رواد الأعمال المتسلسلين.. كيف تنجح في مشروعات متنوعة؟
قد تشعرُ أنّ الانتقالَ من فكرة مشروعٍ لأُخرى تُعتبر هدراً للطاقة والمجهود ودليلاً على عدم الاستقرار، لكن المميزات التي يحصدها رواد الأعمال المتسلسلون أكبر من مجرّد الرّبح
انتشرَ مصطلحُ رواد الأعمال المتسلسلين بشدَّةٍ مؤخَّراً، ولكن لا يعرفُ الكثيرون الفارقَ بينهُ وبين رجال الأعمال العاديّين أو الكلاسيكيّين، ويُعدُّ حبُّ المخاطرةِ والعقليَّة المُغامرة والنَّظرة المستقبليَّة القويَّة مع تعدُّد الاهتماماتِ من أهمِّ صفات رواد الأعمال المتسلسلين، فهل من السَّهل -إذا كنت تمتلكُ هذه المواصفات- أن تكونَ رجل أعمالٍ متسلسلٍ؟ وهل الأمرُ يستحقُّ المجهودَ في الأساس أم من الأفضل التَّركيز في مشروعٍ واحدٍ والعمل على تطويرهِ وتنميتهِ، ولماذا يحبُّ بعض رجال الأعمال أن يكونوا متسلسلين، في حين يرفض بعضهم الآخر الفكرةَ تماماً، وهل المواردُ الماليَّةُ قد تقفُ عائقاً قويّاً لتحقيق هذا الهدف؟ كلُّ هذا وأكثر سنتعرَّفُ عليه في الأسطرِ المُقبلةِ.
من هو رائد الأعمال المتسلسل؟
رائد الأعمال المتسلسل ببساطةٍ هو من يسعى دائماً لبدء مشروعاتٍ جديدةٍ وأعمالٍ تجاريَّةٍ مُختلفةٍ في مجالاتها باستمرارٍ، بدلاً من التَّركيز على مشروعٍ واحدٍ فقط أو حتَّى اثنين والاستمرار في تطويرهِ لعدَّة سنواتٍ، ويُمكن لرائد الأعمال المتسلسل أن يبيعَ مشروعهُ النَّاجح بعد أن يصلَ إلى مرحلةٍ معيّنةٍ من النُّضج، أو قد يحتفظ بالملكيَّة مع التَّفويض الكامل لكلِّ المسؤوليَّات الإداريَّة لأشخاصٍ آخرين. [1]
ولا يتردَّدُ رجل الأعمال المتسلسل في إغلاق المشروع الَّذي يفشلُ في تحقيق عائدٍ جيدٍ، وينتقلُ إلى فكرةٍ أُخرى سريعاً، ولا يوجد عددٌ قياسيٌّ لعدد الشَّركاتِ المملوكةِ لرجل الأعمال كي يُوصَفَ بأنَّه متسلسلٌ، ولكنَّ اللَّقب عادةً لا يُطلقُ على من لديه أقلُّ من 3 شركاتٍ مختلفةٍ في مجالات عملها مثل إيلون ماسك على سبيل المثال، والَّذي انطلقَ من المدفوعات الماليَّة إلى السَّيَّارات الكهربائيَّة، ثُمَّ صناعة الفضاء، فمواقع التواصل الاجتماعي وغيرها.
مميزات وسمات رائد الأعمال المتسلسل
عادة ما يتمتَّعُ رائد الأعمال المتسلسل بمجموعةٍ من السِّمات الَّتي تجعلهُ يبحثُ دائماً عن المغامرة والبدء في مشروعاتٍ جديدةٍ، حتَّى إذا كانت كلُّ المؤشِّرات تقول إنَّها فاشلةٌ، ولكنَّه دائماً ما يتحمَّل المخاطر بقوَّةٍ أكثر من غيره، ومن أهمِّ سمات رواد الأعمال المتسلسلين: [2]
حُبّ المخاطرة
وهي من أهمِّ سمات رواد الأعمال المتسلسلين، فهم مجازفون بطبعهم، ويواجهون مخاطرَ الخسارة الماليَّة بدرجةٍ أكبر من روَّاد الأعمال التَّقليديين عند بدء مشروعاتٍ جديدةٍ، والَّتي قد تتداخلُ مع المشروعات القديمة أيضاً، أو تتعارضُ معهم.
حُسن استغلال الوقت
هم بارعون في إدارة الوقت واستغلاله بطريقةٍ أفضل بكثيرٍ من غيرهم، وبهذا يتجنَّبون بدرجةٍ كبيرةٍ مخاطر الدُّخول في مشروعاتٍ متنوِّعةٍ، فمن خلال تحديد الأولويَّات والعمل على الأجزاء المهمَّةِ في البداية، وعدم الغرق في كلّ التَّفاصيل، مع اختيار الفريقِ المُلائمِ، فإنَّهم بهذا يُديرون الكثير من العمليَّات في وقتٍ واحدٍ.
النظرة المُستقبليّة
لا يغرقُ رجل الأعمال المتسلسل مطلقاً في الماضي، ولا ينظرُ للتَّجارب الَّتي جعلتهُ على حافّةِ الهاويةِ، بل ينظرُ لكلِّ مشكلةٍ على أنَّها فرصةٌ للنَّجاح، ويبتكرُ منها أفكاراً تُساعدهُ على الانطلاق بمجالٍ جديدٍ.
قادرٌ على العمل الجماعي
رجل الأعمال المتسلسل غير متحيّزٍ لرأيهِ، بل يعملُ بفاعليةٍ كبيرةٍ وسط الفريق مع قدرةٍ كبيرةٍ على إدارتهِ في الوقت ذاته، فلن يمكن بأيِّ حالٍ من الأحوال النَّجاح في مشروعاتٍ عدَّةٍ دون إدارةٍ جيدةٍ لنفسكَ ولفريقٍ مُتمكِّنٍ في كلِّ مجالٍ.
لا يهتم بكسب المال
الدَّافع خلف الدُّخول في عدَّة مشروعاتٍ هو إخراج الأفكار من الورق إلى العالم الواقعيّ والاستمتاع بالرِّحلة والإنجاز وابتكار شيءٍ جديدٍ، صحيحٌ أنَّ كسبَ المال بالطَّبع هدفٌ في النّهاية، ولا يُمكن إغفالهُ، ولكنَّه لا يأتي مُطلقاً في المرتبةِ الأولى لرجل الأعمال المتسلسل.
شاهد أيضاً: أخطر 4 تحديات تواجه الأعمال في عام 2024
الخطوات اللازمة لتصبح رائد أعمال متسلسل
من الضَّروريّ أن تعرَّفَ قبل التَّفكير في أن تكونَ رجل أعمال متسلسل أنَّ هذه الفئة من رجال الأعمال لا تُحقِّق النَّجاح دائماً، فصحيحٌ أن يستفيدوا من خبرتهم في التَّسويق، ومن علاقاتهم ونفوذهم والفريق الَّذي أنشؤوه من مشروعاتٍ سابقةٍ، ولكنَّهم قد يتعرَّضون للكثير من الإخفاقات أيضاً مثل ريتشارد برانسون وتجاربه مع علامة فيرجن، بالإضافة إلى هاري وين هويزنجا الَّذي أسسَّ مجموعة شركاتٍ سواءً في الإعلام أو كرة القدم أو البيسبول أو ألعاب الفيديو قبل أن يصلَ إلى حافة الإفلاس التَّامِّ لينهضَ من جديدٍ، ومن أهمِّ الخطوات الَّتي عليك اتِّباعها إذا رغبتَ في أن تدخلَ عدَّة مشروعاتٍ معاً؛ لتكون رجل أعمال متسلسل: [3]
تحديد أهداف وأولويات واضحة وواقعيّة
ليس فقط الفكرةُ المُبدعةُ هي الأكثر أهميَّةً لتكون رائد أعمال متسلسل، بل يجبُ أن تكونَ لديك أهدافٌ محدَّدةٌ لما ترغبُ في القيام به، وتساعدكَ دراسات السُّوق في التَّركيز على الفجوة المُوجودة في المجال الجديد الَّذي ترغبُ في اقتحامهِ؛ لتعملَ على تلبيتها بأفضل شكلٍ ممكنٍ، كما يجبُ أن يكونَ الهدفُ واقعيّاً دون التَّأثُّر بالنَّجاحات التي حقَّقتَها سابقاً قدر المُستطاع ووضع توقُّعاتٍ مرتفعةٍ؛ ممَّا يؤدِّي إلى كارثةٍ.
تكوين فرق قوية
لا يُمكن أن تتخيَّلَ أن تقوم بكلِّ شيءٍ بنفسكَ إذا رغبت في أن تكونَ رجل أعمال متسلسل؛ لذا بناء فريقٍ قويٍّ ومتفهِّمٍ، ويستوعب الأهداف، وقادرٍ على تنفيذها من أهمِّ الخطوات الَّتي عليكَ الاهتمام بها.
استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بكفاءة
من أكثر الأمور التي أدَّت إلى زيادةٍ في عدد رجال الأعمال المتسلسلين حول العالم إمكانيَّة أتمتة الكثير من المهامِّ مع الحصول على توقُّعاتٍ مستقبليَّةٍ بشأن نجاح أو فشل مشروعٍ ما عبر أدوات الذَّكاء الاصطناعيِّ أو أفضل الطُّرق لتنفيذه في السُّوق المستهدف؛ لذا لا تتردَّد في الاستفادة من التِّقنيات المتنوِّعة لتوليد الأفكار وتنفيذها وقياس مدى نجاحها وأفضل الطُّرق لتسويقها.
إجراء أبحاث سوق شاملة ومستمرّة
من الضَّروريِّ أن تكونَ على اطلاعٍ دائمٍ بالاتِّجاهات السُّوقيَّة في مختلف المجالات حتَّى إذا لم تكن ستعملُ بها مباشرةً، ولكنَّها ستؤثِّر على مجال عملكَ، فمن المهمِّ أن تتعرَّفَ على بدائل منتجاتكَ وخدماتكَ وكيف تُؤثِّر عليكَ، أو تمنع تدفُّق عملكَ، ويجب أن تكونَ تلك الأبحاث مستمرِّةً سواءً في السُّوق الَّذي تستهدفهُ أو في أسواقٍ أُخرى، وكلَّما كانت الأبحاث شاملةً ومستمرَّةً زادت فُرصكَ في أن تدخلَ مشروعاتٍ متنوِّعةً وناجحةً في الوقتِ ذاتهِ.
عدم التّردّد في استخدام كل الموارد المُتاحة
من النُّفوذ إلى دائرة الاتّصالات القويَّة إلى رأس المال وغيرها من موارد، فإنَّ رجل الأعمال المتسلسل لا يتردَّدُ في استخدام كلِّ المواردِ المُتاحةِ أمامهُ؛ لإنجاحِ مشروعهِ مع دعم العلاقات الاجتماعيَّة المُتنوِّعة.
الاهتمام بتلبية حاجات العملاء
إذا كان هذا هو هدف كلِّ الأعمال التِّجاريَّة، فإنَّ الأمرَ يختلفُ لدى رائد الأعمال المتسلسل، فقد يُوقِف المشروع تماماً إذا لم يُلبِّ احتياجات العملاء الَّذين يستهدفهم، فهو لا يستهدف فكرةً أو عملاً بل تلبية احتياجاتٍ، وإذا لم تكن هناك فرصةٌ للتَّحسُّن المستمرِّ، فمن الأفضل التَّراجع عن الفكرة وتقبُّل فشلها في تحقيق الهدف منها.
الفرق الأساسي بين رائد الأعمال المتسلسل والكلاسيكي
يكمنُ الفرقُ الأساسيُّ بين رائد الأعمال المُتسلسل والكلاسيكيِّ في مستوى المُرونة والاستقرار الَّذي يتوفِّرُ لدى كلِّ نوعٍ، ففي حين يكونُ رائد الأعمال المتسلسل مدفوعاً بالإثارة الَّتي تصاحبُ إطلاق مشروعاتٍ جديدةٍ، ولديه تقبُّلٌ تامٌّ لعدم اليقين والمخاطر الَّتي تُصاحِب كُلَّ مجالِ عملٍ جديدٍ، فإنَّ رجل الأعمال الكلاسيكيّ يُعطي الأولويَّة للاستقرار وللنُّموِّ على المدى الطَّويل، فتُركِّزُ شركات الأعمال التَّقليديَّة، مثل كوكاكولا على تثبيت موضع قدمها في صناعةٍ مُعيّنةٍ وبناء قاعدةٍ من العملاء المُستقرِّين المُخلِصين مع استثمار الكثير من الوقت والمجهود والتَّطوير للحفاظ على هذه القاعدة من العملاء وتضخيمها، سواءً على مستوى محليٍّ أو إقليميٍّ أو أيضاً عالميٍّ مع تحسين المُنتجات باستمرارٍ.
