الرئيسية الريادة سر نجاح ريادة الأعمال الغذائية: التّمسك بما تعرف وتطويره

سر نجاح ريادة الأعمال الغذائية: التّمسك بما تعرف وتطويره

سوريّون برزوا في سوقٍ مزدحم، لمّا أدركوا أن التّفرّد يبدأ بالبحث عمّا تعرفه حقاً، وتحويله إلى قيمة لا يستطيع أحدٌ تجاهلها

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

الزّوجان السّوريان رزان الصّوص ورغيد صندوق، صيدلانيّةٌ ومهندس إلكترونيّاتٍ، لم يتوقّعا يوماً أن يديرا ظهرهما لتحصيلهما العلميّ، ويتّجها إلى العمل في مجال صناعة الجبنة، ولكنّ ظروف الحياة فرضت كلمتها، وكان من الضّروريّ التّعامل معها بذكاءٍ، ليشكّل الزّوجان واحدةً من قصص نجاح السّوريّين في الخارج، عنوانها الذّكاء والمرونة، ومثلهما كثرٌ من السّوريّين الّذين دخلوا عالم ريادة الأعمال الغذائيّة في بلدان لجوئهم.

غادر الزّوجان السّوريّان بلادهما عام 2012؛ بسبب ظروف الحرب في سوريا، ليصلا إلى بريطانيا بحثاً عن حياةٍ جديدةٍ، وبعد 10 سنواتٍ أسّسا شركتهما النّاشئة "يوركشاير داما تشيز" (Yorkshire Dama Cheese)، الّتي باتت اليوم تزوّد سلسلة متاجر Aldi العالميّة بمنتجاتها، المنتشرة في مختلف أنحاء المملكة المتّحدة.

انطلاقةٌ متواضعة وإنجازٌ عالمي

لم يستطع الزّوجان العمل في مجالهما العلميّ عند وصولهما إلى بريطانيا، بسبب نقص الخبرة العمليّة المتوافقة مع سوق العمل البريطانيّ. وسط هذه التّحدّيات، خطرت لرزان فكرة تحويل حبّها للطّهي إلى مشروعٍ تجاريٍّ، مستفيدةً من دعم الحكومة البريطانيّة للمشاريع النّاشئة.

تقول رزان إنّ الإلهام جاء عندما كانت تبحث عن جبنة الحلوم المفضّلة لديها، ولم تجدها متوفّرةً في الأسواق المحلّيّة. لم يكن العثور على هذا النّوع من الجبنة السّوريّ المعتاد أمراً سهلاً في بريطانيا، حيث تصنع وتوزّع في مواسم محدّدةٍ فقط.

هذا النّقص كان نقطة البداية؛ أعدّت رزان دفعةً منزليّةً من جبنة الحلوم، وطرحت الفكرة على زوجها لتأسيس مشروعٍ لتصنيعها بشكلٍ دائمٍ. ورغم أنّ رغيداً لم يكن متحمّساً للفكرة في البداية، إلّا أنّ تجربة تذوّق الجبنة الّتي أعدّتها رزان غيّرت رأيه. يقول رغيدٌ: "عندما تذوّقتها شعرت وكأنّني عدت إلى سوريا".

بدعمٍ أوّليٍّ من وكالة المشاريع المحلّيّة، حصل الزّوجان على قرضٍ مبدئيٍّ بقيمة 2500 جنيهٍ إسترلينيٍّ في عام 2014. استثمرا المبلغ في معدّاتٍ بسيطةٍ لتأسيس خطّ إنتاجٍ صغيرٍ لجبنة الحلوم في منزلهما. لم يمض سوى أربعة أشهرٍ حتّى أظهرت جودة منتجهما تفوّقاً لافتاً، حيث حصدا أولى الجوائز، وهي الميداليّة البرونزيّة في مسابقة الجبن العالميّة.

هذا الإنجاز المبكّر كان بمثابة دفعةٍ معنويّةٍ للزّوجين، ودفعهما لتوسيع نطاق العمل تدريجيّاً. سرعان ما لاقت منتجاتهما قبولاً كبيراً لدى البريطانيّين، ممّا ساهم في توسيع قاعدة عملائهما، وتحوّل مشروعهما من مجرّد مبادرةٍ محلّيّةٍ إلى علامةٍ تجاريّةٍ معروفةٍ على مستوى المملكة المتّحدة.

مع ازدياد شعبيّة جبنة الحلوم الّتي يصنّعها الزّوجان، جذبت منتجات "يوركشاير داما تشيز" انتباه سلسلة متاجر Aldi العالميّة، الّتي قرّرت إدراجها ضمن منتجاتها وتوزيعها على مستوى المملكة المتّحدة. هذا التّعاون شكّل علامةً فارقةً في مسيرة الشّركة، وجعلها واحدةً من أبرز قصص نجاح اللّاجئين السّوريّين في بريطانيا.

قصّة رغيدٍ ورزان ليست استثناءً، بل هي جزءٌ من موجة نجاحاتٍ حقّقها العديد من اللّاجئين السّوريّين في مجالات الطّهي وريادة الأعمال الغذائيّة في بلدان اللّجوء. إذ وجد كثيرون من السّوريّين أنفسهم أمام صعوباتٍ في العمل بمجالاتهم العلميّة، فاختاروا نقل ثقافتهم الغنيّة بالمأكولات الشّهيّة إلى العالم. عبر هذه المشاريع، لم يقدّم اللّاجئون طعماً فريداً من نوعه فقط، بل تركوا بصمةً ثقافيّةً وإنسانيّةً تعكس قوّة الإرادة والقدرة على التّحوّل من المحنة إلى النّجاح [1].

من مطبخٍ صغير إلى مصنعٍ ناجح

ليس ببعيدٍ عن تجربة رزان وزوجها، استطاع ريدار حاجّ مصطفى، ابن مدينة حلب السّوريّة المقيم في ألمانيا، أن يحوّل حبّه لصناعة الأجبان إلى مشروعٍ ناجحٍ يحظى بشعبيّةٍ متزايدةٍ بين الزّبائن المحلّيّين. منذ افتتاحه مصنع صغير في عام 2020، تمكّن مصطفى من إنتاج أنواعٍ مختلفةٍ من الجبنة السّوريّة الّتي أبهرت المستهلكين، وأثبتت مكانتها في الأسواق.

في مصنعه الّذي تبلغ مساحته 80 متراً مربّعاً، يبدع مصطفى (43 عاماً) يوميّاً في إنتاج ما يصل إلى 500 كيلوغرامٍ من الأجبان السّوريّة. تشمل منتجاته ستّة أنواعٍ متنوّعةٍ من الجبن، تتراوح بين الجبن الطّريّ والنّصف مقطّعٍ، إلى جانب أنواعٍ قشديّةٍ وأخرى مشويّةٍ، تلبّي أذواقاً مختلفةً.

يقول مصطفى إنّ الألمان يبدون إعجاباً خاصّاً ببعض النّكهات الشّرقيّة الفريدة. على رأس هذه المنتجات تأتي الجبنة المشويّة، الّتي تعتبر من الأطعمة المفضّلة لديهم، والجبن المسنّر بالكمّون الأسود، الّذي يحظى بإقبالٍ كبيرٍ. بالإضافة إلى ذلك، يقدّم مصطفى خياراتٍ مبتكرةً تشمل أجباناً بطعمٍ حلوٍ أو ساخنٍ، ما يضيف تنوّعاً جديداً للسّوق المحلّيّة.

على الرّغم من النّجاح الّذي حقّقه مشروعه حتّى الآن، فإنّ مصطفى لا ينوي التّوقّف عند هذا الحدّ. يطمح إلى توسيع مساحة مصنعه وزيادة إنتاجه لتلبية الطّلب المتزايد على منتجاته. ولكنّه يدرك أنّ إتقان اللّغة الألمانيّة يعدّ جزءاً مهمّاً من تحقيق طموحاته المستقبليّة.

ومع خطواته القادمة، يواصل مصطفى رسم ملامح مستقبله في ألمانيا، جامعاً بين إرثه السّوريّ وطموحه في تقديم المزيد من النّكهات الّتي تعبّر عن هويّته وابتكاره [2] .

تحويل التّحديات إلى فرص

بعد سنواتٍ من المعاناة والتّحدّيات في ألمانيا، استطاع سامر سيروان وزوجته تحويل تجربة اللّجوء إلى قصّة نجاحٍ جديدةٍ. ففي أحد أحياء العاصمة برلين، افتتح الزّوجان مطعماً يقدّم أشهى الأطباق السّوريّة التّقليديّة، ليصبح وجهةً محبّبةً للزّبائن الألمان الباحثين عن النّكهات الشّرقيّة الأصيلة.

في عام 2015، غادر سامر سيروان دمشق بعد أن فقد مصدر رزقه الرّئيسيّ. شركته المتخصّصة في استيراد وتصدير الموادّ الغذائيّة تعرّضت لخسائر كبيرةٍ، ممّا دفعه للبحث عن بدايةٍ جديدةٍ في ألمانيا. لم تكن السّنوات الأولى سهلةً؛ فالعائلة واجهت صعوباتٍ عديدةً في التّأقلم مع الحياة الجديدة وبناء مستقبلٍ مختلفٍ تماماً عن حياتهم السّابقة في سوريا.

بدأت فكرة افتتاح مطعمٍ تراود سامر منذ عام 2016، عندما انخرط هو وزوجته في جولات مشيٍ منظّمةٍ برفقة سكّانٍ محلّيّين في برلين. كانت هذه الجولات، الّتي تهدف إلى تعريف اللّاجئين بأحياء المدينة وتعزيز اندماجهم، فرصةً لسامر للتّفكير في كيفيّة تقديم الثّقافة السّوريّة للمجتمع الألمانيّ، لا عبر التّواصل فحسب، بل أيضاً من خلال المطبخ.

افتتح سامر وزوجته مطعمهما في برلين، مقدّمين تشكيلةً واسعةً من الأطباق السّوريّة الشّهيرة، الّتي سرعان ما لاقت إقبالاً كبيراً من الألمان. ورغم الصّعوبات الاقتصاديّة النّاتجة عن انتشار فيروس كورونا، نجح المطعم في جذب الزّبائن بفضل أجوائه الدّافئة والنّكهات المتميّزة الّتي يقدّمها.

يصف سامر مطعمه بأنّه أكثر من مجرّد مكانٍ لتناول الطّعام، قائلاً: "في المرّة الأولى يأتون كزبائن، ولكنّهم يعودون كأصدقاء. نحن نحاول أن نجعلهم يشعرون وكأنّهم في منزلهم". هذه الأجواء العائليّة، الّتي تعكس طبيعة الكرم السّوريّ، كانت أحد أهمّ عوامل نجاح المطعم.

من بين الأطباق الّتي أثارت إعجاب الزّبائن الألمان، تبرز أكلة "ورق العنب" السّوريّة الشّهيرة، الّتي أصبحت من العلامات المتميّزة للمطعم. نقل سامر وزوجته هذه الوصفة التّقليديّة بحرفيّةٍ إلى برلين، لتكون جسراً يجمع بين الثّقافة السّوريّة والأذواق الألمانيّة [3].

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: