رواد التكنولوجيا في الخليج العربي: عماد غرز الدّين

استوحى عماد غرز الدّين رؤيته من قدرة التّقنيّة على مواجهة التّحدّيات الواقعيّة، فأسّس مامو (Mamo) بهدف مساعدة الشّركات الصّغيرة والمتوسّطة على تبسيط أدواتها الماليّة، ممّا يمكّنها من التّركيز على تنمية أعمالها بدلاً من الانشغال بالعقبات الإداريّة. يقول غرز الدّين: "خلال سنوات عملي في شركة غوغل (Google)، سواءً على المستوى العالميّ، أو في دبي، تأثّرت بعمقٍ بالقوّة التّحويليّة للتّقنيّة في حلّ المشكلات الواقعيّة. ومع ذلك، أدركت أنّ منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، رغم التّحوّل الرّقميّ السّريع الّذي تشهده، لا تزال تفتقر إلى الدّعم الكافي للشّركات الصّغيرة والمتوسّطة، الّتي تعدّ العمود الفقريّ لاقتصادنا". 

بدأت رحلة غرز الدّين في قطاع التّكنولوجيا الماليّة بابتكار محفظةٍ للنّقد بين الأفراد (Peer-to-Peer Wallet)، ولكنّه سرعان ما أدرك الحاجة إلى حلولٍ ماليّةٍ أشمل وأكثر تكاملاً. يوضّح: "هذا الإدراك قادنا إلى تغيير مسارنا للتّركيز على تطوير حلولٍ تقنيّةٍ موجّهةٍ خصّيصاً للشّركات الصّغيرة والمتوسّطة. بدأنا بحلول المدفوعات الرّقميّة، وتوسّعنا سريعاً إلى إدارة النّفقات والخدمات الائتمانيّة". ويضيف: "غايتنا هي تمكين الشّركات الصّغيرة والمتوسّطة من تحقيق النّموّ والازدهار. نفعل ذلك من خلال تبسيط العمليّات الماليّة، ممّا يساعدها على التّركيز على أهدافها التّجاريّة بدلاً من الانشغال بالتّعقيدات الإداريّة. هذا الطّموح يحفّز كلّ خطوةٍ نتّخذها في مامو". 

تعمل مامو تحت إشراف سلطة دبي للخدمات الماليّة (Dubai Financial Services Authority)، وقد أبرمت شراكاتٍ استراتيجيّةً مع مؤسّساتٍ ماليّةٍ عالميّةٍ مثل فيزا (Visa) و"شيك آوت دوت كوم" (Checkout.com)، بالإضافة إلى تعاونها مع بنوكٍ إقليميّةٍ بارزةٍ مثل "راك بنك" (RAKBANK). هذه الشّراكات تعزّز مكانة مامو كنظام تشغيلٍ ماليٍّ رائدٍ للشّركات الصّغيرة والمتوسّطة في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا. 

بطموحٍ يركّز على إعادة صياغة مشهد الخدمات الماليّة، يرى غرز الدّين أنّ مامو ليست مجرّد منصّةٍ، بل وسيلةٌ لإحداث تغييرٍ جذريٍّ في طريقة عمل الشّركات الصّغيرة والمتوسّطة، قائلاً: "نسعى إلى أن نكون الشّريك الأوّل للشّركات النّاشئة، نساعدها على تحقيق إمكانيّاتها الكاملة في عالمٍ رقميٍّ متسارعٍ". 

دليل النّجاح: حوارٌ مع عماد غرز الدّين

كيف ستعيد استثمارات دول مجلس التّعاون الخليجيّ رسم المشهد التّكنولوجيّ العالميّ؟

"تسير دول مجلس التّعاون الخليجيّ بخطًى حثيثةٍ نحو الرّيادة العالميّة في قطاع التّكنولوجيا، مدفوعةً برؤًى استراتيجيّةٍ طموحةٍ، مثل مشاريع الخمسين في الإمارات ورؤية السّعوديّة 2030. هذه المبادرات لا تُعنى فقط بتحديث البنية التّحتيّة، بل تعيد تشكيل النّظام الاقتصاديّ والتّكنولوجيّ برمّته، لتجعل المنطقة مركزاً عالميّاً للابتكار، لا سيّما في التّكنولوجيا الماليّة، والذّكاء الاصطناعيّ، والمدن الذّكيّة.

