بين الإقناع والتحدي:7 أسئلة ستغير نظرتك لمهارات التواصل
حوارٌ تخيليٌّ ممتعٌ وموضوعيٌّ بين شخصيتين متناقضتين حول أهمية مهارات التواصل
الحوار التَّالي في هذا المقال هزليٌّ، ولكنَّه موضوعيٌّ، ومحايدٌ، وتخيليٌّ في الأساس، فهو ينقلُ حواراً بين شخصين، الأوَّل سنطلقُ عليه اسمَ "أحدهم"، وأحدهُم هذا يرى أنَّ لمهارات التواصل أهميَّةً كبيرةً، والشَّخصُ الثَّاني سنسمّيه "أحدهم الآخر" يرى أنَّ مهارات التَّواصل ليست بالأهميَّةِ الكبيرةِ التي يزعم بها "أحدهم".
دورك عزيزي القارئ أن تراقبَ الحوار، ودورنا كفريقِ عملٍ أن ننقله لكَ، ونحدِّد بعد عرضه لكَ نقاطه وأفكاره الأساسيَّة التي يمكنُ استخلاصها منهُ في إيجازٍ وتحديدٍ، فهذا الإيجاز قد يكونُ مفيداً للإشارة كذلك إلى أفكارٍ لم يتطرَّق لها "أحدُهم" و "أحدُهم الآخر" فإلى الحوار..
السؤال الأول
لماذا أحتاجُ لتحسينِ مهارات التواصل وأنا بشهادة الجميع ناجحٌ في عملي، وأشغلُ فيه منصباً قياديَّاً وصلتُ إليه عن استحقاقٍ؟
فائدة مهارات التواصل ليست في مجال العمل فحسب، فعلى الرَّغم من التَّقدير الَّذي تحظى به من جانب روَّاد الأعمال، فهي تُحقّقُ فائدةً حياتيَّةً عظيمةً إذا ما رُوعي استخدامها في تفاعلكَ مع أصدقائكَ، وعائلتكَ، وكلّ من يقعُ في دائرةِ تعاملُك بشكلٍ عامٍّ، سواءً كان في دائرة بيئة العمل، أو في دائرة حياتكَ الشَّخصيَّة، بالطَّبع لا لأحدٍ إنكار اسحقاقك لما وصلتَ إليه مهنيَّاً، فبالتَّأكيدِ لو لم تبذل جهداً لما وصلت إليه، ولكن هل يمكن أن تجزمَ أنَّ النَّتيجةَ لن تكون أفضلَ لو كانت لديكَ قناعة أهميَّة مهارات الاتصال؟
شاهد أيضاً: كيفَ تستخدم الذكاء العاطفي لتهدئة الزبون الغاضب؟
السؤال الثاني
من أغرب ما سمعتُ فيما يخصُّ مهارات التواصل هو "الاستماعُ النَّشط"! ما الذي يجبُ عليَّ فعلهُ لأكونَ مستمعاً نشيطاً؟ أستمعُ وأنا واقفٌ مثلاً؟
إذا لم أقاطعك أثناء حديثكَ، أو فعلت ما يشعرُكَ بتجاهله من الأساس، أو انشغلت أثناءهِ بتفقُّد هاتفي وأنا أشير برأسي متظاهراً أنَّني أستمع إليك، فأنا في هذه الحالة مستمعٌ غير نشطٍ، الاستماع للطَّرف الآخر من أهمّ مهارات الاتصال، بل لا يقتصر على مجرَّد الانتباه أو عدم المقاطعة، فيمكن أن يكون مستواه أكثر تقدُّماً، حين أُحاول استيضاح ما تعرضهُ خلال حديثك في صورة سؤالٍ أو عدَّة أسئلةٍ أطرحها، ثمَّ أُعيد صياغةَ إجاباتك عن هذه الأسئلة لأتأكَّد من موافقتك لها أنَّني فهمتُ تماماً ما أقصده، بالمناسبة هذه هي العادةُ الخامسة في كتاب ستيفن كوفي Seek first to understand then to be understood، هناك مستوىً أعلى بكثيرٍ، حين أُنصتُ لكَ وأشاركك وجدانيَّاً، ولكنَّ هذا يتطلَّب قدراً لا بأس به من الذكاء العاطفيّ.
