زينب سلبي: من بيت الطيار الشخصي لصدام حسين إلى قائدة التغيير العالمي
الناشطة العراقية التي تغلّبت على تحديات شخصية قاسية لتؤسس منظمة "نساء من أجل النساء" الدولية، محققةً إنجازات هائلة في دعم وتمكين النساء في مناطق النزاع حول العالم
زينب سلبي، الطِّفلة التي كان والدها الطَّيار الشَّخصيّ للرَّئيس العراقي الرَّاحل صدام حسين، قرَّرت قول "لا" في عمر الـ 23 عاماً، لتؤسِّس منظمة "نساءٌ من أجل النَّساء" الدُّوليَّة، والتي ساعدت من خلالها أكثر من 400 ألف سيدةٍ في نحو ثماني مناطق تعيش حروباً ونزاعاتٍ.
تقول النَّاشطة بحقوق المرأة والكاتبة العراقيَّة الحاصلة على الجنسيَّة الأميركيَّة، زينب سلبي، إنَّها شخصٌ مخلصٌ للجميع بمواءمة عملها وحياتها مع قيمنا، وتمضي في التَّعريف عن نفسها قائلةً، إنَّها تتأمَّل يوميَّاً وتحبّ طهي الأطباق النباتيَّة، وتخجل من الاعتراف أنَّها تكتب الشَّعر، كذلك فإنَّها تجد طريقها بتعلِّم البيانو، ولكنَّ كلّ ذلك لا يمكن أن يتفوَّقَ على حبِّها للمشي لمسافاتٍ طويلةٍ وركوب الدَّراجات الهوائيَّة ومعرفة الله. [1]
بتعريفها المرهف عن نفسها، بالإمكان أخذ فكرةٍ وافيةٍ عن ذاتيَّة شخصيَّة النَّاشطة العراقيَّة الأصل، التي صنفتها الإعلاميَّة الشَّهيرة أوبرا وينفري في مجلّة بيبول كواحدةٍ من بين 25 امرأةٍ غيَّرت العالم، كذلك مجلة فورين بوليسي التي صنّفتها ضمن قائمة 100 مفكِّرٍ عالميٍّ رائدٍ، وشركة فاست التي صنَّفتها من بين أكثر 100 شخصٍ مبدعٍ في مجال الأعمال عام 2018. [2]
ظروف حياة زينب سلبي
ولدت النَّاشطة العراقيَّة في العاصمة العراقيَّة بغداد عام 1969، وكان العنفُ طابع البيئة التي عاشت فيها، إذ شهدت الحرب العراقيَّة الإيرانيَّة، كذلك كان والدها الطَّيار الشَّخصيّ للرَّئيس العراقيّ صدَّام حسين؛ لتعاني من حالةٍ نفسيَّةٍ سيئةٍ نتيجةَ الضَّغط الكبير الواقع على العائلة والرُّعب المستمرِّ من مهمَّة والدها، وفي سنٍّ الـ19 اعتقدت عائلة زينب أنَّه بتزويجها من أميركيٍّ عراقيٍّ كبيرٍ في العمر يعيش في الولايات المتَّحدة الأميركيَّة، أمراً منقذاً للشَّابة، فتمَّ إرغامها على الزَّواج دون إرادتها، لتبدأ مرحلةً جديدةً من الخوف والعنف.
في عام 1990 تمّ الزَّواج، الذي تحوَّل إلى رحلة عذابٍ استمرَّت حتَّى وقع الطَّلاق بعد فترةٍ قصيرةٍ، تعرَّضت فيها للاغتصاب الزَّوجي، فحصلت على الطَّلاق وغادرت من شيكاغو إلى واشنطن ولم تكن تملك حينها سوى 400 دولارٍ، لتتعرّف هناك على زوجها الفلسطينيّ أمجد عطا الله، ويستمرُّ زواجها منه من عام 1993 وحتى 2007 حين وقع الطَّلاق بينهما.
في واشنطن واجهت زينب الحياة بشجاعةٍ مطلقةٍ، حيث تخرَّجت من قسم علم الاجتماع والدِّراسات النِّسائيَّة بدرجة بكالوريوس في جامعة جورج ماسون، إضافةً إلى حصولها على درجة الماجستير في دراسات التَّنميَّة من جامعة لندن.
في النِّهاية المساعدة التي قدّمتها زينب لمئات آلافِ النِّساء عادت عليها بالفائدة، حيث تقول في أحد لقاءاتها الصَّحفيَّة، إنَّ محادثاتها مع النِّساء النَّاجيات من الحروب، ساعدتها على شفاء نفسها.
شاهد أيضاً: نور الحسن.. رائدةُ أعمالٍ راهنت على نجاح النساء
زينب سلبي ومنظمة نساء من أجل النساء
ليس من المبالغةِ القولُ، بأنَّ زينب سلبي، كرسّت نفسها لمساعدة النِّساء، ففي عمر الـ 23 عاماً، وبينما تنصرَّف النِّساء لحياتهنّ ومستقبلهنّ، ذهبت باتجاه آخر، لتؤسِّس منظَّمة "نساءٍ من أجل النِّساء العالميَّة"، التي تُعنى بخدمة النِّساء النَّاجيات من الحروب ومناطق النِّزاع، عبر تقديم الدَّعم الماديّ والمعنويّ لهنّ ومساعدتهنّ على إعادة بناء حياتهنّ.
