أسوأ زملاء العمل واستراتيجيات فعّالة للتعامل معهم
دليلك لفهم ومواجهة الشخصيات الصعبة في المكتب
متوسّط أعمارنا يناهز الخمسة وسبعين عاماً، وإذا ما أفنينا ثماني ساعات يوميّاً في العمل -بل وأكثر في كثيرٍ من الأحيان- فإنّ هذا يعني أنّنا نقضي ما يقارب الخمس وعشرين سنةً مغمورين في بحار العمل! هذا الرّقم، المخيف بما يحملُ من دلالاتٍ، يزداد وطأةً وصعوبةً عندما تتحوّل بيئة العمل إلى ساحةٍ لمواجهة الزملاء السيئين. فالبيئةُ التي يُفترضُ أن تكونَ محفّزةً وملهمةً، قد تصبح، بوجود مثل هؤلاء الأفراد، مصدراً للإحباط والطّاقة السّلبيّة، ولهم أنواعٌ سنعرّفها في هذا المقال.
ليس الهدف من هذه المقالة التّشهير أو التّنديد بالشّخصيّات السّيئة، بل العمل على تحسين العلاقات الوظيفيّة من خلال التّعرّف على السّلوكيّات المؤذية وتقديم الحلول العمليّة لمواجهتها. ففي النّهاية، العمل ليس مجرّد ساعاتٍ نقضيها خلف المكاتب أو في المصانع والشّركات، إنّما هو جزءٌ لا يتجزّأ من حياتنا يُمكن أن يكونَ مصدر إلهامٍ وإبداعٍ، إذا ما أحسنا طريقة تعاملنا مع التّحديات التي تواجهنا، ومن ضمنها التّحدي الّذي يمثّله الزملاء السيئين.
1- الشّكاء البكَّاء
الفرقُ كبيرٌ بين صورة الشّكوى عندما تكون مشروعةً بشكلٍ عابرٍ، وبين صورتها عندما تأخذ شكل الاستمراريّة وكأنّها مسلسلٌ لا تنتهي أجزاؤه. الشكَّاء البكَّاء هو الصّورة الثّانية، يشكو من كلّ شيءٍ، من حجم العمل، ووقت العمل، واضطهاد مديره، ويتجاوز الأمر أبعد من ذلكَ إلى أمورٍ في حياته الشّخصيّة، ويشاركها معك مسبّباً بذلك طاقةً سلبيّةً لا تُحتمل.
هي شخصيّةُ سلبيّةٌ في الأساس، ولديه قلّة الحماس للقيام بأيّ شيءٍ بشكلٍ عامٍّ، وبمرور الوقت، تنتقل العدوى إلى من حوله، وتجد نفسكَ لا تُركّز إلّا على الجوانب السّلبيّة، وتفقد حماسكَ وقدرتكَ على النّجاح.
كيفية التّعامل: يمكن للتّوجيه الإيجابيّ والتّحفيز المستمرّ أن يُعيدَ إليهم بعض الإيجابيّة والتّفاؤل. كما يمكن لإقامة حواراتٍ بنّاءةٍ أن تُساعدَ في إعادة توجيه تركيزهم نحو الجوانب الإيجابيّة في العمل والحياة، فتصبحُ بيئة العمل محفّزاً لهم بدلاً من أن تكونَ مصدر قلقٍ وشكوى.
2- النَّمَّام
في دراسةٍ نُشرت عام 2004 لعالم الأنثروبولوجيا وعلم النَّفس التَّطوُّريّ روبن دونبار Robin Dunbar، أوضح فيها أنَّه "لا يوجد مجتمعٌ حيث لا توجد نميمة"، ويرى أنَّ للنَّميمة دوراً كبيراً في تطوير المجتمعات، على أساس أنَّنا كأفرادٍ نستخدم اللُّغة بشكلٍ أساسيٍّ لتبادلَ المعلومات الاجتماعيّة محافظةً على التواصل مع الآخرين.
الموظَّف النَّمَّام لا يتبادل إلَّا المعلومات الظَّنيَّة، القائمة على سوء الظَّنّ المُتعمَّد، التي لا تعبِّر إلَّا عن نصف الحقيقة، ونصفها الثَّاني حتماً يحمل إساءةً لأحد الزُّملاء. ويسبّب وجوده قدراً كبيراً من التَّوتُّر وانعدام الشُّعور بالأمان، والوقيعة كذلك ليس بين الزُّملاء وبعضهم، ولكن بينهم وبين المدير، ويزداد الأمر سوءًا لو كان هناك أكثر من موظَّفٍ يمارس تلك العادة الذَّميمة.
كيفيّة التّعامل: ببناء ثقافةٍ شفّافةٍ تعمل على تقليل الحاجة إلى النّميمة وتحفيز العمل الجماعيّ القائم على الصّراحة والوضوح، مع التّركيز على استراتيجيّاتٍ تُساعد على تعزيز التّواصل الفعّال وتقليل المجالات التي قد تُغذّي سلوك النّميمة.
