كيف تُحدّد رواتب العاملين عن بعد؟ طرق عادلة وتحديات تنافسية

يواجهُ العديدُ من أصحاب العمل تحديّاً في كيفيّة تحديد رواتب العاملين عن بعد، فهل يجب أن تكونَ الرّواتب موحدّةً بغضّ النّظر عن الموقع الجغرافيّ الّذي يعملون منه، أم تُحدَّد وفقاً لمستوى المعيشة ومتوسّط الرواتب في بلدانهم؟ وغيرها من المعايير التي تدفع أرباب العمل للبحث عن أفضل الطرق العادلة لتحديد رواتب العاملين عن بعد، مع الحفاظ على التّنافسية في السّوقٍ العالميّة، وهذا ما سنناقشه في السّطور التّالية.

هل يجب خفض الراتب عند العمل من المنزل؟

يُوفّر العمل عن بعد مزايا الرَّاحة والمرونة في الوقت وعدم إهداره في التَّنقُّلات بالنّسبة للموظَّف، ولكنَّه يُوفّر أيضاً على صاحب العمل الكثير من التَّكاليف التَّشغيليَّة، سواءً مكان المكتب أو أجهزة الكمبيوتر وصيانتها وفواتير الإنترنت والكهرباء وغيرها، فكلُّ هذا يتحمَّله الموظَّف في المنزل مع المطالبة بالانتظام في العمل مهما كانت ظروف الإنترنت والكهرباء.

إذا كانت بعض الشّركات تعتمد على العمل عن بُعد لتخفيض الرواتب فقط، فإنَّ هذا الأسلوب قد يجعلها بيئةً غير جاذبة للكفاءات. على الرغم من أنَّ العمل من المنزل يُعَدُّ ميزةً وظيفية، إلا أنَّه يحمل في طياته مسؤولياتٍ وتكاليف إضافية. ومن المعروف أنَّ الرواتب تُحدَّد عادةً وفقًا للمسمَّى الوظيفي والمسؤوليات ومستوى الإنتاجية، بالإضافة إلى أهميَّة الموظَّف في تطوير العمل. لذلك، إذا كان العمل عن بُعد سيؤدِّي إلى تقليص الدَّخل الإجمالي، فقد تتضاءل جاذبية هذه الفكرة، ممَّا يؤدِّي إلى زيادة الأعباء والتكاليف على كلا الطرفين. ^[1]

لماذا من الضروري التعرف على الطريقة العادلة لتحديد رواتب العاملين عن بعد؟

إنَّ العاملين عن بعد جزءٌ من سوق عملٍ عالميَّةٍ؛ لذا فإنَّ تقييم رواتبهم قد تختلف إلى حدٍّ ما عن رواتب الأشخاص في أدوارٍ مماثلةٍ داخل شركاتٍ محليَّةٍ، فكلَّما توسَّعت الشَّركة عالميّاً ارتفعت حدَّة المنافسة مع الرَّغبة في اجتذاب أفضل المواهب، ومن أهمّ فوائد التَّحديد العادل لمكافآت ورواتب العاملين عن بعد: ^[2]  

جذب المواهب والاحتفاظ بهم

تلعب استراتيجيَّات التَّعويض المجزي عند العمل عن بعد دوراً محوريَّاً في قدرة الشَّركة على اجتذاب المواهب من الدَّرجة الأولى والاحتفاظ بهم مع تحقيق معدَّلات ولاءٍ وإنتاجيَّةٍ مرتفعةٍ، فقد بيّن استطلاع رأيٍّ من Pew Research أنَّ 63% من العمَّال قد تركوا وظائفهم خلال عام 2021 بسبب انخفاض الأجر، كما ويعدُّ معدَّل دوران الموظَّفين المرتفع من الأمور الَّتي تُؤثّر سلباً على أيّ عملٍ، فلا تحتاج لإهدار الوقت والطَّاقة في البحث عن العمالة ذات الكفاءة وتدريبها والحصول على نتيجةٍ منها.

تنوع القوى العاملة

من خلال اتّباع استراتيجيَّاتٍ عادلةٍ لتعويض العامين عن بعد، فإنَّ السُّوق العالميَّة بأكملها ستكون مفتوحةً أمامك لاختيار قوى عاملةٍ متنوِّعةٍ، ممَّا يُحفّز الابتكار والمرونة والاستدامة في العمل بصرف النَّظر عن الأحداث الاجتماعيَّة والسياسيَّة الَّتي قد تُؤثِّر على منطقةٍ دون الأخرى.

زيادة الإنتاجية

تُؤثّر كلٌّ من الإنتاجيَّة والرَّواتب على بعضهما بعضاً، وتُؤدّي أيّ انتكاسةٍ في جانبٍ منهما إلى تدهور الآخر؛ لذا من الأفضل أن تكون استباقيّاً في تحديد رواتب تضمن إنتاجيّةً قويّةً ودقيقةً وملائمةً للأهداف، بحيث عندما تطالب الموظَّفين بإنتاجيَّةٍ محدَّدةٍ يكون الأمر حاسماً، كما أنَّ الموظَّف سيتقبَّل الأمر أسهل للحفاظ على الرَّاتب الجيّد، ويزيد الإنتاجيَّة بتلقائيَّةٍ.

ضمان النمو المستقبلي

تعتمد استدامة الشَّركة وقابليَّتها للاستمرار على مدى نموّها وأهميَّتها، فمن الضَّروريّ مراعاة توقُّعات النُّموّ المستقبليَّة عند تحديد رواتب العاملين بطريقةٍ لا تضع المزيد من التَّحديَّات أمام فرص نموّ الأعمال، فقد تؤدّي الرَّواتب شديدة الضَّخامة إلى خسائر سريعةٍ وتسريح العمال، كما أنَّ الأجور المنخفضة لن تسمح بالاستمرار في العمل؛ لذا يؤدّي تحقيق التَّوازن المطلوب إلى الحفاظ على النُّموّ والاستدامة.

أشهر الطرق المعتمدة لتحديد رواتب العاملين عن بعد

إنَّ العمل عن بعد ليس حديث العهد، ولكنَّه انتشر بشدَّةٍ في السَّنوات العشر الأخيرة، وترتفع نسبة الاعتماد عليه باطّرادٍ على مستوى العالم بأكمله؛ لذا اتّبعت الكثير من الشَّركات طرقاً مختلفةً عند تحديد رواتب العاملين عن بعد، بطريقة تمكّنك من اختيار الأكثر ملاءمةً لأهدافك وميزانيَّتك وطبيعة مجالك المهنيّ: ^[1]

توحيد الأجور عالميّاً مهما كان الموقع

يعني أن تلتزم الشركة بدفع رواتب العاملين عن بُعد بنفس مستوى وطريقة دفع رواتب العاملين في المكتب، بغض النّظر عن مواقع الموظّفين أو مقرّ الشركة، وبنفس العملة. فإذا كان مقرّ الشركة في الولايات المتّحدة، على سبيل المثال، وتعتمد على فريق عملٍ عن بُعد، فإنّ الرّواتب تكون بالدولار الأمريكي وبنفس المستوى المعتمد في الشركة، بغض النّظر عن اختلاف تكلفة المعيشة في البلدان الأخرى.

ومن مميزات التّوحيد العالميّ للأجور أنّه يحظى بقبولٍ جيّدٍ من قبل العاملين عن بعد، إذ يُحدّد الرَّاتب بناءً على المهارة والقيمة والموهبة بصرف النَّظر عن الموقع، كما أنّه يُسهّل من حساب الرَّواتب، ولا يؤدّي إلى تغييرها مع كلّ انتقالٍ جديدٍ للموظَّفين. أمّا عن السّلبيات، فقد يُثير هذا النّظام بعض الإحباط لدى العاملين من الموقع إذا كانت تكلفة المعيشة لديهم مرتفعةً أكثر، ومن الممكن أن تكون التَّكلفة الإجماليَّة للرَّواتب أعلى من الَّتي يُمكن تقديمها إذا أخذنا الموقع في الاعتبار.

تحديد الرواتب بناء على الأقدمية

هو نظامٌ يعتمد على المدَّة الَّتي قضاها الموظَّف في الشَّركة والمهارات الَّتي تنعكس على المنصب في مكان العمل، فتُدفع كلّ الأجور بالتَّساوي مهما كان الموقع، ولكن بالتَّدريج يحصل الموظَّفون الدَّائمون على مكافآتٍ أعلى وأسرع.