بفضل الاستثمارات الضّخمة في التّقنيات النّاشئة، والدّعم المتزايد لريادة الأعمال، لا تقتصر دول الخليج على حلّ تحدّياتها الإقليميّة، بل تنتج حلولاً قابلةً للتّوسّع عالميّاً. يضاف إلى ذلك موقعها الاستراتيجيّ، والأطر التّنظيميّة القويّة، والالتزام ببناء شراكاتٍ متينةٍ، ما يجعلها محوراً للتّجارة العابرة للحدود، وقاطرةً للبنية التّحتيّة المدعومة بالتّكنولوجيا.

ومع تزايد اهتمام الشّركات العالميّة بالكفاءات، ورأس المال، والابتكار الّذي توفّره المنطقة، سيزداد نفوذ الخليج في المشهد التّكنولوجيّ العالميّ. أمّا بالنّسبة للشّركات النّاشئة مثل Mamo، فتوفّر هذه البيئة فرصاً غير مسبوقةٍ للنّموّ، والتّعاون، والابتكار – ليس فقط للمنطقة، بل للعالم بأسره. نحن اليوم عند نقطة تحوّلٍ مفصليّةٍ، ومن يدرك الفرص الآن، سيكون من صنّاع المستقبل".

ما النّصيحة الّتي تقدّمها لروّاد الأعمال الشّباب أو الشّركات النّاشئة الّتي ترغب في دخول مجال التّكنولوجيا الماليّة؟

"أوّل ما يجب أن يدركه أيّ رائد أعمالٍ في التّكنولوجيا الماليّة هو أنّ المستخدم يأتي أوّلاً. لا تبدأ بمنتجك، بل ابدأ بفهم احتياجات السّوق. استمع إلى العملاء، تعرّف إلى التّحدّيات الّتي تواجههم، وركّز على تقديم قيمةٍ حقيقيّةٍ من خلال حلولٍ تحدث فارقاً ملموساً.

يكمن مفتاح النّجاح في السّرعة والتّجربة المستمرّة – لا تنتظر أن يكون منتجك مثاليّاً قبل إطلاقه. ابدأ سريعاً، اجمع البيانات، ثمّ طوّر بناءً على الواقع. السّرعة ليست ميزةً تنافسيّةً فحسب، بل ضرورةٌ في قطاعٍ يشهد تغييراتٍ متسارعةٍ. من يبطأ، يتأخّر.

لا تخش التّجربة، ولا تهاب الفشل. بعض الأفكار ستنجح، وبعضها لن يكتب له ذلك، ولكنّ كلّ تجربةٍ ستضيف إلى خبرتك، وتعيد تشكيل رؤيتك.

وأخيراً، تذكّر أنّ الثّقة ليست سلعةً، بل هي أساس كلّ شيءٍ في التّكنولوجيا الماليّة. وأنّ الامتثال، والشّفافيّة، والموثوقيّة ليست مجرّد متطلّباتٍ قانونيّةٍ، بل هي الأعمدة الّتي يقوم عليها أيّ مشروعٍ مستدامٍ وقادرٍ على التّوسّع".

احتفت مجلّة "عربية .Inc" بعماد غرز الدّين، المؤسّس الشّريك لشركة Mamo، كواحدٍ من ثلاثين مبتكراً بارزاً في عدد ديسمبر 2024 ضمن تقريرها "روّاد التّكنولوجيا في الخليج العربي" (The GCC’s Tech Vanguard).

للاطّلاع على القائمة الكاملة، اضغط هنا.