الرئيسية الريادة رائد الأعمال الذكي لا ينفق المال، بل يستثمره بذكاء!

رائد الأعمال الذكي لا ينفق المال، بل يستثمره بذكاء!

من التّفكير الغريزيّ إلى القرارات الاستراتيجيّة، إطارٌ عمليٌّ يحوّل الإنفاق من عبءٍ إلى أداةٍ للابتكار وزيادة الكفاءة والنّموّ المستدام

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

على مدار رحلتي في ريادة الأعمال، اكتشفت أنّ علاقتي بالمال لم تكن مجرّد حسابٍ للأرقام، بل كانت مسألةً استراتيجيّةً؛ فكلّ قرارٍ ماليٍّ اتَّخذه يمكن أن يدفع شركتي للأمام، أو يعطّل تقدّمها بالكامل.

وبعد أن أطلقت شركتين ناشئتين ناجحتين، طوّرت إطاراً واضحاً لإدارة المال، غيّر جذريّاً أسلوبي في التّعامل مع الشّؤون الماليّة للأعمالفي بداية طريقي، عندما أسّست وكالتي قبل عشر سنواتٍ، كنت أعتمد على ما أسمّيه اليوم "المحاسبة الغريزيّة". كنت أتابع تدفّقات المال بشكلٍ عامٍّ، لكن دون استراتيجيّةٍ واضحةٍأمّا اليوم، فأعتمد نهجاً منضّبطاً، أحرص فيه على الفصل التّام بين أموالي الشّخصيّة وأموال شركتي، وهو ما يفشل كثيراً من روّاد الأعمال الجدد في الالتزام به.

قاعدة الاستخدامات الثلاثة: كل دولار يجب أن يعمل ثلاث وظائف

من بين المبادئ الّتي أحدثت فرقاً كبيراً في إدارتي الماليّة، ما أسمّيه قاعدة الاستخدامات الثّلاثةأنا أطبّق هذه القاعدة على كلّ نفقات الشّركة: أيّ دولارٍ أنفقه يجب أن يستخدم في ثلاث وظائف مختلفة على الأقلّ داخل العمل.

غيّرت هذه القاعدة جذريّاً طريقة تقييمي للإنفاق، ورفعت من كفاءة استخدام رأس المال في شركتيدعني أشرح هذا بمثالٍ عمليٍّحين درست فكرة إنفاق 10,000 دولارٍ على نظامٍ لإدارة علاقات العملاء (CRM)، طبّقت عليه هذه القاعدة:

  • الاستخدام الأوّل (الرّئيسيّ): تحسين عمليّة المبيعات وزيادة معدّلات التّحويل.
  • الاستخدام الثّاني: جمع بيانات سلوك العملاء لتوجيه عمليّات تطوير المنتجات.
  • الاستخدام الثّالث: توليد تقارير آليّةٍ تقلّل من العبء الإداريّ.

نجح هذا النّظام في الاختبار؛ لأنّه يخدم ثلاث غاياتٍ مختلفةٍ وواضحةٍفي المقابل، هناك مؤتمرٌ صناعيٌّ يكلّف المبلغ نفسه، لكنّه يخدم غرضاً واحداً فقط (التّواصل والعلاقات)وبالتّالي، لم يكن يستحقّ الاستثمارليس الهدف هنا التّوفير، بل التّفكير الواعي والموجّه.

في الماضي، كنت سأقبل العرضين معاً دون تردّدٍلكن الآن، بتُّ أدرك أنّ توزيع رأس المال بحكمةٍ هو أقوى أداةٍ في يد رائد الأعمال، وأنّ هذه القاعدة تضمن أن يكون لكلّ دولارٍ أثرٌ مضاعفٌ.

قاعدة واحدة لجميع أنواع الإنفاق

لم أقتصر في استخدام هذه القاعدة على النّفقات الكبيرة أو غير المتكرّرة، بل عمّمتها على كلّ ما ننفقه دوريّاًمثلاً، لا يقتصر التّسويق بالمحتوى على إنتاج المدوّنات، بل أستخدم المحتوى أيضاً في دعم المبيعات، وتحويله إلى دراسات حالةٍ تسهم في تطوير الحلولحتّى التّوظيف أصبح يخضع لذات القاعدةكلّ موظّفٍ جديدٍ يجب أن يخدم أكثر من وظيفةٍ واحدةٍ داخل المنظومةحوّل هذا التّفكير بعض التّكاليف الّتي كان من الممكن اعتبارها "أعباءً تشغيليّةً" إلى استثماراتٍ ذات قيمةٍ استراتيجيّةٍ.