ومن مميزات تحديد الرواتب بناءً على الأقدميّة: تبسيط طريقة حساب الأجور، وتعزيز الولاء والإنتاجيَّة نتيجة الشُّعور بالعدالة، كما أنّ المكافآت تكون وفقاً للمهارة والإنتاجيَّة والاستدامة في الشَّركة. أمّا عن السّلبيات، فقد تزيد تكلفة الرَّواتب في هذه الحالة، خصوصاً إذا اعتمدت الشَّركة على العمالة الرَّخيصة في البلدان النَّامية.

تحديد الرواتب على أساس مستوى المعيشة المحليّ

وهي من الطُّرق الشَّائعة في تحديد رواتب العاملين عن بعد، فإذا كانت الشَّركة تعمل في إنجلترا مثلاً، وتستعين بعاملين عن بعد في آسيا أو أفريقيا، فإنَّ معدَّل الرَّواتب يكون أقلّ من العاملين في المقرّ، وإن كان يمكن أن يرتفع قليلاً عن المتعارف عليه في السُّوق المحليّ للحفاظ على التَّنافسيَّة.

ومن مميزات تحديد الرّواتب على أساس مستوى المعيشة: توفير الكثير من الأجور؛ بسبب انخفاض مستوى المعيشة في البلدان النَّامية، والتَّمتُّع بميزةٍ تنافسيَّةٍ في السُّوق المحليَّة. أمّا عن السلبيات: خلق ظروف عملٍ مليئةٍ بالشُّعور بالظُّلم، والتَّفاوت الكبير في الأجور بين العاملين بالشَّركة نفسها مع تأدية المهام نفسها، والتَّعقيد الشَّديد في حساب الرَّواتب بناءً على تكلفة المعيشة في كلّ بلدٍ وتغيُّر ظروفها الاجتماعيَّة والسِّياسيَّة، مع حدوث ارتباكٍ في طريقة الحساب إذا قرَّر الموظَّف الانتقال إلى مكانٍ آخر.

مقياس الأجور المخصّص

وهي طريقةٌ بدأت عددٌ من الشَّركات في اللُّجوء إليها من خلال الاستعانة بحاسبات الأجور لتخصيص طريقةٍ محدَّدةٍ تتلاءم مع طبيعة الشَّركة، فقد تمزج بين أكثر من نوعٍ من الأنواع السَّابقة، أو تجد طريقةً أُخرى مختلفةً تماماً.

ومن إيجابيات مقياس الأجور المخصص: سهولة تعديل الحسابات لأيّ عاملٍ في الشَّركة سواء من المقرّ أو عن بعد، كما يوفِّر هذا النّظام طرق تعويضٍ فرديَّةً تزيد من الإنتاجيَّة والمنافسة الفرديَّة. أمّا عن السّلبيات: فقد يتطلَّب الكثير من الوقت والطَّاقة في إدخال كلّ البيانات لحساب الأجور بطريقةٍ سليمةٍ، كما يُمكن للمتغيّرات في مواقع العاملين عن بعد أن تزيدَ من تعقيد الحسابات.

شاهد أيضاً: العدالة في الأجور: هل أنت راضٍ عن الأجر الذي تتقاضاه؟

اعتبارات لا يمكن تجاهلها عند تحديد رواتب العاملين عن بعد

إذا رغبت في اجتذاب الكفاءات إلى عملكَ والاعتماد على موظَّفين عن بعد في جميع المجالات دون الاضطرار للبحث المستمرِّ عن حلولٍ، فيجب وضع الجوانب التَّالية في الاعتبار عند تحديد رواتب العاملين عن بعد:

التمويل والميزانية

عالم الأعمال ليس مثاليّاً دائماً، وقد تضع الشَّركة في اعتبارها جذب أفضل المواهب بتقديم أعلى معدَّل أجورٍ، ولكن إذا كان هذا سيؤثّر سلباً على الميزانيَّة العامَّة وكفاءة التَّشغيل، فسوف تضطرّ بالتّأكيد لتخفيض الأجور خصوصاً إذا ارتفع عدد الموظَّفين المطلوبين؛ لذا لا تضع توقُّعاتٍ مرتفعةً للغاية، ثمَّ تنهار عند الاختبار الفعليّ أو عند حدوث تغييراتٍ مفاجئةٍ في السُّوق المحليَّة أو العالميَّة. ^[3]

