فنّ الصفقات الذكية: كيف تربح دون أن تخسر الآخرين؟
التفاوض ليس ساحة معركةٍ، بل أسلوبٌ لتحقيق التّوازن بين الرّبح والإنصاف لضمان النّجاح المستدام
![images header](https://incarabia.awicdn.com/site-images/sites/default/files/default_image_inc_arabia.jpg?preset=v4.0_770X577&save-png=1&rnd=1519151RND220215)
عندما كُنتُ شابّاً ينشأ وسط الفقر والضّياع في شوارع المدينة وظروف الحرمان، كُنتُ أعتقد أنّ الفوز في أيّ صفقةٍ يعني أنّ «يأخذ الفائز كلّ شيءٍ». كانت رؤيتي للنّجاح ترتكز على جمع أكبر قدرٍ من المال والحصول على أفضل الشّروط الممكنة، وإذا لم أترك خصمي محطّماً وخاسراً بلا حولٍ ولا قوّةٍ، يراودني شعورٌ بأنّني لم أحقّق الفوز الحقيقيّ.
لقد كان هناك متعةٌ عارمةٌ في إحباط الآخرين خلال الصّفقات لفترةٍ من الزّمان، حتّى أدركت بأنّ هذه الاستراتيجيّة جعلت من يتعاملون معي يصبحون غير راغبين في أيّ تعاملٍ مستقبليٍّ، وهنا واجهت نفسي مع مفهوم لعبة مجموع الصّفر، حيث إنّ نجاح أحد الطّرفين يعني خسارة الطّرف الآخر. وبكلّ أسفٍ، وجدت نفسي غارقاً في هذا الفخّ.
استغرقت سنواتٍ من التّجارب والتّعلّم، مُبدّداً العديد من الفرص ومحرقاً الجسور مع الآخرين، حتّى وصلت إلى استنتاجٍ مفاده أنّ الصّفقات النّاجحة ليست تلك الّتي يحقّق فيها الفوز على حساب الآخرين، بل هي تلك الّتي يشعر فيها جميع الأطراف بأنّها رابحةٌ، وهو ما أحبّ أن أطلق عليها «صفقات الفوز المتعدّد». واليوم، بصفتي وكيل مواهب، وصانع صفقاتٍ، ومحامٍ إعلاميٍّ، أكرّس جهودي في تعليم الآخرين كيفيّة التّفاوض وإبرام صفقاتٍ تحقّق فوزاً جماعيّاً.
لماذا لا تعمل استراتيجيّة لعبة مجموع الصفر؟
في عالم صناعة الصّفقات، كثيراً ما نجد أنّ الأشخاص المتنافسين يسعون دائماً للفوز من خلال جمع أكبر عددٍ من النّقاط على لوحة النّتائج. ولكن في بعض الأحيان، يذهب بعض صانعي الصّفقات إلى ما هو أبعد من مجرّد الفوز، فهم يريدون أن يسحقوا خصومهم بشكلٍ كاملٍ حتّى لا يتبقّى لهم أيّ فرصةٍ للعودة.
لكن الحقيقة أنّ التّعامل في الصّفقات على المدى الطّويل يتطلّب أسلوباً أكثر توازناً، فلا يمكن أن يكون المرء جشعاً أو متعجّرفاً جدّاً. أتذكّر كلمات جدّي الّذي كان يشرح لي الأمر قائلاً: "اطلب ما يكفيك، فالمبالغة في الطّمع قد تدمرك"، وقد كان يقصد بذلك أنّ على صانع الصّفقة أن يطلب ما يكفي لتحقيق النّجاح دون الإفراط، حتّى يتمكّن من الاحتفاظ بعلاقاتٍ مستقبليّةٍ جيّدةٍ، وربّما يستفيد من بعض الإضافات دون تجاوز الحدود.
فمن يدفع أكثر من اللازم، سواء كان ذلك أثناء التّفاوض على شراء مكتبٍ مستعملٍ، أو طلب زيادةٍ في الرّاتب، أو حتّى عقدٍ بملايين الدّولارات، سيواجه عواقب وخيمةً، فإمّا أن تنهار الصّفقة تامّاً، أو أن يحرق جسور العلاقات مع الآخرين، ممّا يدفعهم للابتعاد عن التّعامل معه، وربّما ينصحون غيرهم بتجنّبها.
كيف تصنع صفقة فوزٍ متعدّدٍ؟
لتحقيق صفقة فوزٍ متعدّدٍ، عليك اتّباع الخطوات التّاليّة:
1. اترك دائماً شيئاً بسيطاً جانب الطاولة
إذا كان هدفك هو الوصول إلى صفقةٍ تحقّق ربحاً مشتركاً للجميع، فمن الضّروريّ ألّا تسعى لاستخلاص كلّ شيءٍ من الطّرف الآخر، إذ يجب أن تترك مجالاً صغيراً يمنح الجميع فرصةً للفوز. كما قال الصّناعيّ الأمريكيّ الشّهير ج. بول جيتي: "قال لي والدي: لا تحاول أبداً أن تحصل على كلّ المال الموجود في الصّفقة، دع للطّرف الآخر فرصةً لكسب بعض المال أيضاً؛ لأنّه إذا اكتسبت سمعةً بأنّك تأخذ كلّ شيءٍ، فلن تتاح لك الكثير من الفرص في المستقبل"، إذ يساعد هذا المبدأ على بناء علاقاتٍ طويلة الأمد، ويضمن استمرار التّعاون بين الأطراف.
2. شمول جميع أصحاب المصلحة في العمليّة
ليس الهدف من الصّفقة هو مجرّد تحقيق ربحٍ متبادلٍ بين طرفين، بل يجب أن يكون الفوز مشتركاً بين جميع الأطراف المعنيّة. على سبيل المثال، فكّر في نموذج عمل "ستاربكس" (Starbucks)، حيث تقدّم الشّركة صفقاتٍ تحقّق منفعةً متعدّدةً لأصحاب المصلحة، فمن خلال برنامج مكافآت ستاربكس والخصومات المقدّمة عند إحضار الكوب الخاصّ بك، يحقّق المستهلك توفيراً في نفقاته، وتقلّ تكاليف ستاربكس باستخدام عددٍ أقلّ من الأكواب، وفي الوقت نفسه تفوز البيئة بانخفاض عدد النّفايات النّاتجة عن تصنيع الأكواب. تعدّ هذه الصّفقة المتكاملة نموذجاً رائعاً لصفقات "الفوز المتعدّد"، إذ أنّ كلّ جهةٍ معنيّةٍ تجني فوائدها الخاصّة.
إذا كانت ستاربكس قد احتفظت بنفس الأسعار بغضّ النّظر عن استخدامك لأكوابهم أو كوبك الخاصّ، لما كان بالإمكان تحقيق مثل هذا الفوز المشترك. لذا، يكمن السّرّ في ترك مساحةٍ بسيطةٍ للتّفاوض والتّفكير في مصلحة جميع الأطراف، ممّا يساعد على خلق صفقةٍ مربّةٍ للجميع، حتّى وإن لم يكن ذلك ممكناً في كلّ صفقةٍ. الفكرة الأساسيّة هي أن تجعل "الفوز المتعدّد" دليلك ومرشدك في كلّ مفاوضةٍ، لتضمن بذلك استفادةً شاملةً ومستدامةً لجميع المعنيّين.