كما أنّه غيّر طريقتي في الاستثمار في الأدوات التّكنولوجيّة؛ فقد رفضت مؤخّراً أداةً متخصّصةً تقوم بمهمّةٍ واحدةٍ ببراعةٍ، واخترت بدلاً منها منصّةً أكثر شمولاً، تؤدّي نفس تلك المهمّة بالإضافة إلى وظيفتين آخريينصحيحٌ أنّ الخيار الثّاني كان أغلى بنسبة 20%، لكنّه قدّم قيمةً أعلى بكثيرٍ ضمن الإطار العامّ.

يظنّ بعض روّاد الأعمال أنّ التّشدّد في الإنفاق يقيّد النّموّ، ولكن تجربتي أثبتت العكس تماماًلم تبطّئ قاعدة الاستخدامات الثّلاثة من تقدّمنا، بل سرّعته؛ لأنّها تضمن أن يفتح كلّ إنفاقٍ جديدٍ أكثر من بابٍ للنّموّ والتّوسّع؛ فعندما أطلقنا برنامجاً لتعليم العملاء العام الماضي، كان مصمّماً ليحقّق:

  • تقليص الفترة بين جذب العميل وإتمام البيع.
  • تحسين القدرة على تصفية العملاء واستهداف الأنسب.
  • توليد فرصٍ جديدةٍ لتنوّع الخدمات المقدّمة.

ومن جهةٍ أخرى، من المبادئ الأساسيّة الّتي أتّبعها: الصّدق الكامل مع الأرقام؛ ففي بداية كلّ شهرٍ، أراجع 3 مؤشّراتٍ ماليّةٍ رئيسيّةٍ:

  • دورة تحويل النّقد (Cash Conversion Cycle).
  • تكلفة اكتساب العميل (Customer Acquisition Cost).
  • هامش المساهمة (Contribution Margin).

توجّهني هذه المؤشّرات نحو القرارات الأكثر أهمّيّةًعلى سبيل المثال، حين امتدّت دورة تحويل النّقد إلى 55 يوماً في إحدى الفترات، عدّلت شروط الدّفع لدى عملائنا، ما أدّى إلى تقليصها إلى 15 يوماً فقط، وساهم مباشرةً في تحسين وضعنا التّمويليّ.

متى نتجاوز القاعدة؟

صحيحٌ أنّني ألتزم بقاعدة الاستخدامات الثّلاثة، لكن هناك استثناءاتٌ نادرةٌ، أسمّيها: "استثمارات البنية التّحتيّة"، وهي نفقاتٌ ضروريّةٌ لا تحقّق ثلاث وظائف مباشرةٍ، لكنّها توفّر الأساس الّذي يمكّن كلّ شيءٍ آخرمثلاً: لا يولّد الاستثمار في الأمن السيبراني لا يولّد عوائد مباشرةً في ثلاثة اتّجاهاتٍ، ولكنّه يحمّي الشّركة، ويحافظ على قدرتها على العمل بفاعليّةٍ في جميع المجالاتومع ذلك، أسعى دائماً إلى استخراج أكثر من فائدةٍ من أيّ استثمارٍ، حتّى لو لم يكن ذلك واضحاً من البداية.

لعلّ أهمّ ما قدّمته لي قاعدة الاستخدامات الثّلاثة هو التّحوّل في طريقة اتّخاذ القرار، إذ أصبحت لا أفكّر في الإنفاق على أساس "هل نحتاج هذا؟"، بل على أساس: "ما هي الطّرق الثّلاثة الّتي ستخدم فيها شركتي؟لقد خلقت هذه القاعدة إطاراً يحفّز الإبداع ضمن قيودٍ واضحةٍ، وأثبتت أنّ الابتكار لا يحتاج دائماً إلى حرّيّةٍ مطلقةٍ، بل إلى تفكيرٍ عميقٍ ومتعدّد الأبعاد.

كل دولار له ثلاثة أدوار

لا تتعلّق إدارة المال كرائد أعمالٍ فقط بالبقاء، بل ببناء خياراتك المستقبليّة من خلال قراراتٍ ماليّةٍ واعيةٍغيّرت قاعدة الاستخدامات الثّلاثة جذريّاً طريقتي في الإنفاق، إذ أصبحت لا أنفق إلّا عندما أتأكّد أنّ كلّ دولارٍ سيعمل أكثر من وظيفةٍوبفضل هذا الإطار، استطعت بناء شركةٍتصمد أمام التّحدّيات، وتقتنص الفرص، وتنمو بشكلٍ مستدامٍ.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: