سر العلامات الشخصية الناجحة: كيف تُعزّز هويتك المهنية بذكاء؟
ركّز على نقاط قوتك والشغف الخاص بك، فالسّر يكمن في التَّفرد وليس في السعي لتحقيق الأفضليَّة فقط.
سواءً أكنت رائدَ أعمالٍ يدير مشروعاً صغيراً، أو مؤثِّراً يسعى لترك بصمةٍ في عالمٍ متلاطمٍ، أو مديراً شابَّاً يخطو أولى خطواته نحو القيادة، أو حتَّى قائداً في قمَّة هرم السُّلطة، فإنَّ الحقيقة الثَّابتة واحدةٌ: لكلٍّ منَّا علامة تجارية شخصية، تماماً كظلالنا التي لا تُفارقنا، سواءً اخترنا إدارتها بعنايةٍ أم تركنا الأمور لتسير على هواها. [1]
وتتباينُ أهدافنا في إدارة هذه العلامات التجارية الشخصية تبايناً كبيراً، وفي دوري كمرشدٍ لروَّاد الأعمال والقادة الطَّامحين، فإنّني دائماً ما أبدأ بتصحيح مفهومٍ رئيسيٍّ: الهدف ليس الصُّعود على منصَّات الشُّهرة أو جمع حشودٍ من المتابعين كما لو كنَّا نجمع النّقاط، بل الغاية أسمى وأعمق: وهي مساعدتهم على إنشاء هويتهم المهنية بدقَّةٍ وفنٍّ، كنحاتٍ يُشكِّل تمثاله بإتقانٍ.
وما إن تتّضح لكَ معالم هويَّتك المهنيَّة، حتَّى تُفتح أمامكَ أبواب عالمٍ جديدٍ، إذ تتحسَّن قدرتكَ على التَّركيز يوميَّاً، ويُصبح مسارُ مهنتكَ واضحاً، وتزيدُ ثقتكَ بنفسكَ، بتلكَ اللَّحظة، يتحوَّل تقديم نفسك إلى الآخرين من مهمَّةٍ تحتمل القلق والتَّردُّد إلى رحلةٍ يسيرةٍ وممتعةٍ. أليست تلك الرُّؤية مثاليَّة إلى حدٍّ يكادُ يكون ذلك حُلماً؟ لكنَّها، بلا شكٍّ، ضمن متناول اليدِ لمن يجرؤ على السَّعي خلفها.
عندما أغوص في حواراتٍ عميقةٍ مع روَّاد الأعمال المبدعين والمديرين التَّنفيذيين الطَّموحين حول الخطأ الَّذي يظلُّ يطاردهم في مسيرة تشكيل علامتهم التِّجاريَّة الشَّخصيَّة، تبرزُ أمامي مجموعةٌ من الأفكار المتقاطعة تكشف عن نمطٍ مثيرٍ للاهتمام.
بصورةٍ شائعةٍ، يعترف هؤلاء القادة بإدراكهم لأهميَّة الإضاءة على نقاط قوَّتهم، لكن يحيطهم خوفٌ ملموسٌ من الوقوع في فخِّ الغرور، وفي محاولةٍ للهروب من هذا المصير، ينتهي بهم الأمر إلى التَّراجع عن إبراز إنجازاتهم بشكلٍ يُعيق قدرة الآخرين على رؤية قيمتهم الحقيقيَّة، مفضِّلين أن يكتشفَ النَّاس بأنفسهم ما يجعلهم متميِّزين.
ومن جانبٍ آخر، أعرب قادةٌ آخرون عن تحدٍّ يواجههم يتمثَّل في عدم قدرتهم على تحديد علامتهم التجارية بدقّةٍ متناهيَّةٍ، إذ يصفون نقاط قوَّتهم بلغةٍ تفتقر إلى الدِّقَّة والتَّفرُّد، مثل الإشارة إلى خبرتهم الواسعة، أو جدارتهم بالثّقة، أو شخصيَّتهم المرحّبة، دون أن يتمكَّنوا من الغوص في تفاصيل محدَّدة تبرز تميُّزهم.
ويعكس روَّاد الأعمال، على وجه الخصوص، إحباطهم من التَّعبير عن "قواهم الخارقة" بوضوحٍ، خاصَّةً أولئك الَّذين قادوا مشاريع في مجالاتٍ متعدّدةٍ وتنوَّعت خبراتهم، كما قد يفصح أشخاصٌ يعملون في القطَّاع الماليّ بأنَّ علامتهم التّجاريَّة تركِّز على سمعتهم في كونهم موثوقين وودودين، أليست هذه مجرَّد متطلَّباتٍ أساسيَّةٍ؟ يدرك هؤلاء التَّنفيذيون جميعاً أنَّ هذه الصّفات إيجابيًّةٌ، لكنَّها تفتقر إلى التَّخصُّص، وليست جذَّابةً بما يكفي لمساعدتهم على إنشاء علامةٍ شخصيَّةٍ قويَّةٍ.
شاهد أيضاً: 3 أخطاء شائعة بين المدراء التنفيذيين عند بناء علامتهم التجارية الشخصية
التَّقليد ومسيرة البحث عن الذَّات في عالم القيادة
تكمن أبرز التَّحدِّيات التي تواجه التَّنفيذيين في رحلتهم نحو تطوير علاماتهم التجارية الشخصية في القدرة على الابتعاد عن مسار التَّقليد والتَّركيز على ما يميُّزهم عن غيرهم.
