو/يونيو من مجلة عربية .Inc الرّقمية لقراءة العدد كاملاً، انقر هنا.