رؤية السعودية 2030: نقلة نوعية نحو مستقبل مستدام متطوّر
استراتيجيات وتحديات الرؤية من الاعتماد على النفط إلى قيادة عالمية في التكنولوجيا والسياحة والاستدامة
يُشارُ إلى "رؤية السعودية 2030" باعتبارها المحرِّك الأساسيَّ لطموحات المملكة العربيَّة السُّعوديَّة نحو تبوء مكانةٍ رياديَّةٍ كعاصمةٍ عالميَّةٍ للألعاب الإلكترونيَّة. وقد أُسند إليها أيضاً دور العامل المحفِّز للنَّهضة التي شهدها سوق العقارات في المملكة مؤخَّراً، فما هي إذاً "رؤية السعودية 2030"؟
رؤية السعودية 2030
أُطلقت "رؤية المملكة العربيَّة السُّعوديَّة 2030" في العام 2016، تلك الاستراتيجيَّة التي تهدف إلى تحويل اقتصاد البلاد عن الاعتماد المفرط على النِّفط، ويتزعَّم هذه الخطَّة الطَّموحة ولي العهد، الأمير محمَّد بن سلمان، مع توجُّهاتٍ عزمت على تعزيز مرونة الاقتصاد السُّعوديّ، وتحويل المملكة إلى نقطة وصلٍ رئيسيَّةٍ بين القارات الثَّلاث: آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، وفتح آفاقٍ جديدةٍ للتَّوظيف.
تسعى الرُّؤية لرفع مساهمة القطَّاع الخاصِّ في النَّاتج المحليّ الإجماليّ إلى 65% بحلول عام 2030، وزيادة نصيب المؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة من 20% إلى 35% من النَّاتج المحليّ الإجماليّ، وتعزيز الاستثمار الأجنبيّ المباشر إلى 5.8% من النَّاتج المحليّ الإجماليّ، ورفع نسبة الصَّادرات غير النِّفطيَّة إلى 50% من إجماليّ النَّاتج المحليّ غير النِّفطيّ، إلى جانب زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22% إلى 30%.
كما تركِّز الرُّؤية على تطوير قطَّاعاتٍ مثل السّياحة والتَّرفيه والتُّكنولوجيا والطَّاقة المتجدّدة، كركائزَ أساسيَّةٍ للنُّموّ الاقتصاديّ.
شاهد أيضاً: Lionel Messi في قلب الحملة السياحية الجديدة للمملكة العربية السعودية
صندوق الاستثمارات العامة
يقوم صندوق الاستثمارات العامَّة، أحد أضخم صناديق الثَّروة السّياديَّة عالميّاً، بدورٍ محوريٍّ في تحقيق أهداف رؤية 2030، من خلال استثماراته الكبرى في الشَّركات الوطنيَّة والعالميَّة، وقيادته لمشاريع مثل نيوم، والبحر الأحمر، والقدية، وروشن، والدّرعية.
هذا ويستهدف الصُّندوق زيادة أصوله إلى 1.86 تريليون دولار بحلول 2030، ارتفاعاً من 160 مليار دولار، وكانت أصوله تحت الإدارة قد بلغت في يوليو 2022 نحو 700 مليار دولار، مع تخصيص حوالي 70% من استثماراته للمشاريع داخل المملكة. وقد أعلن الصُّندوق في وقتٍ سابقٍ من هذا العام عن خططٍ لزيادة رأسماله السَّنويِّ إلى 70 مليار دولار بعد عام 2025، مقارنةً بـ40-50 مليار دولار حاليّاً.
بيئة أعمال متنوّعة
لجذب الاستثمارات المحليّة والأجنبيّة، أسَّست المملكة العربيَّة السُّعوديَّة مناطق اقتصاديَّةً خاصَّةً، وأطلقت مبادراتٍ للخصخصة، واعتمدت تشريعاتٍ جديدةٍ تكفل حماية حقوق الملكيَّة الفكريَّة.
في عام 2019، أطلقت السُّعوديَّة البرنامج الوطنيَّ لتطوير الصّناعة والخدمات اللُّوجستيَّة (NIDLP)، بهدف تعزيز مكانة المملكة في ميادين الطَّاقة والتَّعدين والخدمات اللَّوجستيَّة والصّناعة على الصَّعيد العالميّ، وفي عام 2021، جاء إطلاق برنامج NIDLP بالتَّعاون مع هيئة تنمية الصَّادرات السُّعوديَّة تحت شعار "صُنع في السُّعوديَّة" لدعم الشَّركات المحليَّة في توسعها داخليّاً وخارجيّاً.
كما أولت المملكة اهتماماً بالغاً بالاستثمار في مجالات التَّعليم والتَّدريب والرِّعاية الصِّحيَّة، لتعزيز تنمية رأس المال البشريّ وتحقيق نموٍّ مستدامٍ.
تنمية القطاع الخاصّ
في عام 2021، تأسَّس برنامج شريك (Shareek) لتسريع نموّ الاستثمارات في القطَّاع الخاصّ، مع التَّركيز على دعم الشَّركات السُّعوديَّة الكُبرى. يطمح البرنامج إلى تحقيق استثماراتٍ تصل إلى 1.33 تريليون دولار من القطَّاع الخاصّ المحليّ بحلول العام 2030.