فكرة ولادة المنظَّمة جاءت خلال سفرها إلى البوسنة لمحاولة مساعدة النِّساء النَّاجيات من الحرب هناك، اللواتيّ عشنّ ظروفاً أكثر من مأساويةٍ؛ فقدنّ عوائلهنّ، تعرضنّ للعنصريَّة والتَّطهير العرقيّ، واغتصبنّ وتألمنّ، وجمعت الشَّابة الطَّموحة الأموال لمساعدة النِّساء، وتوفير الدَّعم والتَّعليم وسبل الحياة لضمان استمرارهنّ، لتقرَّر تأسيس المنظَّمة عام 1993، والتي تمكّنت في البداية من تدريب حواليّ الثَّلاثين سيدة في البوسنة، ليمتدَّ التَّأثير شيئاً فشيئاً وتحققَّ المنظمة نموَّاً كبيراً وتقدَّم خدماتها لمئات آلاف النِّساء في مناطق النَّزاعات.
تولَّت زينب سلبي إدارة المنظمة التي أسَّستها، في الفترة بين عام 1993 وحتَّى 2011، ساعدت خلالها أكثر من 400 ألف امرأةٍ في ثماني مناطق حروب، قدّمت لهنّ نحو 146 مليون دولارٍ أميركيٍّ كقروضٍ ومساعداتٍ، وتركت أثرها الطَّيب لدى أكثر من 1.7 ملايين شخصٍ من عوائل النَّساء اللَّواتي استفدنّ من مساعدة المنظَّمة.
ما رأته الشَّابة العشرينيَّة وقتها من نساءٍ مغتصباتٍ في البوسنة وكرواتيا، غيّر حياتها تماماً، وتقول إنَّها أدركت كم أنَّ المرأة تدفع ثمناً مضاعفاً خلال النِّزاعات والحروب، بوصفها الفئة الأكثر هشاشةً، ما يفرض على المنظَّمات وناشطي حقوق الإنسان مساعدة النِّساء على العمل لضمان لقمة العيش، ودعمهنّ ليكنّ فاعلاتٍ في اتِّخاذ القرارات سواءً داخل المنزل أو خارجه.
زينب سلبي أوبرا وينفري الشرق الأوسط
شكّل العام 2015 مرحلةً جديدةً في حياة النَّاشطة العراقيَّة، حيث أطلقت برنامج "نداء شو" الخاصَّ بإنجازات النِّساء في العالم العربيّ، ليكون نسخةً مشابهةً من برنامج الإعلاميَّة الأميركيَّة، أوبرا وينفري.
لكنّ الرِّحلة لم تتوقف هنا، إذ يبدو أنَّ النِّضال لأجل النِّساء لا يمنح المناضلات ترف التَّقاعد، مهما تقدَّم العمر أو كثرت المسؤوليَّات والانشغالات، ففي عام 2016، أطلقت زينب مشروعاً حمل اسمها، وهو عبارةٌ عن سلسلةٍ عالميَّةٍ تمَّ إنتاجها بالتَّعاون مع هافينغتون بوست، حيث تسافر بلا خوفٍ حول العالم؛ لتبرز قصص النِّساء المكافحات للبقاء على قيد الحياة في ظروف الحروب والصِّراعات.
شاهد أيضاً: لينا خليفة مؤسسة مشروع "She Fighter" الذي نجح في إنقاذ النساء
مؤلفات زينب سلبي
كانت مؤلَّفات النَّاشطة العراقيَّة، جزءاً لا يتجزَّأ من نضالها النَّسوي ضدَّ الظُّلم، فأصدرت عدَّة كتبٍ، مثل "الهروب من الطغيان"، وهو من أكثر الكتب مبيعاً من حول العالم، كذلك كتاب "الحريةُ مهمَّةٌ داخليَّةٌ"، الذي يساعدنا على النَّظر بطريقةٍ مختلفةٍ إلى ذواتنا، بهدف محاولة تغيير العالم الخارجيّ من حولنا، وتنصحنا من خلاله أن نواجه شبح الماضي قبل البدء بمواجهة أشباح الحاضر والمستقبل، وتقدَّم من خلاله بعض تفاصيل حياتها، كما تشاركنا بعض اللَّحظات المؤثّرة التي واجهتها خلال مساعدة النِّساء.
أمَّا في كتابها "الجانب الآخر من الحرب"، تشاركنا الكاتبة العراقيَّة العديد من قصص النِّساء خلال الحروب، وتقول فيه: "الحرب ليست صاروخاً يتمُّ إنتاجه بواسطة الكمبيوتر ويضرب خريطة رقميَّة، والحرب هي لون الأرض عندما تنفجر في وجوهنا، وصوت استغاثة الأطفال، ورائحة الدُّخان والخوف، والنِّساء النَّاجيات من الحرب لسنٍّ كذلك"، وتضيف أنَّه من خلال فهم النِّساء، والجانب الآخر من الحرب، ربَّما نمتلكُ المزيد من التَّواضع خلال مناقشاتنا حول الحروب، ربَّما حان الاستماع إلى الجانب النِّسائي من التَّاريخ.
منظمة النِّساء من أجل النِّساء، إلى جانب كونها ساعدت الكثير منهنّ، إلا أنَّها تأتي لتكسرَ الصّورة النَّمطيَّة التي تقول إنَّ المرأة عدوة المرأة، وتخبرنا أنَّ المجتمع والظُّروف والحروب هنّ أعداء النَّساء، باختصار هي زينب سلبي واحدةٌ من نساءٍ قليلاتٍ، يجعلننا نشعرُ بالفخر لوجودهنّ بذات نوعنا الاجتماعيّ.
لمزيدٍ من قصص النجاح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.