السؤال الثالث
على ذكر الذكاء العاطفي، يا سيدي الفاضل مفهوم الذَّكاء معروفٌ، لا يخرجُ الأمرُ عن كون الشَّخص ذكيَّاً أو غبيَّاً، فما هو الذكاء العاطفي؟
قد تحتاج نظرتك للذَّكاء لبعض العمق، فالذُّكاء أنواعٌ، وأنواعُه كثيرةٌ، ثمانيَّةُ أنواع، بل تسعةٌ وفقَ نظريّةٍ أُخرى، فهناك الذَّكاء اللُّغويُّ مثلاً، يتمثَّل في القدرة على استخدامِ المفرداتِ اللُّغويَّةِ، وجودة صياغتها، يتمتَّع الكُتَّاب والمترجمون وغيرهم ممن يجيدون استخدام اللُّغة كأداةٍ بقدرٍ وفيرٍ منه، وهناك أيضاً الذَّكاء الاجتماعيُّ، وهو المصطلح الذي لا شكَّ أنَّك سمعته من قبل، أمَّا الذَّكاء العاطفيُّ فهو القدرةُ على فهم ردود أفعالِ الآخرين وتفهُّمها وتفهُّم مشاعرِهم والتَّفاعل معهم ومعها، بشكلٍ يؤدّي إلى نتائج إيجابيَّة، يعبّر بعضهم عن ذلك بمصطلح التعاطف.
السؤال الرابع
أنتم أنصار مهارات التواصل تضخِّمون الأمر بشكلٍ كبيرٍ، ألستُم تدينون مواقع التواصل الاجتماعي، وترون أنَّها تؤثّر سلباً على مهارات التواصل، وتُغفلون في نفس الوقت أنَّ مصطلح مواقع التواصل الاجتماعي يتضمَّن لفظة التواصل، أليس هذا تناقضاً واضحاً؟
قطعاً هو تواصل: ولكنَّه تواصلٌ غير حقيقيٍّ، وافتراضيٍّ، كما أنَّ انتشاره على نطاقٍ واسعٍ بين مختلفِ الأعمار -وبالأخصّ في جيل الألفيَّة- أسهم بشكلٍ أو بآخر برسائله القصيرة والمبتسرة في ضعف مهارات الاتصال، فهل تعلم أنَّ نتيجة استطلاعٍ أجرته مجموعة Hay Group كانت أنَّ 80% من مديري الموارد البشرية الَّذين تحدَّثوا إليهم أفادوا بأنَّه كان من الصَّعب العثور على خريجين مجهَّزين بالمهارات الاجتماعيَّة والعاطفيَّة المطلوبة، وأنَّ 69% من جيل الألفيَّة الَّذين شملهم الاستطلاع أنَّ المهارات الشَّخصيَّة تُعيق إنجاز المهمَّة بسبب ضعف مهارات الاتّصال لديهم؟ [2]
السؤال الخامس
أعتمد في عملي بشكلٍ كبيرٍ على الإيميلات، فهي تحقّقُ لي المساحة الآمنة، والتَّوثيق اللَّازم والضَّروريَّ فيما يخصُّ مهامِّي ومسؤوليَّاتي، فكيف لا تأخذ أهميَّةً لديكم؟
تأخذ أهميَّتها وقيمتها مقدَّرةً بكلّ تأكيدٍ، ولكن قد نكون مختلفين في طريقة توظيفها، وفي مدى الاعتماد عليها، فهي ككلّ شيءٍ لها جانبٌ سلبيّ إذا ما أُسيء استخدامها كوسيلة تواصلٍ، ويظهر هذا الجانبُ السَّلبيُّ حين يعتمدُ عليها فقط دون غيرها، مع التَّجنُّيب التَّامّ للتَّواصل المباشر، حينها يُهدر الكثير من الوقت والجهد لا في كتابتها فقط، بل في محاولة تفسير ما تحتويه عن طريق المراسلات الكتابيَّة، يمكن إنجازُ كلّ شيءٍ بالاعتماد الأساسيّ على التواصل المباشر، وتكون المراسلات أداةً للذي تمَّ الاتّفاق والانتهاء إليه أثناء الاتصال بشكلٍ مباشرٍ وجهاً لوجهٍ، أو خلال المحادثاتِ الهاتفيَّةِ وفق ما يسمح به الوقتُ، وتسمحُ به طبيعةُ المسألة. [1]
وفي ختام نقاشنا وقبل طرح السُّؤال الأخير، لا بدَّ من التَّأكيد على النّقاط الرَّئيسيَّة التي سلَّطت الضَّوء عليها الإجابات السَّابقة:
- تبرزُ أهميَّة مهارات الاتصال ليس فقط في تعزيز بيئة العمل، بل وتمتدُّ آثارها الإيجابيَّة إلى جميع جوانب حياتنا الشَّخصيَّة والاجتماعيَّة.