وفي مارس 2023، أعلن برنامج شريك عن إطلاق 12 مشروعاً في أربعة قطَّاعاتٍ رئيسيَّةٍ، والتي من شأنها خلق أكثر من 64 ألف فرصة عملٍ محليّةٍ بحلول العام 2040، وبمشاركةٍ استثماريّةٍ تقدر بـ 51.2 مليار دولار، من المتوقَّع أن تُسهم الشَّركات بمبلغ 32 مليار دولارٍ، ممَّا يُتوقَّع أن يؤدّي إلى تأثيرٍ ملموسٍ على النَّاتج المحليّ الإجماليّ قد يصل إلى 124 مليار دولار بحلول عام 2040.
التّرفيه والعافية
في عام 2018، أُطلق برنامج جودة الحياة، الذي يهدف إلى تعزيز الفنون والثَّقافة، ويشجِّع على اعتماد أسلوب حياةٍ نشطٍ من خلال الرِّياضة، ويُسهم في تأسيس مجتمعاتٍ متكاملةٍ يُمكن العيش فيها بكرامة، ويضمُّ البرنامج صندوق استثمار الفعاليَّات (EIF)، والهيئة العامَّة للتَّرفيه (GEA)، والمعهد الملكيُّ للفنون التَّقليديَّة.
ينسجم هذا البرنامج مع مساعي رؤية 2030 نحو زيادة الإنفاق الأسريّ على النَّشاطات الثَّقافية والتَّرفيهيَّة داخل المملكة من 2.9% إلى 6%، ويهدف كذلك إلى رفع متوسط العمر المتوقَّع من 74 إلى 80 عاماً، وذلك في إطار سعي المملكة لتحسين جودة الحياة وتطوير البنية الاجتماعيَّة.
شاهد أيضاً: حفل Joy Awards 2024: انعكاسٌ لرؤية المملكة 2030
استدامة القيادة
في عام 2021، أطلقت المملكة العربيَّة السُّعوديَّة "المبادرة السُّعوديَّة الخضراء" (SGI)، التي تستهدف تسريع وتيرة الأعمال الخاصّة بالمناخ وتعزيز الاستدامة البيئيَّة في ربوع المملكة، ومنذ بدايتها، نشطت المبادرة في تنفيذ 77 مبادرةً تنوَّعت مجالاتها، بإجمالي استثماراتٍ تجاوزت 186 مليار دولارٍ، في مسعى جادٍّ لتحقيق التَّوازن البيئيّ والاستغلال الأمثل للموارد.
بالتَّزامن مع ذلك، أطلقت المملكة أيضاً "مبادرة الشَّرق الأوسط الخضراء" (MGI) في العام ذاته، وهي تحالفٌ إقليميٌّ يهدف إلى التَّصدّي لتحدّيات التَّغير المناخيّ في منطقة الشَّرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك عبر تعزيز التَّعاون الدُّوليّ وتبادل الخبرات والمعرفة لمواجهة هذه التَّحدّيات العالميَّة.
السياحة الضخمة والمناطق الحضريّة الجديدة
ضمن رؤية السعودية 2030، تمَّ التَّخطيط لمشاريعَ سياحيَّةٍ وحضريَّةٍ ضخمةٍ تهدف إلى تعزيز الجاذبيَّة السِّياحيَّة للمملكة وتحسين مستوى المعيشة، وهذه المشاريع تشمل نيوم ومشروع البحر الأحمر ومدينة القدية.
نيوم، التي يشرف عليها صندوق الاستثمارات العامَّة، تقع في شمال غرب المملكة، وتُعدُّ من المشروعات الحضريَّة الرَّائدة، ومن المتوقَّع أن يكتمل الجزء الأكبر من المشروع بحلول عام 2039، وستتضمَّن المدينة مشاريع بناءٍ مبتكرةٍ، مثل: المدينة الخطيَّة "THE LINE"، والمجمع الصّناعيِّ العائم "أوكساجون"، وجهة رياضات المغامرة "تروجينا"، بالإضافة إلى الوجهة البريَّة "سندالة".
مشروعِ البحر الأحمر، الموجود على السَّاحل الغربيّ للمملكة، يعدُّ مشروعاً سياحيَّاً ضخماً يمتدُّ على مساحة 28 ألف كيلومتر مربَّع، وتطوّره شركة البحر الأحمر العالميَّة المملوكة لصندوق الاستثمارات العامَّة، وسيحتضن المشروع عند اكتماله أكثر من 90 جزيرةٍ، وسيشمل 8000 غرفةً فندقيَّةً موزَّعةً على 50 فندقاً، و1000 عقارٍ سكنيٍّ.
مدينة القدية، التي تهدف لتصبح مركزاً للرّياضة والتَّرفيه والثَّقافة في المملكة، ستضمُّ عند اكتمالها مجموعةً من السَّاحات الرِّياضيَّة الدُّوليَّة، ومسارح للحفلات الموسيقيَّة، وأكاديميَّاتٍ للرِّياضة والفنون، بالإضافة إلى مضمارٍ للسِّباق ومناطق لأنشطة المغامرات الخارجيَّة ومتنزهاتٍ ترفيهيَّةٍ.