فخ الانحيازات الإدراكية: كيف يتّخذ الأذكياء قرارات غبية؟
اكتشف كيف يُمكن أن توقعنا الثّقة الزّائدة بالذكاء في فخ التحيزات المعرفية، وتعرّف على الطّرق الفعّالة للتّغلب على هذه المشكلة
هناك نوعٌ معيّنٌ من الأشخاصِ الأذكياء الّذين يُحبّون إبراز عيوب تفكير الآخرين، وElon Musk أحدهم، فقدَ نشرَ على منصّة X قائمةً طويلةً من التّحيّزات المعرفيّة الّتي يُعتقد بوجوبِ تعليمها في المدارس؛ حتّى يتعلّمَ الأطفال التّفكير بشكلٍ أكثر عقلانيةً. ومع ذلك، فإنّ الإنترنتَ مليءٌ بمقالاتٍ ومنشوراتٍ من أشخاصٍ أقلّ شهرةً يتحدّثون عن مدى سهولة وقوع النّاس في مغالطاتِ وأخطاءِ التّفكير. [1]
منطقيّاً، إذا كُنتَ تسعى لتحقيقِ الذّكاء والعقلانيّة، فإنّ تسليحَ نفسكَ بمعرفةِ الطّرق الّتي يُمكن أن تُخطئ بها في تفكيركَ يبدو أمراً معقولاً. ولكن كما حذّر عالمُ النّفس في جامعة Wharton والمؤلّف الشّهير Adam Grant في مؤتمرِ Brilliant Minds الّذي عُقدَ في ستوكهولم، السّويد، فإنّ التّركيزَ على أخطاء الآخرين له جانبٌ سلبيٌّ خفيٌّ لأولئكَ الّذين يرغبون في تحسينِ ذكائهم، وقد يكون الأشخاص الأذكى هم الأكثر وعياً بالتّحيّزات المعرفيّة بشكلٍ عامٍّ، لكنّهم أيضاً الأكثر عرضةً لتجاهل تحيّزاتهم الخاصّة بسبب الثّقةِ الزّائدةِ، ويٌحذّر Grant من أنّ الأشخاصَ الأذكياء غالباً ما يقعون في فخّ اعتقادهم بأنّهم محصّنون ضدّ التّحيّزاتِ.
شاهد أيضاً: نمطان من التفكير يُحددان قوة إرادتك: أيّهما ينطبق عليك؟
تحيز: "أنا لست متحيزاً"
يُطلق Grant على هذا التّحيز اسم تحيّز: "أنا لست متحيزاً"، ويُعرّفه بأنّه الاعتقادُ بأنّ الآخرين لديهم تحيّزات، بينما أنا عقلانيٌّ ومحايدٌ، ويشيرُ إلى أنّ كلما كُنتَ أكثر ذكاءً، كُنتَ أكثر عرضةً للوقوع في هذا الفخّ، ويقولُ Grant: "كلّما كنت أذكى، حصلت على درجةٍ أعلى في اختبار الذّكاء، كنت أكثر عرضةً للوقوعِ في تحيّز 'أنا لست متحيزاً'"، وهذا يعني أنّ الأشخاصَ الأكثر ذكاءً هم الأسوأ في التّعرّف على حدودهم الخاصّةِ.
لم يكن Grant أوّل عالمِ نفسٍ بارزٍ يُحذّرُ من هذه المشكلةِ، فهنالكُ David Dunning، الذي حدّدَ تأثيرَ دانينغ-كروجر (Dunning-Kruger effect)، وهو تحيّزٌ يُشيرُ إلى أنّ الأشخاصَ الأقلّ كفاءةً هم عادةً الأكثر ثقةً، بينما الأكثر مهارةً يُعانون من الشّكّ الذّاتيّ. وغالباً ما يستخدمُ الأشخاصُ الّذين يعتبرون أنفسهم أذكياء هذا القانون للسّخرية من الآخرين الّذين يعتقدون أنّهم مُحاطون بهم، ولكن Dunning نفسهُ أكّد أنّ النّقطةَ الأساسيّةَ ليست أنّ الآخرين مُنحازون، بل أنّك أيضاً قد تكون غير قادرٍ على رؤيةِ العالم بوضوحٍ.
كما أشارَ Grant، إلى أنّ تعلّم التّحيّزات لا يجبُ أن يجعلَ الأشخاص الأذكياء يعتقدون أنّ الآخرينَ أغبياءٌ، بل يجبُ أن يجعلهم يدركون أنّهم أيضاً قد يكونون مُخطئين في بعضِ الأحيانِ. لكن في الواقع، هذا الفهم غالباً ما يُؤدّي إلى عكس الهدفِ المقصودِ، ممّا يخلقُ نوعاً آخر من اللّاعقلانيّة.
الترياق لتحيز "أنا لست متحيزاً"
تُرى ما هو التّرياقُ لهذا النّوع من الثّقة الزّائدة الشّائعة بين الأشخاص الأذكياء؟ الجواب: هو جرعةٌ قويّةٌ من التوّاضع، وكما قال Charlie Munger، اليدُ اليُمنى لـ Warren Buffet: "من المدهشِ كمّ الفائدة طويلة الأجل الّتي حصلنا عليها من محاولتنا أن نكونَ بانتظامٍ غير أغبياء، بدلاً من أن نحاولَ أن نكونَ أذكياء جدّاً".
إذا كانت أخطر مشكلةٍ في تفكيرِ الأذكياء هي الإيمان اللّاعقلانيّ بعقلانيّتهم الخاصّة، فإنّ الحلَّ يكمنُ غالباً في التّركيزِ الواعي على اكتشافِ الطّرق الّتي قد يكون فيها تفكيرهم وتصرّفاتهم غير مثاليّةٍ، فاقترحَ العديدُ من الخبراء طرقاً لتنمية هذه العقلية.
في أماكنٍ أُخرى، أوصى Grant بمحاولةِ تبنّي النّهج العلميّ، حيث يُفضّل التّواضع على الكبرياء والفضولَ على الاقتناعِ، ويبحثُ عن أسبابٍ تجعلكَ مُخطئاً، وليس فقط الأسباب الّتي تجعلكَ مُحقّاً، كما ينصحُ الباحثُ في جامعة هارفارد Steven Pinker بتذكير نفسكَ بأنّ الحصولَ على الأمور بشكلٍ صحيحٍ أكثر أهميّةً من الظّهور بمظهر الصّحيح.
يقترحُ خبراء آخرون استعارة خدعةٍ من لاعبي البوكر المحترفين، حيث الثّقة الزّائدة قد تكلّفك الكثيرَ، وتخصيص احتمالاتٍ لقناعاتكَ، وربّما يُمكنكَ البحثُ عن أصدقاء أذكياء لاختبار أفكاركَ، أو تسأل نفسكَ: "ما الّذي من المحتمل أن أكونَ مخطئاً بشأنهِ اليوم؟" كلّ صباحٍ.
أيّاً كانت التّقنيات التي تختارها لمكافحة تحيز "أنا لست متحيزاً"، فإنّ الخطوةَ الأولى هي الاعترافُ بأنّ الذّكاء يجعلكَ أكثر عرضةً للوقوعِ فيه، بدلاً من الأقلّ عرضةً، فقط عندما تعترفُ بأنّك أيضاً قابل للّلاعقلانيّة يُمكنكَ أن تُصحّحها بشكلٍ فعّالٍ.