الشفافية

تساعد الشَّفافيَّة في خلق بيئة عمل تتغلَّب على الصّراعات مع رفع مستويات الولاء، فإذا لم تكن قادراً على تقديم أكثر من أسعار ورواتب المنافسين لتعويض العاملين عن بعد، فإنَّ اتّباع الشَّفافيَّة يمنع الإحباط والتَّقلبُّات من خلال فهم أفضل لعمليَّة صنع القرار، كما أنَّها تُمثِّل نوعاً من التَّعويض المعنويّ للموظَّفين لسدّ الفجوات، فمع الاعتراف بضرورة العدالة في تعويض العاملين عن بعد، إلَّا أنَّ فهم العوامل الَّتي تتدخل في الأمر يُقلّل من أيّ مشاعر إحباط تنتشر بين العاملين.

المكافآت والتقدير للعاملين عن بعد

العاملون عن بعد لا يتقاسمون أوقات الفرح والانتصارات والإنجازات معاً، ويفتقدون الاحتفالات المهنيَّة والتَّقديرات المعنويَّة المباشرة إلى حدٍّ كبيرٍ؛ لذا فإنَّ التَّقدير المعنويَّ والإشادة بالعمل الجماعي أو الإنجاز مع تخصيص مكافآتٍ على فتراتٍ، من الأمور الَّتي يجب أن تضعها في الاعتبار عند تحديد الرَّاتب، فهي تزيد من قدرتك على المنافسة إذا لم يكن الرَّاتب مرتفعاً لأيّ سببٍ من الأسباب.

أسعار سوق العمل في المجالات المشابهة

من الضَّروريّ عند اختيار أيّ طريقةٍ لتحديد رواتب العاملين عن بعد الأخذ في الاعتبار النّظام المعمول به في الشَّركات المنافسة، وهل تعتمد على الرَّاتب فقط أم هل هناك مزايا اجتماعيَّةٌ أُخرى، مثل التَّأمين الصّحيّ والعطلات والمكافآت، أو ساعات العمل المرنة أو الزّيادات السَّنويَّة وغيرها. كما لا يجب أن تقتصرَ المقارنة هنا على السُّوق المحليَّة فقط، بل على السُّوق العالميَّة أيضاً، وهذا ينطبق على كلّ المجالات المهنيَّة تقريباً، والَّتي أصبحت تتمّ بكفاءةٍ عن بعد كما هو الحال من الموقع.  ^[4]  

أسلوب تعديل الراتب في المستقبل

عند تحديد الرَّواتب العادلة للعاملين عن بعد يكون من الأفضل أيضاً التَّخطيط لكيفيَّة تعديل الأجر في المستقبل إذا تغيَّرت السُّوق، أو تطوَّرت المهارات، فهل سوف تكتفي بالمكافآت السَّنويَّة، أو الهدايا العينيَّة من قسائم شراءٍ وغيرها، أو سوف تقدّم مزايا صحيَّةٍ، فلا يجب انتظار المنافسين وزيادتهم للأجور، حتَّى تبدأ في التَّخطيط للمستقبل فتفقد ما لديك من مواهب بالفعل.

ما هو الأجر العادل للعاملين عن بعد؟

في الواقع، فإنَّ مجموعة المواهب العالميَّة في كلّ المجالات عبارةٌ عن سوق عملٍ مفتوحٍ، وتتحكَّم به، تماماً، قوى العرض والطَّلب وهي الَّتي تُحدِّد السّعر العادل، فإذا وجدت أنَّك كعاملٍ عن بعد سوف تكسب مالاً أقلّ من العمل في الموقع، فيمكنك التَّفاوض في الأمر، وإذا كُنتَ تنتقل إلى مكانٍ جديدٍ فلا تُخبر صاحب العمل بما كنت تكسبه سابقاً، بل ابحث عن مستوى الأجور في المناصب المشابهة للمنصب الَّذي تعمل به، مع الوضع في الاعتبار أمور، مثل: الإجازات وعدد ساعات العمل وطبيعة المهام نفسها وإمكانات التَّطوُّر في المكان وغيرها، فالرَّاتب بمفرده ليس هو الأمر الوحيد الَّذي يُحقّق الرّضا الوظيفيّ مع عدم إنكار أهميَّته بالطَّبع، لكنَّ تحقيق التَّوازن بين مختلف أمور العمل والحياة الشَّخصيَّة هو ما يُحقّق الرِّضا العام.