كما أنَّ رائد الأعمال المتسلسل أكثر عرضةً لتجربة أفكارٍ تجاريَّةٍ جديدةٍ، وحتَّى قد تكونُ مختلفةً تماماً، مثل إيلون ماسك الَّذي كان من أوائل الأشخاص الذين اهتمَّوا بالسيارات الكهربائية والاستثمار الخاصِّ في الفضاء وعدم الخوف من مُنافسة الحكومات العالميَّة؛ ليؤسِّس مجموعة شركاتٍ متنوِّعةٍ ومتباينةٍ تماماً مثل Tesla وSpaceX وSolarCity، والَّتي أحدثت كلٌّ منها ثورةً في القطَّاع الخاصِّ بها، ممَّا أكَّد قدرتهُ على التَّكيُّف والابتكار في الأسواق المُختلفة، حتَّى وصل إلى وسائل التَّواصل الاجتماعيّ أيضاً بمنصَّة X على الرَّغم ممَّا يجده فيها من عوائق حتَّى الآن.
شاهد أيضاً: "اتّبع شغفك".. النصيحة الأسوأ لروّاد الأعمال
ما الأفضل أن تكون رجل أعمال متسلسل أم كلاسيكياً؟
إنَّ هذا يُحدِّده بشدَّةٍ الأهداف الشَّخصيَّة والرَّغبة في المخاطرة ومدى الشَّغف بالابتكار وطبيعة السُّوق أيضاً، فمن الضَّروريّ تقييم نقاط قوَّتكَ وضعفكَ وتحديد اهتماماتكَ، ولكن إذا نجحتَ بالفعل في إطلاق مشروعٍ ناجحٍ، ورغبتَ في خوض تجربةٍ جديدةٍ، فاحرص على الاهتمام بوجود عمليَّاتٍ مضمونةٍ في المشروع الأوَّل مع التَّركيز على الجانب البشريّ القادر على تغطية أوقات غيابكَ، مع التَّطلُّع للفكرة الجديدة ودراستها وعدم رفضها لمجرَّد الخوف من الجديدِ. [4]
فرجل الأعمال المتسلسل يتمتَّعُ بمحافظَ متنوِّعةٍ ولديه قدرةٌ فعليَّةٌ على التَّغيير، ويمتلكُ شبكةَ اتِّصالاتٍ أكثر اتِّساعاً بكثيرٍ من رائد الأعمال التَّقليديِّ، ويتمتَّع بنفوذٍ أكبر يزيد مع كلِّ مشروعٍ ناجحٍ، ولكنَّه بالطَّبع يحتاجُ إلى الكثير من المرونة والشَّبكات الدَّاعمة خلفهُ لمساعدتهِ، مع قدرةٍ كبيرةٍ على تقبُّل الفشل دون يأسٍ أو انهيارٍ.
-
الأسئلة الشائعة
- هل رائد الأعمال يولد أم يصنع؟ رائد الأعمال يعتمدُ دائماً على الابتكار، وهو أمرٌ قد يكون فطريّاً، ولكن يمكن تطوير الإبداع أيضاً بطرقٍ متنوّعةٍ، سواء لتكون رجل أعمال تقليديّاً أو متسلسلاً.
- ما الفرق بين رجل الأعمال ورائد الأعمال؟ الربح هو الهدف الرئيسي لرجل الأعمال والذي يدخل في مشروعات مضمونة ومعروفة ومربحة، أما رائد الأعمال فيهتمّ أكثر بالتطوير، ويكون أكثر طموحاً وتحمساً لفكرته، ويركّز أكثر على تحقيق أهداف اجتماعيّة ومستقبليّة أكثر من الأرباح، والتي تأتي أيضاً، ولكنها ليست الهدف الأول.
- ما هي المهارات التي يحتاجها رائد الأعمال؟ القدرة على تنظيم الوقت وحب الابتكار والفضول المستمّر لتعلّم الجديد في الكثير من المجالات وعن أيّ شيءٍ مع النّظرة الثّاقبة المستقبليّة.
- ما هي وظيفة رائد الأعمال؟ هو الشّخص القادر على إطلاق مشروعٍ أو عدّة مشروعاتٍ وإدارتها بنجاحٍ مع تلبية حاجاتٍ سوقيّةٍ مُتعلّقةٍ بتلك المشروعات وخوض المنافسة مع التّعلم من الإخفاقات.