- تظهرُ مهارات الاتصال في شكلين أساسيّينِ: لفظيٌّ من خلال التَّفاعل الذَّكيّ عاطفياً والتَّواصل الوجدانيّ الفهميّ للطَّرف الآخر، وغيرُ لفظيٍّ يتجلَّى في الإنصات الفعَّال أو ما يُعرفُ بـ"الاستماع النشط".
- يُحذَّر من الإفراط في الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي الافتراضيَّة، والَّذي قد يؤثِّر سلباً على قدرتنا على التَّواصل الفعَّال في الحياة الواقعيَّة.
- على الرَّغم من أهميَّة المراسلات النَّصيَّة والإيميلات، إلَّا أنَّها لا ينبغي أن تحلَّ محلَّ الاتصال المباشرِ والحوار الوجهيّ.
- يُعدُّ التَّدريب والتَّطوير المستمرُّ على مهارات التواصل الفعَّال عنصراً حاسماً في بيئة العمل، ومع ذلك فمن الضَّروريّ أيضاً تخصيصُ البرامج التَّدريبيَّة لتلبيَّةِ احتياجات وقدرات كلّ فريقِ عملٍ بشكلٍ عمليٍّ ومفيدٍ.
- في النَّهاية، مهارات الاتصال لا تقتصر فقط على الجوانب المذكورة أعلاه، بل تشملُ جوانب حيويَّةً أُخرى أيضاً، وتستحقُّ الاستكشاف بمزيدٍ من التَّفصيل في مقالاتٍ منفصلةٍ، مثل القدرةِ على الإقناعِ، وتقبُّلِ النَّقد، ومهارات التَّفاوض، التي تعدُّ في جوهرها جزءاً لا يتجزَّأ من فنّ التواصل.
السؤال السادس
لنفترض -جدلاً- أنَّي اقتنعتُ بأنَّ مهارات التواصل على قدرٍ كبيرٍ من الأهميَّة كما تَزعُم، فهل -واعتبره تحدّياً إن شئت- بإمكانك أن توفّرَ لي برنامجاً تدريبيَّاً يمكُّنني من تطوير مهارات التواصل لفريقي في ظرف أسبوعٍ واحدٍ فقط؟
لكلّ برنامجٍ يهدف إلى التَّدريب والتَّطوير نطاقهُ الزَّمنيُّ الذي يتحدَّد تبعاً لطبيعة البرنامج، ولِما يستدعيه، وأخيراً طبيعةُ المتدرِّب ذاته وإمكانيَّاتهِ وقدراتهِ، فبعد أن تتعرَّف على ما يحتاجه أفراد فريق عملك أولاً، وفي أيّ النّقاط تحديداً من نقاط مهارات الاتّصال هم بحاجةٍ إلى تطويرٍ فيها، يمكن حينئذٍ تصميم برنامجٍ تدريبيٍّ يساعدهم على تنميةِ مهاراتهم، ومع ذلك فهناك ما يمكن أن نطلق عليه "الخطوط العريضة" والتي يمكن وضعها في أيّ برنامجٍ هدفُه تطويرُ مهارات الاتّصال، وهي: التَّدرُّب على الإنصات الفعَّال، والتَّدرُّب والتّعاطف وتنميَّة مهارات الذكاء العاطفي، والتَّدرُّب على لغة الجسد.
الآن حانَ وقتُ سؤالك عزيزي القارئ..
السؤال السابع
ما الذي يمكن أن تضيفهُ لإقناع صديقنا "أحدهم الآخر" بأهميَّة مهارات التواصل؟
لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.