ونحن كبشرٍ، معتادون منذ نعومة أظافرنا على التَّعلُّم من خلال المحاكاة، ومهيّئون لاستيعاب السُّلوكيَّات من خلال مراقبة الآخرين، وهذا يشكِّل أساساً متيناً في بداية مشوارنا المهنيّ، إذ نستلهم من نجاحات الآخرين، ونتأمَّلُ الطُّرق التي يحقِّقون بها التَّقدُّم والتَّرقّي، ونسأل أنفسنا إذا ما كنَّا قادرين على تحقيق الشَّيءِ ذاتِه، بعبارةٍ أُخرى، نبدأُ مسيرتنا بالمحاكاة والتَّقليد.
ولكن، إذا اخترت الاستمرار على هذا النَّهج طوال مسيرتك، فإنَّك قد تصل إلى مستوىً جيد جداً، وهو بلا شكّ إنجازٌ محترمٌ، لكن بالنّسبة للتَّنفيذيّ الأعلى الذي يطمح لتجاوز العادي وتحقيق نجاحٍ يلفت الأنظار، فإنَّ السّرَّ يكمن في التَّعمُّق بفهم نقاط قوَّتك الفرديَّة والشَّغف الذي يحركك.
التَّميُّز لا يأتي من محاولة تقليد مسارات النَّجاح التي سلكها الآخرون، بل من استكشاف العمق الحقيقيّ لمواهبك وشغفك. وهذا يعني الغوصَ في ذاتك، والتَّعرُّف على ما يجعلك مختلفاً، وبناء علامتك التجارية حول هذه الميّزات الفريدة، فالنَّجاح الباهرُ لا يأتي من مجرَّد الوصول إلى القمَّة، بل من خلق قمَّةٍ جديدةٍ، قمَّة تٌعبِّرُ عن هويتك وتحكي قصَّتك.
شاهد أيضاً: الاستثمار في مواهب الإدارة التنفيذية: 3 علامات تُنبئك متى يصبح ضرورة
التميز يفوق التفوق
في الآونةِ الأخيرة، كنت أعملُ مع نائب رئيسٍ راغبٍ بشدَّةٍ في الارتقاء إلى الكادر التَّنفيذيّ، وخلال تحضيراتنا للمقابلات، استفسرت عن "قدراته الفائقة". وكان ردُّه الأوّليُّ إدراج مجموعةٍ من الصِّفات المتوقَّعة التي يظنُّ أنَّها ستلقى تقديراً من جانب القائمين على التَّوظيف، استلزم الأمر بضع محاولاتٍ قبل أن يُفصِح عن شغفه الحقيقيّ وخبرته المتفرِّدة.
تصوَّر نفسكَ في موقع المقابل، أنت تبحث عن شخصٍ لينضمَّ إلى فريقكَ، بالتَّأكيد توجد عدَّة خصائص تسعى إلى إيجادها، ويجب على المرشَّح الأمثل أن يكون مجتهداً، وقائداً بارعاً، ومتفهِّماً، وما إلى ذلك، ومن الضَّروريّ الكشف عن هذه الصِّفات وتقديم أمثلة عليها في مقابلات العمل وفي ممارساتنا اليوميَّة، لكنَّ ما يجعلنا متميّزين حقَّاً هو ما نتمتَّع به من قدراتٍ وما نبديه من شغفٍ.
وإنَّ أكثر العلامات التِّجاريَّة الشَّخصيَّة إقناعاً هي تلك الأكثر تميُّزاً، فكِّر في رائد التُّكنولوجيا الذي يمتاز بقدراتٍ قياديَّةٍ استثنائيَّة، وهو قادرٌ على استخراج أفضل ما لدى كلِّ فردٍ في شركته وكسب ولائهم، ثمَّ هناك القائد التَّنفيذيّ الذي يجعل من هدفه وخبرته وسيلةً لإحداث تغييرٍ عالميٍّ، ولا ننسى الرَّئيس التَّنفيذيّ الذي يحفّز فريقه على الابتكار والمخاطرة والإبداع من خلال تبنّيه للشَّفافيّة وقبوله للضَّعف كجزءٍ من العمليَّة الإبداعيَّة.
ولتجنُّب الوقوع في الخطأ الَّذي يقع فيه العديد من التَّنفيذيين بخصوص علامتهم التجارية الشخصيّة، من المهمِّ طرح بعض الأسئلة الأساسيَّة على النَّفس:
- ما الجوانب التي أمتاز بها عن زملائي؟
- ما الَّذي يعطيني الطَّابع المميّز داخل مؤسِّستي؟
- ما هي الأفكار القياديَّة التي تمنحني التَّفرُّد في ميدان عملي؟
- ما هي المهارة الفريدة التي أملكها، والتي يعتمد عليها الآخرون بشكلٍ كبيرٍ؟
- ما هو شغفي وما هي الخبرة الفريدة التي أحملها؟
بالنَّظر إلى الأفراد الأكثر نجاحاً ورضا في محيطكَ، ستجدهم غالباً يُركّزون بشكلٍ كبيرٍ على نقاط قوتَّهم وشغفهم الخاصِّ؛ فالسّر يكمن في التَّفرُّد وليس في السَّعي لتحقيق الأفضليَّة فقط.
لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.