3- عين المدير الساهرة
لا تخْلُ أيّ بيئة عملٍ من هذا النَّموذج، وهو الموظَّف الذي يتطوَّع لنقل كلِّ أخبار الموظَّفين للمدير، وأحياناً بالاتّفاق معه! بيئة الخلافات والصِّدامات هي البيئة المُثلى لهذا النَّموذج، فضوليٌّ، ويجيد فنَّ التَّنصُّت، إمكانيَّاته وإنتاجيَّة عمله فقيرةٌ، مقارنةً بمثيلتها في نقل الأخبار، والتي تشفع له لدى رؤسائه، ففي الحالة التي يتواطأ فيها معهم، وهو يتوفِّر في كلِّ المجتمعات، ممكن أن تجده في شركةٍ في إنجلترا تحت اسم SPY، كما تجده في مجتمعاتٍ أُخرى تحت مسمَّى "عصفورةٌ".
كيفيّة التّعامل: خلق جوٍّ من الثّقة والاحترام المتبادل يجعلُ عين المدير السّاهرة تجدُ في الشّفافيّة والصّراحة ملاذاً، بدلاً من اللّجوء إلى التّجسّس ونقل الأخبار. وباعتماد منهجيّةٍ تُعزّز العلاقات الإيجابيّة بين الموظّفين والإدارة بشكلٍ يُقلّل من الحاجة إلى هذه السّلوكيّات.
شاهد أيضاً: الشفافية: سر ولاء العملاء لعلامتك التجارية
4- اللّص
الذي يسرقُ فكرة أو مجهود أحدهم، ولا يُمكن إيضاح ملامح شخصيّته، فاكتشافهُ يتوقّف على حادثةٍ ما أو موقفٍ، وهو أمرٌ -للأسف- منتشرٌ بصورةٍ كبيرةٍ. إذ، لا يتردّد في أن ينسبَ فكرةَ زميله لنفسه، أو أن يتجاهلَ ذكر مجهوده في عملٍ ما؛ ليستحوذَ وحده على رصيد الثّناء والتّقدير، ومن الوارد -وللأسف بشكلٍ أكبر- أن يُجسّد المدير هذه الشّخصيّة.
لا شكَّ أن وجود هذا النَّوع يسبِّب الكثير من الإحباط في بيئة العمل، وانعدام الحماس، وتحوُّل أداء الموظَّف الَّذي سُرِقَت فكرته أو مجهوده إلى أداءٍ نمطيٍّ روتينيٍّ، خاصَّةً عندما يتكرُّر سلوكه، ولا يقابَل بالرَّفض من الرُّؤساء، أو لا يأخذون الإجراء الواجب اتّخاذه في مثل هذه المواقف.
قد تتبادرُ إلى ذهنكَ عزيزي القارئ صفة السَّلبيَّة وهذا صحيحٌ، ولكن فلتضف إليها صفة قلَّة التّعاطف كذلك، أو انعدامه، فبقاؤنا كمتفرِّجين على ممارسات زملاء العمل السَّيئين بشكلٍ عامٍّ أيَّاً كانت نماذجهم، تتناقض مع مفترضات شعور زملاء بيئة العمل الواحدة بالتَّعاون، في حين أنَّهم -كممثلين لجانب الموظَّفين الأخيار- في قصَّة الزملاء السيئين، يجب أن يكونوا متعاونين على توحيد كلِّ مجموعة العمل على روح تعاونٍ واحدةٍ هدفُها القضاء على هذه النَّماذج، وكلّ ما من شأنه أن يجعلَ بيئة العمل سامةٌ. [2]
كيفيّة التّعامل: باعتماد آليّاتٍ لحماية الأفكار والمجهودات داخل الفريق، وبهذا يُمكن للإدارة أن تلعبَ دوراً حاسماً في تعزيز بيئة العمل العادلة والمحفّزة على الإبداع والابتكار دون خوفٍ من اللّصوص.
5- نحن!
لا تتعجّب من هذا النّوع، من وجهة نظري هو الأهمّ، بل وقد يكون الأخطرَ، إذ يحدثُ هذا عندما نكون جميعاً كالمارّة في بيئة العمل، أو Bystander، كما عبّرت عنه الكاتبة والصّحفية Siobhan Neela-Stock، تعبيراً عن الأشخاص الحاضرين في حدثٍ ولكن دون مشاركةٍ.
كيفيّة التّعامل: بتسليط الضّوء على أهميّة دور كلّ فردٍ في خلق بيئة عمل إيجابية، مع التّركيز على المشاركة الفعّالة والتّعاطف مع ما سيحدثُ فرقاً كبيراً في مواجهة السّلوكيّات السّلبيّة وتعزيز ثقافة الدّعم والتّشجيع المُتبادل.
ختاماً، مع إدراكنا لتأثير هذه الشّخصيّات على بيئة العمل، نؤكّد على أهميّة التّعامل معها بشكلٍ يُحفّز التّحسين والنّمو للجميع. لذلك، سنفرد لكلٍّ من الشّخصيات المذكورة مقالاً مستقلاً يغوص في التّفاصيل الخاصّة بالتّعامل معها. كما سنعملُ على إثراء هذه المقالات بالنّصائح العمليّة والأمثلة الواقعيّة التي تساعدُ في بناء بيئة عملٍ أكثر إيجابيّةً وتعاوناً، حيث يُمكن لكلّ فردٍ أن يشعرَ بالتّقدير والانتماء.