عالم اللامفرداتية: عجز عن تسمية الشعور الذي ينتابك
عندما لا تتمكن من تسمية أو تصنيف مشاعرك، كيف يؤثر ذلك على أدائك في العمل؟
بقلمِ Nick Hobson، المديرِ الإداريّ في شمالِ أفريقيا لـ Influence At Work وهي شركةٌ استشاريَّةٌ في العلمِ السلوكيّ
إحدى أغانيَّ المفضلةَ من إحدى الفرق الكنديّة المفضّلة لي، فرقةُ "The Tragically Hip"، تحملُ عنوان "الآن، للكفاح اسم". هناكَ الكثيرُ ممّا تتضمّنهُ هذه الكلمات، المعاناةُ والكفاحُ هما جزءٌ طبيعيٌّ من الحياةِ، الأمرُ ليسَ مسألةَ ما إذا كانَ علينا مواجهةُ الصّعوباتِ، بل كيفَ نتعاملُ معها عندما تأتي في طريقِنا؛ ففي كثيرٍ من الأحيانِ، الطّريقةُ الأفضلُ للتّكيفِ هي جعلُ التَّجاربِ الصَّعبةِ أكثرَ موضوعيَّةً، لتكونَ قادراً على الإشارةِ إلى شيءٍ والقيامِ بهذا الأمرِ البسيطِ: وهو إعطاؤهُ اسماً، الكفاحُ لا يتغيّرُ، ولكن تسميتهُ تساعدُ في جعلهِ يبدو أكثرَ واقعيَّة وسهولةً عند إدارتِهِ. [1]
لكن ماذا يحدثُ عندما لا يمكنكَ فعلُ ذلكَ؟ عندما لا يوجدُ اسمٌ لهُ؟ عندما يكونُ الإحساسُ حالةً سلبيّةً غامضةً عسيرةَ الوصفِ بشكلٍ غيرِ مريحٍ؟ مرحباً بكَ في عالمِ الأليكسيثيميا (اللامفرداتية)، مصطلحٌ قد لا تكونُ على درايةٍ بهِ، ولكنّهُ قد يؤثرُ بصمتٍ على اتخاذِ قراراتكَ.
فهم اللامفرداتية
اللامفرداتيةُ، مصطلحٌ ابتكرهُ الطبيبُ النَّفسيُّ بيتر سيفنيوس Peter Sifneos في السبعينياتِ، يصفُ حالةً يواجهُ الأفرادُ فيها صعوبةً في تحديدِ مشاعرهم والتَّعبيرِ عنها، ولا يتعلّقُ الأمرُ بعدمِ الشُّعورِ بالعواطفِ؛ بل يتعلّقُ بعدمِ القدرةِ على وضعِها في كلماتٍ، يمكنُ أن يشكِّلَ ذلكَ تحديّاً خاصَّةً بالنّسبةِ لنا كقادةٍ في مكانِ العملِ، حيثُ يمكنُ أن يكونَ فهمُ وتواصلُ المشاعرِ حاسماً للقيادةِ وديناميكياتِ الفريقِ والرَّاحةِ الشَّخصيَّةِ.
وقد وجدَ الباحثون أنَّ اللامفرداتيةَ لا تتعلّقُ فقط بعدمِ القدرةِ على تسميَّةِ العواطفِ، إنَّها أيضاً مرتبطةٌ بصعوباتٍ في التَّعرُّفِ على الإشاراتِ العاطفيَّةِ من الآخرين ومعالجتها، ويمكنُ أن يؤدّي ذلكَ إلى إعاقة الفهمِ التّعاطفيّ والعلاقاتِ ما بين الأشخاص، وهي جوانبُ حسّاسةٌ في قيادةِ الأعمالِ النَّاجحةِ.
وقد وُجدَ أيضاً أنَّها مرتبطةٌ بالأشخاصِ الَّذين يعانون من حالاتٍ طبيَّةٍ ناتجةٍ عن التَّوترِ، مع زيادةِ مستوياتِ اللامفرداتيَّةِ في الأشخاصِ الَّذين يعانون من التهابِ المفاصلِ الروماتويديّ، وارتفاعِ ضغطِ الدَّمِ، والقرحةِ الهضميَّةِ، ومتلازمةُ القولونِ العصبيّ.
التأثير على اتخاذ القرارات
قد يجدُ قادةُ الأعمالِ الَّذينَ يظهرونَ سلوكاً لامفرداتياً أنفسهم في موقفٍ لا يُحسدونَ عليهِ، إذ تلعبُ العواطفُ دوراً هاماً في عمليّةِ اتّخاذِ القراراتِ، إنَّها كنقاطِ بياناتٍ داخليَّةٍ، توجّهنا خلال المواقفِ المعقّدةِ، عندما لا يمكنكَ الوصولُ إلى هذه النّقاطِ العاطفيَّةِ أو فهمها، سيتمُّ تشويشُ عمليّةِ اتّخاذِ القراراتِ وارتجالِها بالكاملِ.
علاوةً على ذلك، يمكنُ أن تؤدّي اللامفرداتيةُ إلى زيادةٍ في مستوياتِ التَّوترِ والاحتراقِ الوظيفيَّ، بدونِ القدرةِ على معالجةِ العواطفِ والتَّعبيرِ عنها، يمكنُ أن تصبحَ المشاعرُ موجَّهةً للدّاخلِ، ممّا يؤدّي إلى زيادةِ القلقِ وتقليلِ المرونةِ، وهي خصائصٌ تؤدّي إلى نتائجَ عكسيَّةٍ في بيئةِ الرَّيادةِ عاليةِ الضَّغطِ.
شاهد أيضاً: أتريد حياةً أكثر سعادةً؟ اعتمد "عادة التقبّل" للسيطرة على مشاعرك
بناء الوعي العاطفي
الخبرُ السَّارُ هو أنَّهُ يمكنُ تنميةُ الوعي العاطفيّ؛ فقد أظهرت ممارساتُ الانتباهِ واليقظةِ، على سبيلِ المثالِ، نتائجَ واعدةً في تحسينِ دقّةِ التَّفاصيلِ العاطفيَّةِ، والقدرةِ على التَّمييزِ بين المشاعرِ، كتابةُ اليوميّاتِ والعلاجُ وتدريبُ الذَّكاءِ العاطفيّ هي أيضاً أدواتٌ فعّالةٌ، تساعدُ هذه الممارساتُ ليس فقط في التَّعرُّفِ على عواطفِ الشّخصِ نفسهِ، ولكن أيضاً في فهمِ عواطفِ الآخرين، وهي مهارةٌ لا تقدّرُ بثمنٍ في إدارةِ الفريقِ وعلاقاتِ العملاءِ.
تبنّي التَّنوّع العاطفيّ
في عالمِ الأعمالِ، نحتفي غالباً بالتَّنوّعِ المعرفيّ، طرقٌ مختلفةٌ للتّفكيرِ، ولكن حانَ الوقتُ لنوسّعَ هذا الاحتفاءَ إلى التَّنوعِ العاطفيّ؛ فعندما يفهمُ الجميعُ أنَّ أفرادَ الفريقِ قد يختلفون في طريقةِ اختبارِهم للعواطفِ والتَّعبيرِ عنها، بما في ذلكَ الأفرادُ ذوي السّماتِ اللامفرداتية، يمكنُ أن يؤدّي ذلكَ إلى بيئةِ عملٍ أكثرَ شمولًا وذكاءً عاطفيّاً.
شاهد أيضاً: كيف يُؤثّر تنوّع الشخصيات في فريق التأسيس على نجاح الشركات الناشئة؟
ذلكَ الإحساسُ الغامضُ الذي قد تشعرُ بهِ هو أكثرُ من مزاجٍ عابرٍ، إنَّهُ نافذةٌ إلى عالمِ اللامفرداتيةِ المثيرِ للاهتمامِ وإلى ميدانٍ أوسعَ من الذّكاءِ العاطفيّ في الأعمالِ، ومن خلالِ فهمِ هذهِ التَّفاصيل العاطفيَّة ومعالجتِها، يمكننا اتّخاذُ قراراتٍ أكثر حكمةً، وبناءُ فِرقٍ قويَّةٍ، وقيادةُ حياةٍ مهنيَّةٍ أكثرَ ارتياحاً؛ فنحنُ يمكننا أن نعطيَ للكفاحِ اسماً.
لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.